في زمن تتزايد فيه الضغوط اليومية بشكل مطّرد، بات التوتر المزمن جزءًا لا يتجزأ من حياة الكثير من النساء، سواء كان ناتجًا عن العمل، المسؤوليات الأسرية، الضغوط العاطفية، أو حتى التحديات الاجتماعية. وما لا تدركه كثيرات هو أن هذا التوتر المستمر لا يؤثر فقط على الحالة النفسية، بل يمتد تأثيره إلى عمق أجهزة الجسم، وخصوصًا إلى الغدة الكظرية، وهي المسؤولة عن تنظيم هرمونات التوتر في الجسم، وعلى رأسها الكورتيزول.
تقع الغدتان الكظريتان فوق الكليتين، وتؤديان دورًا أساسيًا في توازن الجسم من خلال إفراز هرمونات مثل الكورتيزول، الأدرينالين، والألدوستيرون. وعند التعرض لضغط مفاجئ، تقوم الغدة الكظرية بإفراز هذه الهرمونات لمساعدة الجسم على التكيف. لكن عند استمرار التوتر لفترات طويلة دون انقطاع، تُرهَق هذه الغدد، ويبدأ ما يُعرف بـمتلازمة الإرهاق الكظري في الظهور.
إنّ متلازمة الإرهاق الكظري هي حالة غير معترف بها رسميًا من قبل جميع المؤسسات الطبية، لكنها تُوصَف سريريًا على أنها خلل في إفراز الكورتيزول نتيجة إجهاد طويل الأمد، وتُعاني منها نسبة كبيرة من النساء دون أن يتم تشخيصها بدقة. تبدأ الأعراض بشكل تدريجي وغامض، ما يجعل الكثيرات يعتقدن أنهن "مرهقات فقط" أو "يمررن بفترة صعبة".
تشمل الأعراض الشائعة لهذه المتلازمة الشعور الدائم بالتعب حتى بعد النوم، ضعف التركيز، انخفاض القدرة على تحمل الضغط، الرغبة المستمرة بتناول السكريات أو الكافيين، تذبذب المزاج، وزيادة الوزن (خصوصًا في منطقة البطن). كما تعاني بعض النساء من تساقط الشعر، اضطرابات في الدورة الشهرية، وانخفاض الرغبة الجنسية، وهي أعراض قد تُنسب خطأً لأسباب أخرى مثل فقر الدم أو خلل الغدة الدرقية.
أكثر ما يميز النساء في هذه المتلازمة هو التزامهن المستمر بالعطاء وتحمل الأعباء دون استراحة حقيقية، مما يجعل أجسادهن في حالة استنفار داخلي دائم. وبينما قد يظهرن متماسكين خارجيًا، إلا أن نظامهن الهرموني يكون في صراع مستمر للبقاء في التوازن.
التشخيص في هذه الحالة غالبًا ما يكون صعبًا، نظرًا لأن اختبارات الكورتيزول التقليدية قد لا تُظهر المشكلة بوضوح. بعض الأطباء يستخدمون اختبارات اللعاب أو البول لقياس مستويات الكورتيزول على مدار اليوم، وهي أكثر دقة في الكشف عن النمط غير الطبيعي للإفراز.
أما العلاج، فلا يعتمد على الأدوية فقط، بل على نمط حياة شامل يُعيد للجسم توازنه. ويتضمن ذلك: تعديل النظام الغذائي ليشمل وجبات غنية بالبروتين، الدهون الصحية، والمغذيات الدقيقة مثل فيتامين C والمغنيسيوم، تقليل استهلاك الكافيين والسكريات التي تُرهق الغدة الكظرية أكثر، ممارسة تقنيات الاسترخاء مثل التأمل، التنفس العميق، واليوغا. بالإضافة إلى النوم المنتظم وفي أوقات مبكرة، لأن الكورتيزول يتبع نمطًا يوميًا يبدأ بالارتفاع صباحًا وينخفض مساءً، ووضع حدود واضحة في العلاقات والعمل لتقليل التعرض المستمر للتوتر.
أخيراً، فإن متلازمة الإرهاق الكظري ليست حالة يجب تجاهلها أو التقليل من شأنها. فكلما طال تجاهل الأعراض، زاد العبء على الجسم والعقل. ولهذا، من الضروري أن تبدأ المرأة بالاستماع إلى إشارات جسدها، وأن تمنح ذاتها حق الراحة، لا كرفاهية، بل كضرورة بيولوجية للحفاظ على توازنها الجسدي والنفسي. فالتعافي يبدأ من الاعتراف بأن الصحة ليست فقط غياب المرض، بل أيضًا وجود التوازن والهدوء الداخلي.
يتم قراءة الآن
-
إنذار سعودي أخير وخطير للبنان
-
المخاطر تتزاحم: «إسرائيل»... أمن المخيمات... والخطر السوري؟ واشنطن تصرّ على تهميش باريس... ولا تفعيل للجنة وقف النار تفاهم «ثلاثي» على تعيينات قضائية ومالية في الحكومة اليوم
-
لبنان بين الوصاية السوريّة والوصاية "الإسرائيليّة"
-
هل سيستقبل لبنان الشيباني بعد تهديدات الشرع؟ موسم الاصطياف ينعش لبنان رغم شائعات الحرب قانون الانتخابات محور الصراعات الكبرى والجنوب محاصر بالمسيّرات
الأكثر قراءة
عاجل 24/7
-
12:39
غارات جوية وقصف مدفعي شمالي مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة
-
12:38
طوارئ الصحة: الغارة الإسرائيلية على منزل في وطى الخيام أدت في حصيلة إلى سقوط شهيد
-
12:32
مصابون في استهداف طائرات الاحتلال مجموعة من المواطنين قرب محطة دلول في حي الزيتون جنوبي شرقي مدينة غزة
-
12:29
ترامب: وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل ساري المفعول ويرجى عدم انتهاكه
-
12:28
أفادت مواقع إخبارية إسرائيلية بووقع ما أسمته" حدثا أمنيا" في الشجاعية شرق مدينة غزة.
-
12:25
الأمم المتحدة تحذر من أزمة إنسانية مع عودة 3 ملايين مهاجر أفغاني من إيران وباكستان
