يُعتبر الحديد من أهم العناصر الأساسية لصحة الإنسان، حيث يدخل في تكوين الهيموغلوبين الذي ينقل الأوكسجين إلى خلايا الجسم، إضافة إلى دوره الحيوي في دعم المناعة، الوظائف العصبية، وصحة الشعر والبشرة. وغالبًا ما يُربط الحديث عن نقص الحديد بفقر الدم (الأنيميا)، لكن هناك حالة طبية أقل شهرة، وهي اضطراب امتصاص الحديد دون ظهور فقر دم واضح، وتُعد هذه الحالة تحدّيًا تشخيصيًا وغالبًا ما تُهمل رغم تأثيرها الكبير على الصحة وجودة الحياة.
في هذه الحالة، تكون مستويات الهيموغلوبين طبيعية أو قريبة من الحد الأدنى، لكن مخزون الحديد في الجسم منخفض أو غير كافٍ لأداء الوظائف الحيوية بكفاءة. يُقاس هذا المخزون عادة بمستوى الفيريتين في الدم، وإذا كان منخفضًا، حتى مع وجود هيموغلوبين طبيعي، فذلك يشير إلى نقص في الحديد على مستوى الأنسجة. وهذا النقص قد يسبب أعراضًا مزعجة لا تقل خطورة عن فقر الدم، مثل التعب المزمن، ضيق التنفس، تساقط الشعر، تشوش التفكير، ضعف التركيز، شحوب الجلد، وتغيرات في المزاج.
يحدث هذا الاضطراب بسبب ضعف قدرة الجسم على امتصاص الحديد من الطعام، وليس بالضرورة نتيجة قلة استهلاكه. ويُعد الامتصاص عملية معقدة، تتأثر بعدة عوامل أبرزها: وجود التهابات مزمنة في الأمعاء مثل داء كرون أو السيلياك، الاستخدام المفرط لأدوية مثل مضادات الحموضة أو مثبطات مضخة البروتون، نقص بعض العناصر المساعدة مثل فيتامين C الذي يُعزز امتصاص الحديد، أو وجود خلل في توازن ميكروبيوم الأمعاء. كما يمكن أن يُعيق الاستهلاك المفرط للكالسيوم أو الشاي والقهوة مع الوجبات امتصاص الحديد بكفاءة.
المشكلة الأساسية في هذه الحالة أنها كثيرًا ما تُغفل أو تُشخّص خطأً، خصوصًا عند النساء. فقد تعاني السيدة من إرهاق شديد وتساقط شعر، وتُجرى لها تحاليل دم تُظهر هيموغلوبينًا "ضمن المعدل الطبيعي"، فيتم استبعاد مشكلة نقص الحديد، رغم أن الفيريتين قد يكون منخفضًا جدًا. لذلك، يُعد قياس مستوى الفيريتين أداة ضرورية في تشخيص هذه الحالات، خاصة عند وجود أعراض واضحة مع فقر تغذوي محتمل.
من ناحية العلاج، يختلف نهج التعامل مع هذه الحالات عن علاج فقر الدم التقليدي. فالاكتفاء بالمكملات الغذائية لا يكون فعالًا دائمًا إذا لم تُعالج الأسباب الكامنة وراء سوء الامتصاص. على سبيل المثال، قد يحتاج المريض إلى تحسين صحة الأمعاء أولًا، أو معالجة التهابات مزمنة تعيق امتصاص الحديد. وفي بعض الحالات، يُنصح باستخدام مكملات حديد سهلة الامتصاص (مثل الحديد المخلبي) أو عبر الحقن الوريدي إذا كان الامتصاص المعوي غير فعال.
للوقاية والتقليل من تداعيات هذه الحالة، يُوصى باتباع نظام غذائي غني بالحديد الحيواني (كاللحم الأحمر، الكبد، والدجاج)، وتجنّب شرب القهوة أو الشاي أثناء الوجبات، وتناول مصادر فيتامين C إلى جانب الأطعمة الغنية بالحديد لتعزيز امتصاصه. كما يُفضل إجراء فحص دوري لمستوى الفيريتين خصوصًا عند النساء في سن الإنجاب، أو من يعانون من أعراض غير مفسّرة بالتعب أو تساقط الشعر.
أخيراً، إنّ اضطرابات امتصاص الحديد غير المرتبطة بفقر الدم هي حالة غير معروفة نسبيًا لكنها تؤثر بشكل مباشر على الحياة اليومية، وقد تتفاقم في حال إهمالها. إن رفع الوعي بهذه المشكلة، والاعتماد على فحوصات دقيقة تشمل الفيريتين، هو السبيل الأهم لتجنب التشخيص الخاطئ واستعادة الحيوية والصحة العامة.
يتم قراءة الآن
-
ايجابيات وسلبيات التعميمين 158 و166 غبريل للديار : اتخذ مصرف لبنان قرار رفع سقف قيمةً السحوبات لان الحل الشامل للودائع متأخر
-
برّاك يطرح تسوية صعبة والحكومة على مفترق طرق تحويلات المغتربين تبقي الاقتصاد حيًّا رغم الأزمات انطلاق الامتحانات الرسمية وسط احتجاجات وتحديات تربوية
-
بري الذي أذهل المبعوث الأميركي
-
أين إيران في تغيير الشرق الأوسط؟
الأكثر قراءة
عاجل 24/7
-
08:03
هآرتس: انتحار جندي في لواء غولاني هذا الأسبوع بإطلاق النار على نفسه في قاعدة سدي يمان
-
07:58
التحكم المروري: حركة المرور كثيفة من مدينة الرئيس كميل شمعون الرياضية باتجاه نفق سليم سلام ومن مستديرة الكولا باتجاه كورنيش المزرعة
-
07:52
التحكم المروري: حركة المرور كثيفة على اوتوستراد الجمهور باتجاه الفياضية وصولا حتى الصياد
-
07:49
التحكم المروري: حركة المرور كثيفة على اوتوستراد خلدة باتجاه انفاق المطار وناشطة باتجاه الاوزاعي
-
07:47
التلفزيون العربي: جرحى في قصف إسرائيلي على مدينة دير البلح وسط قطاع غزة
-
07:47
التحكم المروري: حركة المرور كثيفة من النقاش باتجاه نهر الموت وناشطة باتجاه الدوره
