في أمسية استثنائية جمعت بين العمق الأكاديمي والبعد التاريخي، احتفلت جامعة الحكمة – Université La Sagesse ، بتخريج دفعة جديدة من طلابها تحت عنوان "دفعة اليوبيل الـ150"، في حرم كلية إدارة السياحة وفنون الضيافة – الأشرفية، بحضور رسمي وروحي وأكاديمي لافت، تقدّمه غبطة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، ورئيس مجلس أمناء الجامعة المطران بولس عبد الساتر، ورئيس جامعة الحكمة البروفسور جورج نعمة إلى جانب شخصيات سياسية، دبلوماسية، تربوية، وعائلات الطلاب.
وتميّز الحفل هذا العام بخصوصيته المزدوجة: من جهة، تخريج أكثر من 500 طالبة وطالب من مختلف الكليات، ومن جهة أخرى، الاحتفال بمرور 150 عاماً على تأسيس الجامعة عام 1875 على يد المطران يوسف الدبس، كأول صرح أكاديمي ماروني في بيروت بعد مجازر 1860، في سبيل ترسيخ الوحدة الوطنية على أسس العلم والعدالة والسلام.
وقدّم عريف الحفل الإعلامي بسام أبو زيد مراسم التخرّج الذي استهله بكلمة ترحيب ومقدمة ذكرت بتاريخ جامعة الحكمة وصولا إلى يومنا هذا، فالنشيد الوطني اللبناني ونشيد جامعة الحكمة.
وبمشاعر الفخر والتأثر، ألقى كلمة الخريجين طليع الدورة جو إيلي وهبه من كليه الإقتصاد وإدارة الأعمال أمام زملائه الخريجين والحضور الكريم، ليعبر في كلمته عن عمق التجربة التي طبعت سنواته الجامعية قائلاً إنني "أقف أمامكم ليس فقط كخريج، بل كصوت ممتن لجيل، جيل تشكّل بجامعة الحكمة، التي تمتد بتاريخها إلى 150 عامًا من الحكمة، والصمود، والرؤية. هذه الجامعة صمدت لأكثر من قرن ونصف، عبر التغيير، والتحديات، والانتصارات، واليوم نشهد دفعة 2025 تصبح جزءًا من هذا الإرث".
واستعاد وهبي بداياته بتأمل قائلاً إنني "دخلت أبواب هذه الجامعة دون أن أدرك مدى عمق تأثير هذا المكان عليّ، ليس فقط كمتعلم، بل كشخص... كانت الرحلة أكبر بكثير من المحاضرات والامتحانات. فتحت جامعة الحكمة أمامي أبوابًا للتدريب والمنافسة والتجربة، علمتني دروسًا لا تنسى".
وأضاف بنبرة امتنان: "إلى أهالينا، كانت تضحياتكم نورًا أضاء الطريق تحت أقدامنا... هذه الشهادة ملك لكم بقدر ما هي لنا. إلى أساتذتنا، شكرًا لإلهامكم، وإلى أصدقائنا، شكرًا لأنكم كنتم جزءًا من الرحلة".
وختم قائلاً إننا "اليوم نحمل مسؤولية استخدام معرفتنا وقيمنا لإحداث أثر إيجابي... فلنمضِ قدمًا كالبنائين للسلام وطالبي الحقيقة وخدام الله. لأن العظمة الحقيقية ليست فيما نملك، بل فيما نعطي".
وفي كلمة جامعة وشاملة، توجّه رئيس جامعة الحكمة البروفسور جورج نعمة إلى الخريجين والحضور، على رأسهم البطريرك الراعي، قائلاً إنه "في لحظة تختصر وتتوج أعوامًا من الجهد والأمل، نجتمع اليوم في رحاب جامعة الحكمة لنحتفي بقطف ثمار تعبكم، ولنحتفل بمسيرة امتدت قرنًا ونصفًا من الزمن".
وأشار إلى أن عام 2025 "ليس مجرد عام دراسي يُطوى، بل يحمل بُعدًا يوبيلّيًا مشرقًا في الذكرى 150 لتأسيس الجامعة"، مذكّرًا بأن الحكمة "لم تكن يومًا برجًا عاجيًا"، بل كانت شاهدًا ومشاركًا في ولادة لبنان الكبير، وفي مقاومة الحروب، وفي بناء الدولة.
وأكد رئيس الجامعة أن "حكمة اليوم، كما الأمس، ستبقى منخرطة في مشروع الوطن"، موضحًا أننا "في جامعة الحكمة، وانطلاقًا من رسالتنا الأكاديمية والمجتمعية، نجدد العهد على التزامنا بالقيم الجوهرية: الحرية، العدالة، المسؤولية الاجتماعية، واحترام كرامة الإنسان".
وتوجّه بالشكر إلى البطريرك مار بشارة بطرس الراعي على حضوره الكريم، واصفًا إياه بـ"علامة حب وعناق أبوي ورسالة دعم معنوي عميق"، مذكّرًا بأن الجامعة انبثقت من رحم الكنيسة وستبقى وفية لها.
وسلط البروفسور نعمة الضوء على الدور الريادي للمطران يوسف الدبس، مؤسس المدرسة عام 1875، مستعيذًا بشهادة دبلوماسي بريطاني قال فيها إن "المطران الدبس قام في مقام دولة عظيمة"، وأضاف أننا "نحمل اليوم شعلة المطران الدبس، ونتعهد بأن نكمل المسيرة التي أطلقها المطران بولس مطر برؤية مؤسساتية، وأن نستمر بقيادة سيادة المطران بولس عبد الساتر راعي أبرشيتنا وولي جامعتنا".
كما توجه إلى الخريجين بالقول إنكم “أثبتّم أنكم جديرون بحمل اسم جامعة الحكمة. أنتم اليوم مدعوون لتكونوا رواد تغيير فعّالين في خدمة المجتمع، أينما حللتم. احملوا معكم إيمان الجامعة بلبنان، وجرأتها في قول الحق، ووداعتها في خدمة الإنسان".
وختم قائلًا إنكم "اليوم، تطوون صفحة مشرقة لتفتحوا كتاب الحياة. خطّوه بالحكمة، زينوه بالفضيلة، واملأوا صفحاته بإنجازات تكون مدعاة فخر لذويكم، لجامعتكم، وللبنان".
وفي ذروة المناسبة، ألقى البطريرك الراعي كلمة مطوّلة خاطب فيها الطلاب والهيئة التعليمية والأهالي، قال فيها إنه "يسرّنا أن نلتقي اليوم في صرح جامعة الحكمة العريق، للاحتفال بتخرّج خمسماية خريج وخريجة من طلابها الأربعة آلاف وخمسمئة، وباليوبيل المئة والخمسين لتأسيسها. فقد أنشأها المثلث الرحمة المطران يوسف الدبس سنة 1875، من أجل وحدة اللبنانيين على العلم والحقيقة والعدالة والمحبة والسلام. فمبروك للخريجين وللجامعة".
وأضاف أن "رسالة جامعة الحكمة منذ تأسيسها الانفتاح على العالمية والتطوّر، ففي كلياتها الثمانية: كليّة الحقوق، كليّة العلوم، كليّة العلوم اللاهوتية، كليّة إدارة الأعمال والاقتصاد، كليّة الشرع الكنسي، كليّة السياحة والعلوم الفندقية، كليّة العلوم السياسة والعلاقات الدولية، كليّة الصحة العامة وكليّة الهندسة؛ تهيّئ أجيالاً من اللبنانيّات واللبنانيين لمواكبة تطورات سوق العمل وترافق الناشطين من أفراد المجتمع في سعيهم للحصول على المعرفة. إن طلاب جامعة الحكمة مدعوون ليكونوا عناصر فعّالة لإحراز التقدّم والابتكار. فمن خلال توجهاتهم الحرّة وانفتاحهم والتزامهم، يسعون من أجل مواطنة موحّدة ومن أجل بناء مجتمع قائم على العدالة والشفافية والأخلاقيّات".
وتابع الراعي "أما رؤية الجامعة فهي أن تصبح مركزاً للبحوث الأساسية والتطبيقية التي تلبي احتياجات وتطورات سوق العمل. إنها بيئة مواتية للتعددية والتنوع الثقافي، تسعى أن تكون مكاناً للحوار. كما تعمل على تحفيز الروح الرياديّة لدى الشباب مما يسهّل اندماجهم المهني وتعمل على تعزيز ثقافة الحياة والأسرة كونها جامعة متجذرة في حياة المدينة. وادراكاً منها لدورها في بناء مفهوم الصالح العام، فإنها تعزّز ثقافة إضفاء الطابع المؤسساتي والشفافية ومكافحة الفساد".
وأكد أن "جامعة الحكمة لم تكن يوماً مجرّد مؤسسة للتعليم، بل كانت على الدوام منبعاً للفكر، وتربية للضمير، ومنارة للحكمة كمنهج حياة ورسالة مستمرّة والتزام انساني ووطني. في هذا اليوم تتجدّد رسالتها في وجوهكم أيها الخريجون والخريجات في دفعة 2025، وتعلن من خلالكم استمرار عهدها مع الأجيال المتعاقبة. في هذا اليوم المبارك نحتفل بيوبيلها المئة والخمسين الذي يختصر قرناً ونصف من العطاء التربوي والفكري والوطني والكنسي. ولا يسعنا في المناسبة إلا أن نذكر بالخير الأساقفة الذين تعاقبوا على أبرشية بيروت ورئاسة مجلس أمناء الجامعة من مثلث الرحمة المطران المؤسس المطران يوسف الدبس، مروراً بخلفائه وصولاً إلى سيادة أخوينا المطران بولس مطر أطال الله بعمره، وبولس عبد الساتر أدام الله رئاسته على الجامعة وحرصه على تعزيز رسالتها في خدمة التربية والإنسان".
وتوجّه الراعي بتحية خاصة إلى رئيس الجامعة الأستاذ الدكتور جورج نعمة على تفانيه في ترسيخ حضور الجامعة كمركز أكاديمي رائد، ومكان حيّ للعلم والقيم والمواطنة، وإلى الهيئتين التعليمية والإدارية اللتين تشكلان العامود الفقري في استمرارية الجامعة بروح التجدد والعطاء. كما خصّص تحية للأهل "شركاء المسيرة، الداعمين والساهرين على نموّ أولادهم، والفرحين بهم اليوم".
ووجه البطريرك الراعي "التحية الأكثر استحقاقاً"، للخريجين والخريجات في دفعة 2025، "الذين تعبتم وثابرتم ونجحتم. وها أنتم اليوم تقفون على عتبة جديدة في حياتكم، والوطن ينتظركم في الإدارة والحقوق والإقتصاد والقانون والهندسة، واللاهوت، والسياحة، والعلوم الفندقية، والعلوم السياسية، والعلاقات الدولية والصحة العامة".
وتابع أن "الجامعة ترسلكم إلى واحات المجتمع والوطن كإرسال ليتورجي، وتقول لكم: "اذهبوا بسلام!" هذا الإحتفال يحمل طابعاً ليتورجياً، لأنه احتفال بنعمة المعرفة التي هي من الله، وبنمو المواهب التي وهبكم إياها الروح القدس، وهذا التخرج هو نوع من "الارسالية"، لأنكم اليوم ترسلون إلى العالم، كما كان السيّد المسيح يرسل تلامذته، بعد إعدادهم ليكونوا نوراً وملحاً في الأرض. لذلك نرفع الشكر لله، الذي رافقكم بنعمته طوال سنوات الدراسة، ونعاهده أن نبقى شهوداً له في ساحات العمل، وفي مراكز التأثير، وفي ضمير الحياة اليومية. أنتم تنهون اليوم مرحلة، لكنكم تبدأون أخرى: مرحلة العطاء والالتزام المجتمعي، والشهادة في المسلك للحقيقة والخير والجمال".
وخاطبهم مجدداً قائلاً إنكم "بهذا التخرّج تدخلون رحاب الوطن، لا كمتفرّجين، بل كفاعلين، مبدعين، مؤمنين بقدرتكم على صنع الفرق. لبنان بنتظركم لتبنوا وتنيروا وتجدّدوا. كونوا سفراء الثقة، وكونوا التغيير الذي ترجونه، والالتزام في الأخلاق المهنية. وازرعوا فيه ما تلقيتم من حكمة وصدق وتجرّد ومحبّة للحق. نرفع صلاة الشكر لله على ما أنجزتموه، وعلى ما أنتم عليه، وعلى عتبة ما تحققوه. نصلّي من أجل جامعة الحكمة، في يوبيلها المئة والخمسين، لكي تبقى منارة إشعاع، وعلامة رجاء، وجسراً بين العلم والإيمان. مبروك لكم ولأهلكم ولجامعة الحكمة. عشتم! وعاش لبنان".
وبعد انتهاء كلمة البطريرك، سلمه ولي الجامعة سيادة المطران بولس عبد الساتر ورئيسها البروفسور جورج نعمة درعًا تذكاريًا كتب عليه "درع اليوبيل الـ 150 يُقدم لصاحب الغبطة البطريرك الراعي".
وألقى المطران بولس عبد الساتر كلمة جاء فيها: "لم نجد من هو أكرم من غبطتكم وأحب على قلوبنا لنطلب منه أن يكون ضيف الشرف في هذه المناسبة. فشكرًا لكم تلبيتكم دعوتنا. نطلب من غبطتكم الصلاة على نيّة جامعة الحكمة وطلابها ومعلميها وموظفيها وأهلها حتى تبقى صرحًا تربويًا مؤثرًا في المجتمع اللبناني، ونطلب منكم أيضا الصلاة على نيّة وطننا لبنان الذي يستمر، بفضل جهدكم وجهد العديد من البطاركة الذين سبقوكم وتضحياتكم، بلدَ الإنسان والحرية". ثم اتخذت صورة تذكارية للبطريرك مار بشارة بطرس الراعي محاطًا بالمطران بولس عبد الساتر ورئيس الجامعة ونوابه والعمداء والطلاب المتخرجين.
وتلاها محطة موسيقية فنية قدمتها فرقة الموسيقي بسام شليطا، قبل أن يستكمل بتوزيع الشهادات على الطلاب الذين توجوه بإطلاق قبعاتهم في الهواء تعبيرًا عن فرحتهم وحماسهم بالمضي قدمًا في بناء مستقبلهم.
وحمل الحفل طابعاً مميزاً على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث استخدم الطلاب والجامعة الوسم الرسمي #YearsOfSagesse150 لتوثيق لحظات التخرج، وسط تفاعل لافت من الجمهور والعائلات والخريجين القدامى.
كما تولّت الجامعة نشر مقتطفات من المناسبة على صفحاتها الرسمية، وشاركت الصحف اللبنانية الحدث بمقالات وصور وثّقت اللحظة التأسيسية الجديدة في مسيرة الحكمة.
وقد بدا جلياً أن هذا التخرّج لم يكن محطة عابرة، بل إعلاناً مجدداً عن رسالة جامعة عريقة تتجدّد في وجوه طلابها، وتبقى صامدة كمنارة تربوية وروحية وسط زمن التحديات.
ومن قلب بيروت، صدحت الرسالة: "اذهبوا بسلام... وكونوا نوراً وملحاً في الأرض".
يتم قراءة الآن
-
ايجابيات وسلبيات التعميمين 158 و166 غبريل للديار : اتخذ مصرف لبنان قرار رفع سقف قيمةً السحوبات لان الحل الشامل للودائع متأخر
-
بري الذي أذهل المبعوث الأميركي
-
برّاك يطرح تسوية صعبة والحكومة على مفترق طرق تحويلات المغتربين تبقي الاقتصاد حيًّا رغم الأزمات انطلاق الامتحانات الرسمية وسط احتجاجات وتحديات تربوية
-
أين إيران في تغيير الشرق الأوسط؟
الأكثر قراءة
عاجل 24/7
-
10:04
وسائل إعلام إسرائيلية: وزير المالية بتسلئيل سموتريتش يعقد مشاورات على خلفية التقارير عن التقدم في الاتصالات للتوصل إلى صفقة
-
09:24
ينفذ موظفو "ألفا" و"تاتش"، بدعوة من "نقابة موظفي ومستخدمي الشركات المشغلة للقطاع الخلوي"، وقفة إحتجاجية، العاشرة من قبل ظهر اليوم أمام مبنى "تاتش" في بيروت، "حماية للحقوق والمكتسبات ورفضا للمماطلة ونسف الوعود المقطوعة من الجهات المعنية".
-
09:04
المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي: قتلنا فلسطينيا بعد أن طعن جنديا خلال عملية عسكرية في قرية رمانا في جنين
-
09:03
الجيش الإسرائيلي: إصابة جندي بجروح متوسطة إثر تعرضه للطعن خلال عملية في قرية رمانة قرب جنين والقضاء على المنفذ
-
08:54
"الميادين": قصف مدفعي للاحتلال يستهدف أطراف بلدة شبعا
-
08:34
معاريف عن مصادر في الليكود: الكنيست سيحل بين نوفمبر وديسمبر جزئيا بسبب صعوبة تمرير قانون التجنيد والميزانية
