اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


هذا الخطاب لم يكتبه بقلم على الورق ويلقيه في حفل خطابي، ولم يرتجله كعادته في مهرجان خطابي بمناسبة الظروف الصعبة.

سمع الخطاب الامينة الأولى ومن أحبه وخاف عليه :

"وداعا دمشق، فقد دقت ساعة الفراق، أودعتك أمنياتي وعائلتي ورفقائي، أودعتك حبي وما سيبقى من الجداريات التي رسمتها على جدران مدن الشام الجميلة، أودعتك نظرتي الأخيرة الى شوارعك العتيقة، التي يشع منها عظمة رجالك منذ ما قبل التاريخ، حتى انطلاق النهضة السورية القومية الاجتماعية.

يا دمشق، انا موجوع وحزين ليس على مصيري، انا موجوع لان الأجيال الآتية ستقرأ غدا ان رجلا يسكن دمشق غدر وخان وباع شرف الشام على طاولات الميسر في فنادق الدعارة بنجمة وسيف ولقب.

أنا موجوع لأجلك، لأنك لم تدركي هول ما فعله ذاك الرجل الذي خانك الا بعد فوات الأوان، وأن خيانته ستجلب لك عارا لا طاقة لك على تحمله. انت دمشق التي ألحقت الدنيا ببستان هشام، كيف يتسلل اليك خائن يقوم بفعل شنيع لم يحدث مثيلا له في التاريخ.

لم آت اليك طالبا النجدة، ولا النصح، لم آت اليك لأحافظ على جسد من الموت لم يكن لي يوما سوى ممرا للحياة، فأنا لا أخاف الموت، لأنني اعلم ان موتي كموت رفقائي طريق الى الحياة. أتيتك من أجل أن تبقى دمشق عاصمة للدنيا، وأن تبقى دمشق الخيل والليل والبيداء والسيف والترس والقلم، من اجل ان يبقى قاسيون مرفوع الهامة، ومقصدا لكل من يريد ان يرى عظمة التاريخ.

لم آت اليك لأعلن ثورة من اجل انقاذ توأمك لبنان، بل جئت اليك لتشاركي في تغيير وجه التاريخ، وهل يتغير وجه التاريخ بغير دمشق وبغداد.

آخ منك دمشق، كم كنت قاسية بحقي، فأنا امام خيارين لا ثالث لهما: الهروب او الشهادة، وهل يليق بمثلي الهروب، ان هربت فأكون الزعيم التقليدي الراغب في السلطة، وأفقد معنى الزعيم القائد والقدوة، وان بقيت فسأكون الشهيد الذي سيكتب الصفحة الأخيرة في القضية السورية القومية الاجتماعية.

كيف تطلبين مني الهرب وانا القائل ان الحياة وقفة عز فقط.

آخ دمشق كم ستبكين على موتي، ولست ادري ان كان دمعك يشفي ولا يجدي، وان كان ندمك يغسل العار الذي ارتكب بحقك وحقي. وهل دمع الياسمين الهاطل مع طلوع الشمس يغسل وجوه شوارعك القديمة الحزينة، ويمحو عنها علامات الذنب الكبير؟

كيف لك ايتها المدينة الجامعة للشرائع منذ نطق بها الانسان الى اليوم في مكان واحد، هو الجامع والكنيسة والمعبد والزاوية الصوفية، ان تنامي على ضيم الخيانة؟

آخ منك دمشق، لو انك سمعت صوتي ورقصت على موسيقى نبضات قلبي، كنت الآن زوبعة ترفرف فوق كل منابر الابداع.

كانت دمشق تلك الليلة عروسا أضاعت بذلتها في زحام متعدد الجنسيات والألوان، تراصف على طريق قصر الشعب، وكنت وحيدا أراقب ليلها الدافئ وأتنشق النسيم البارد المعطر بعطر الياسمين، ويتصارع في داخلي شعور استعجال موعد اللقاء، وشعور لو ان الطريق يطول كي أشبع من ليل دمشق الجميل.

آخر ما رأيته في دمشق تمثال يوسف العظمة ينزف دما، والياسمين يعاتب الجدران وعتبات المنازل التي لم تحرك قشة من مكانها، والشوارع العتيقة المرتدية جلابيب الحزن ورفوف الحمام تغادر الأبراج قاصدة قاسيون، كي ترى الأسود يغمر دمشق وترى حفار القبور في المقبرة يحفر القبور لمواقف الشرف والكرامة.

كم كنت احب ان أرى ديك الجن الحمصي يسبح بمياه العاصي، فيتنشق جسده رائحة وادي البقاع وضفاف الهرمل وعظمة مغارة مار مارون المحفورة بالصخر ، كم هم عظماء رجال بلادي، فقد حفروا منازلهم في الصخر والأودية وفي جذوع الشجر، وتسلقوا العواميد الطويلة بغاية الوصول الى الله.

كم هي عظيمة سورية، فقد اخترعت الله قبل ظهور الرسل والانبياء والرسالات السماوية، فلا عجب ان تكون مهد الرسل والأنبياء". (في 3 تموز 2025).

الأكثر قراءة

بري الذي أذهل المبعوث الأميركي