اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

لا يثير سيل التقارير التي ملأت وسائل الإعلام على امتداد اليومين الماضيين، وهي ترصد لقاءات سورية – <اسرائيلية> كانت قد حصلت في العاصمة الإذربيجانية، أي نوع من المفاجأة، فالأحداث تنبئ عنها ظلالها كما يقال، وما يقوله «حديث الظلال» في هذا السياق، هو أن القيادة السورية كانت واضحة لجهة « رغبتها في تجنب التصعيد مع الجوار>، ولم يكن< الجوار الإسرائيلي> استثناء في تلك الرغبة، بل لعله كان إحدى غاياتها، إن لم يكن الأهم منها .

والمؤكد هو أن « صانع القرار» السياسي في دمشق، كان مدركا جيدا لحقيقة أن « النخر» الحاصل في البنيان السوري هو من العمق، بحيث تضيق معه الخيارات حتى تكاد تنعدم، وأن <تل أبيب> لن تتوانى عن الإستثمار في ذلك « النخر»، وصولا إلى إضعاف الدولة السورية بنيانا ومجتمعا وسلطة . وعليه فقد راحت التصريحات السورية تصب  باتجاه التأكيد على <الأهداف المشتركة»، وتغيب نظيرتها الخلافية، في محاولة، بدا أن صانع القرار يراهن عليها لقطع الطرقات على <تل أبيب>، الماضية نحو فتح مكاتب « استثمار» أخرى في الداخل السوري .والظن هنا عند صانع القرار، أن السبيل الوحيد لذلك هو الإنخراط في مسار مفاوضات، التي وإن كانت شاقة بمفاعيل عدة، أبرزها انعدام التوازن بين الطرفين على أي صعيد، لكنها تحظى برعاية أميركية - غربية لا حدود لها، والظن أن هذا سيخفف كثيرا من صبغتها آنفة الذكر .

أجرى الرئيس السوري أحمد الشرع يوم السبت الفائت، زيارة إلى باكو للقاء نظيره الأذربيجاني إلهام علييف . وقد ذكرت العديد من التقارير أن الزيارة جاءت في سياق دور يقوم به هذا الأخير، لتقريب وجهات النظر بين <تل أبيب> ودمشق . وأضاف بعضها أن لقاءات جمعت بين مسؤولين سوريين ونظراء لهم <اسرائيليين> على هامش الزيارة . واللافت هنا، أن وكالات الأخبار كانت قد قدمت ثلاث روايات بخصوص ما جرى في تلك الزيارة:

- الأولى كانت صادرة عن مواقع <اسرائيلية>، وهي في مجملها تؤكد حدوث تلك اللقاءات، بل وتسرد بعض ما جرى فيها . فوفقا لصحيفة « هآرتس الإسرائيلية>، فإن <مسؤولين <اسرائيليين» وسوريين عقدوا اليوم السبت، اجتماعا في العاصمة الأذربيجانية باكو>، وتضيف الصحيفة بأن الجانبين» ناقشا التهديدات الإقليمية المرتبطة بإيران وحزب الله»، كما <ناقشا التوتر القائم مع الفصائل الفلسطينية الموجودة على الأراضي السورية، وإمكان افتتاح مكتب تنسيق <اسرائيلي> في دمشق، من دون طابع ديبلوماسي رسمي» .

إلا أن قناة « I24 NEWS « ذهبت في تقريرها إلى أبعد من ذلك، فقد ذكرت نقلا عن مصدر سوري قالت أنه مقرب من الرئيس السوري، إن» الشرع حضر اجتماعا واحدا على الأقل مع مسؤولين <اسرائيليين> في أذربيجان يوم السبت» .

- الثانية جاءت عبر وكالة الصحافة الفرنسية( أ ف ب)، التي أكدت حصول لقاء مباشر « جمع بين مسؤول سوري و آخر <اسرائيلي> في باكو»، لكن الوكالة ذكرت أن» الشرع لم يكن طرفا في تلك المحادثات».

- الثالثة جاءت من صحيفة» الوطن» المحلية، التي نفت» مشاركة الشرع بأي من هذه الإجتماعات»، وأضافت إن» التطبيع، أو توقيع اتفاق سلام مع <اسرائيل> أمرا ليس مطروحا حاليا «، والمطروح هو « استراتيجية تهدئة، وليس تقاربا ديبلوماسيا>.

واقع الأمر أنه ليس مهما كثيرا إلا لاعتبارات معينة، فيما إذا كان نفي<الوطن» هو الصحيح، أو كان هذا الأخير عند رواية ( أ ف ب)، أو عند ما ذكرته وسائل الإعلام العبرية، فالسلطة السورية سبق لها وأن أقرت سابقا بـ<وجود مفاوضات غير مباشرة مع <اسرائيل>، ناهيك عن أن المبعوث توم براك كان قد قال من بيروت يوم 7 حزيران الفائت، إن< الحوار بين سوريا و<اسرائيل> قد بدأ «، ولربما كانت هناك الكثير  من المعطيات التي تؤكد أن ما يجري في « القاع»، أمر قد يتعدى ما ذهب إليه المصدرين السابقين، ( أ. ف. ب والقنوات <الإسرائيلية>)، فحدوث اللقاء على مستوى رأس الهرم من عدمه، يبقى تحصيل حاصل في ضوء المعطيات سابقة الذكر  .

وفي التحليل لربما يمكن ترجيح حدوث الفعل،  فأنقرة، وفي سياق إثبات «علو كعبها « على الأرض السورية، ما انفكت تعمل على إنضاج معادلات إقليمية جديدة، محطة تلو أخرى، والراجح أن اختيار باكو كان ب» مشورة» تركية، إذ لطالما رمزت هذه الأخيرة لتلاقيات تركية – <اسرائيلية> في مواجهة إيران، وآخر محطاتها كانت العام 2020، الذي شهد اندلاع حرب» ناغورني قره باغ» بين باكو و يريفان (العاصمة الأرمينية)، حيث أفرز الصراع في حينها تراصفات، وجدت طهران نفسها فيها أمام جبهة أذربيجانية - تركية – <اسرائيلية> مكتملة المعالم، والراجح الآن هو أن أنقرة أرادت « تربيع» تلك الجبهة، عبر إضافة ضلع رابع لها هو الضلع السوري .

تبدو خيارات دمشق بالغة الصعوبة، فهي تعيش حالا من الضعف على الضفتين العسكرية والإقتصادية، فيما « قوتها» السياسية، المتمثلة بالدعم الغربي والعربي على حد سواء، تبدو رهينة المسارات التي سوف تسلكها هذه الأخيرة، ولذا فإن من غير المفاجئ أن يشهد المسار  الذي اختارت أنقرة نقطة البداية فيه من باكو، أن يتسارع بشكل كبير في المرحلة القريبة المقبلة .

ولا يبدو هنا أن لدى الأطراف الفاعلة، ولا لدى السلطة السورية، تحسبا لإمكان ظهور ردات فعل لدى الشارع السوري، الذي يغوص الصراع <الإسرائيلي> - السوري عميقا في ذاته منذ نشوء الكيان قبل نحو ثمانية عقود، وهذا لوحده أمر يشير إلى أن « المصائر» السورية باتت رهينة خارج، يرى أن» لحظة» الضعف السورية أثمن من أن يجري تفويتها .

يصح القول اليوم أن المفاوضات السورية – <الإسرائيلية> تمر بمرحلة هي أشبه بتلك التي مرت بها مفاوضات «منظمة التحرير الفلسطينية» مع الكيان <الإسرائيلي> بين مطلع العام 1992 وبين أيلول 1993، الذي شهد توقيع « اتفاق أوسلو» بين الطرفين. ففي الوقت الذي كانت الكاميرات تدور لترصد جولات التفاوض بين الوفود العربية وبين نظائرها <الإسرائيلية>، كنتيجة لمقررات مؤتمر» مدريد للسلام» المنعقد خريف العام 1991، أعلنت أوسلو، العاصمة النرويجية مطلع أيلول 1993، عن توصل الوفدين الفلسطيني و<الإسرائيلي> إلى اتفاق سوف يجري الإحتفال قريبا بتوقيعه>. 

الأكثر قراءة

لبنان الرسمي مُطالب بموقف حازم من تصريحات باراك جعجع: كلامه مسؤوليّة الحكومة والسلطات الرسميّة مُفاوضات غزة تترنح...حماس: وصلنا الى مرحلة صعبة