في ظل الانهيار المتواصل للنظام المصرفي اللبناني منذ عام 2019، لم تعد الوسائل التقليدية في إدارة الأموال تلبي حاجات المواطنين، ما دفع شرائح واسعة من اللبنانيين إلى البحث عن بدائل رقمية تواكب هذا التحول القسري. وهنا برزت "المحافظ الإلكترونية" كوسيلة جديدة لتسهيل المعاملات المالية، إذ بات يكفي استخدام الهاتف المحمول لإنجاز المعاملات اليومية، من تحويل الأموال إلى دفع الفواتير وحتى الشراء الإلكتروني.
لكن هذه الطفرة التكنولوجية، وعلى الرغم من مرونتها وسهولة استخدامها، لا تزال تصطدم بتحديات قانونية وأمنية بنيوية، في بلد تتراجع فيه البنى التحتية الرقمية، وتتراخى فيه الرقابة القانونية على حماية البيانات الشخصية.
من الدفع النقدي إلى النقرة الذكية
أصبح الدفع الإلكتروني جزءاً من الحياة اليومية لعدد كبير من اللبنانيين، خاصة مع تزايد الاعتماد على التطبيقات المحلية والدولية، التي تتيح إجراء تحويلات مالية صغيرة، وتسديد أثمان المشتريات والخدمات، بما في ذلك "الدليفري" والتبضّع من المتاجر. يوفّر هذا النظام حلولاً عملية لمن يفتقرون إلى الحسابات المصرفية، لا سيما في المناطق البعيدة عن مراكز المدن.
وما ساعد على انتشار هذه الظاهرة، هو أن إنشاء المحفظة الإلكترونية لا يتطلب شروطاً مصرفية صارمة، إذ يمكن ربطها ببطاقات ائتمان، أو شحنها مباشرة عبر مكاتب معتمدة، ما يفتح الباب أمام شريحة واسعة من المستخدمين غير المشمولين سابقاً في النظام المالي التقليدي.
القطاع الرقمي يتقدّم
بلا خارطة قانونيّة واضحة
بحسب تقرير صادر عن منظمة "سميكس" المعنية بحقوق الإنسان الرقمية، فإن عدد الشركات المرخصة من قبل مصرف لبنان لتقديم خدمات المحافظ الإلكترونية بلغ 19 شركة حتى آذار 2025. إلا أن المصرف المركزي علّق لاحقاً استقبال أي طلبات جديدة لإنشاء محافظ إلكترونية، بقرار صادر عبر التعميم الوسيط رقم 735.
في المقابل، لا تزال البيئة القانونية غير مهيأة لمواكبة هذه الطفرة. فعلى الرغم من صدور القانون 81 لعام 2018 المتعلق بالمعاملات الإلكترونية، إلا أن هذا القانون لم يضع أُسسا تفصيلية واضحة لكيفية حماية بيانات المستخدمين، أو تنظيم معايير خصوصية الشركات الرقمية. ويعاني معظم التطبيقات المتداولة اليوم من غياب سياسات خصوصية صارمة، أو حتى من شفافية في عرضها على المستخدم.
تخزين البيانات… في المجهول؟
أحد أبرز الإشكاليات التي تثير القلق، تتعلق بمكان تخزين بيانات اللبنانيين الشخصية. فالمستخدمون لا يعرفون على وجه التحديد إذا كانت بياناتهم تحفظ داخل لبنان أو خارجه، وهل تخضع لأطر قانونية محلية أم أجنبية؟ وما يزيد من الغموض هو أن كل تطبيق رقمي يُدار ببنية تقنية مختلفة، وغالباً ما يُترك للمستخدم توقيع "الموافقة"، من دون أن يفهم فعليا تفاصيل الشروط.
تتضمن هذه البيانات الشخصية الحساسة معلومات مثل الاسم الكامل، رقم الهاتف، العنوان، وحتى صور الهويات أو جوازات السفر، ناهيك عن سجل التحويلات المالية. وهذه البيانات، إذا لم تخضع لإجراءات أمان مشددة، قد تتحول إلى مصدر خطر مباشر على المستخدمين.
الاحتيال الرقمي... والضحية دائماً المواطن
في ظل هذا الواقع، بدأت حوادث الاحتيال المرتبطة بالمحافظ الإلكترونية تزداد. عمليات اختراق، وسرقة بيانات، وتحويلات وهمية باتت تُسجل بوتيرة أعلى، ما يطرح تساؤلات جدية حول مدى مسؤولية الشركات الرقمية من جهة، والدولة من جهة أخرى. فلا يمكن تحميل المستخدم وحده عبء الانتباه في بيئة رقمية تفتقر إلى الحماية، بل يفترض بالدولة أن تضع تشريعات واضحة، وتفعّل وحدات تحقيق رقمية قادرة على مواجهة الجرائم الإلكترونية.
وتشير تقارير متفرقة إلى أن بعض التطبيقات تعمل من دون أي رقابة تقنية فعلية، ما يجعل اختراقها مسألة وقت فقط، خاصة مع وجود ثغرات برمجية وإهمال في تحديث أنظمة الحماية.
الثقة الرقمية في مهب الريح
في غياب إطار قانوني عصري وشامل، ومع استمرار التردد الرسمي في تنظيم السوق الرقمية، يبقى اللبنانيون في حالة قلق دائم حول سلامة معلوماتهم وأموالهم. وقد يؤدي تآكل الثقة الرقمية إلى نتائج عكسية على مستقبل التحول الرقمي في البلاد، خاصة مع اتساع رقعة الاعتماد على هذه الأدوات.
في نهاية المطاف، لا يمكن للتكنولوجيا أن تكون بديلاً آمنًا ما لم تُقرَن بحماية قانونية متكاملة، ومساءلة شفافة لكل الأطراف، وإلا فإن الطفرة الرقمية ستتحول إلى فخ إلكتروني خطير يهدد أمن المواطنين وخصوصيتهم.
يتم قراءة الآن
-
باراك يقدّم العصا على الجزرة وعلامات استفهام حول تهديد وجود لبنان تصريحات المبعوث الأميركي تتناقض مع أجواء زيارته إلى بيروت 3 انواع للموقوفين والسجناء السوريين وتواصل لبناني سوري لمعالجة الملف
-
ليكن عون قائدًا للمسيحيين والمسلمين
-
لبنان الرسمي مُطالب بموقف حازم من تصريحات باراك جعجع: كلامه مسؤوليّة الحكومة والسلطات الرسميّة مُفاوضات غزة تترنح...حماس: وصلنا الى مرحلة صعبة
-
من عرسال الى السجون: الموقوفون السوريّون يشعلون "نزاعًا" بين لبنان وسورية تدخّل سعودي مرتقب لحلّ قانوني - سياسي بين بيروت ودمشق
الأكثر قراءة
عاجل 24/7
-
12:37
الرئيس جوزاف عون خلال استقباله النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية الكويتي الشيخ فهد يوسف سعود الصباح: - العلاقات المتجذّرة بين لبنان والكويت تزداد رسوخاً يوماً بعد يوم، كونها قائمة على أسس صلبة من الأخوّة والتعاون والاحترام المتبادل لسيادة كلٍّ من البلدين واستقلاله
-
12:37
الرئيس جوزاف عون خلال استقباله النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية الكويتي الشيخ فهد يوسف سعود الصباح: - لبنان حريص على تعزيز التعاون الثنائي والتنسيق لمواجهة التحديات المشتركة، ولا سيما في مكافحة تهريب المخدرات وكل ما من شأنه الإخلال بالأمن في البلدين
-
12:35
غارة إسرائيلية على منزلين في أحياء التفاح والصبرة
-
12:33
الرئيس عون خلال استقباله وزير الداخلية الكويتي: لبنان حريص على تعزيز التعاون الثنائي والتنسيق لمواجهة التحديات المشتركة ولا سيما في مكافحة تهريب المخدرات
-
12:27
وزير الاقتصاد والتجارة عامر البساط وصل الى سرايا صيدا يرافقه المدير العام في الوزارة محمد ابو حيدر استكمالاً لجولتهما الجنوبية
-
12:26
مكتب الإعلام الحكومي بغزة: الاحتلال ارتكب 112 مجزرة بحق طوابير تعبئة المياه
