اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


الاحداث الدموية التي شهدتها محافظة السويداء في جنوب سوريا، والتي تسكنها غالبية درزية، بين قوات النظام السوري وفصائل مسلحة درزية من ابناء المحافظة، حيث سقط خلالها قتلى وجرحى من الطرفين، كما ان اعمال الحرق وتفجير وسرقة المنازل وتهجير مواطنين، ستكون لها انعكاسات على لبنان، الذي فيه مكون اساسي ومؤسس له هي طائفة المسلمين الموحدين الدروز، التي تتفاعل مع ما يجري في جبل العرب منذ اندلاع الثورة في سوريا، وكانت شرارتها من درعا جارة السويداء.

فالدروز الذين يعيشون في بيئة جغرافية واحدة، تمتد من لبنان الى سوريا وفلسطين والاردن، تربطهم رابطة الدم، التي تتجسد في عائلات من سلسلة واحدة في هذه الدول، فترى "النخوة المعروفية" تدفع بهم الى المساندة والتعاضد، سلما أو حربا، حيث شارك افراد منهم في الثورة السورية وفي "ثورة 1958" الى جانب المرحوم كمال جنبلاط، بوجه حكم كميل شمعون، وساند بعض آخر المرحوم الامير مجيد ارسلان، الذي كان حليفا لشمعون.

فهل ما يحصل في محافظة السويداء سيفرز الطائفة الدرزية في لبنان، كما في سوريا، حيث كان تباعد في المواقف بين مشايخ العقل الثلاثة يوسف جربوع وحمود الحناوي في جهة تأييد للنظام الجديد والانخراط في الدولة، في حين ان الشيخ حكمت الهجري كان له موقف مغاير، فطالب بضمانات و "أمن ذاتي" وادارة محلية، وهذا ما رفضه الحكم الجديد الذي لم يتمكن من الدخول الى محافظة السويداء، وحصل اتفاق مع فعالياتها في أيار الماضي بعد احداث جرمانا وصحنايا ، على غرار الاتفاق بين الرئيس السوري احمد الشرع ورئيس تنظيم "قسد" مظلوم عبدي في آذار الماضي.

يومها انقسم الدروز حول الموقف من احداث سوريا، كما ما يجري في السويداء، اذ وقف رئيس الحزب "التقدمي الاشتراكي" السابق وليد جنبلاط مع انخراط الدروز في سوريا مع السلطة الجديدة، وكان أول سياسي لبناني يزور دمشق ويلتقي الشرع ويدعم حكمه، وكان من الداعين الى اسقاط النظام السابق برئاسة بشار الاسد، في حين وصف ارسلان السلطة الجديدة "بالارهابية"، نتيجة ما ارتكبته قواتها في محافظة السويداء من جرائم وانتهاك للمنازل وحرمتها، ومنها مجزرة حصلت في مضافة آل رضوان، واعلن ارسلان أن أهالي جبل العرب هم يقررون أين هو موقعهم وموقفهم مما يجري.

لن تنعكس احداث السويداء على الوضع الدرزي اللبناني، رغم التباعد في الرأي والقراءة بين جنبلاط وارسلان، اللذين اختلفا حول النظام السابق. فكان جنبلاط يدعو لسقوطه وعمل عليه، اما ارسلان كان مؤيدا للرئيس بشار الاسد وصديقا وحليفا له. لكن جنبلاط وارسلان اتفقا على تحييد الطائفة الدرزية في لبنان عن احداث سوريا، وهو الوضع نفسه بالنسبة لاحداث السويداء، التي تركت ألما وقلقا لدى أبناء طائفة الموحدين، الذين لهم تاريخ وطني وقومي في المنطقة. فكانوا من المدافعين عن الثغور ضد حملة "الفرنج"، وشاركوا في "الثورة السورية الكبرى" بقيادة المجاهد سلطان باشا الاطرش، وكانوا من الفاعلين في استقلال لبنان وقيام دولته، فأرسوا حضورا عربيا واسلاميا للدور الذي تنكبوا له، فكان اكبر من حجمهم العددي.

فالزعامتين الدرزيتان الفاعلتان والمؤثرتان في الطائفة، الجنبلاطية والارسلانية، لن تنجرفا باتجاه أي طرف في سوريا، وتؤكدان على استعادة وحدتها وموقعها، ورافضتان للحماية الخارجية لا سيما من العدو "الاسرائيلي". كما ان الزعامتين تخالفان ما يطلبه الشيخ الهجري بالتنسيق مع الشيخ موفق طريف كمرجعية روحية للدروز في فلسطين المحتلة، والذي يؤدي دورا سلبيا  بجر دروز سوريا الى الحماية "الاسرائيلية"، وتقمص ما حصل مع دروز فلسطين الذين تجندوا في الجيش "الاسرائيلي"، وهذا ما يعمل له العدو "الاسرائيلي" الذي لا يريد جنوب سوريا، جنوب لبنان جديد، كما قال رئيس الحكومة "الاسرائيلية" بنيامين نتنياهو الذي يعمل "لحزام أمني" ومنطقة عازلة في جنوب سوريا.

من هنا ، فان احداث السويداء المؤلمة التي كانت لكل طرف درزي قراءته لها، لم تتطابق بين جنبلاط وارسلان، لكن لن تشكل شرخا درزيا او انقساما سياسيا، يؤثر في أمن الجبل ووحدته، حيث يمر الطرفان "بشهر عسل" من التوافق، بتشكيل لجنة مشتركة تضم النائب اكرم شهيب والوزير السابق صالح الغريب وتعمل على التهدئة والاستقرار، وهي زارت منذ اكثرة من شهرين عددا من المرجعيات الروحية الدرزية وفعاليات وكانت ايجابية.

وتبقى أيضا العلاقة الدرزية – المسيحية، فما حصل اثناء الحرب في الجبل ، انتهى مع مصالحة الجبل في العام 2002  التي رعاها جنبلاط والبطريرك الراحل نصرالله صفير، ويؤيدها ارسلان، وهي ما زالت قائمة ودائمة ولن تؤثر احداث سوريا فيها، وغير مرتبطة بها، وان الدروز والمسيحيين اختبروا لاكثر من عقدين المصالحة والعودة، والنتائج ايجابية لجهة الممارسة السياسية، فحصل تحالف انتخابي بين الحزب "التقدمي الاشتراكي" و "القوات اللبنانية" و"الكتائب" و"الوطنيين الاحرار".

دارتا المختارة وخلدة تربطهما سياسيا علاقات سابقة وحالية مع قوى سياسية مسيحية، فاتفقوا في مراحل واختلفوا في اخرى، لكن المصالحة ثبتت السلم الاهلي في الجبل، وهو ما تشدد عليه جميع مكونات الجبل، مع سقوط مشاريع "الدويلات الطائفية".

فمرحلة الصراع في الجبل وعليه ولّت، وهو موروث من حروب 1840-1860، ويتابع جنبلاط كما ارسلان العلاقة مع الطائفة السنية، التي تتاخم بلداتها حدود مناطق يسكنها الدروز، بابعاد ما حصل في السويداء، عن انه صراع سني – درزي، بل هو خلاف حول مفهوم السلطة وادارة الدولة في سوريا، وهو شأن داخلي سوري ليس له امتداد لبناني، وان كان ما حصل يطرح سؤال حول شكل الجغرافيا الجديدة في المشرق العربي.

الأكثر قراءة

إسرائيل تسعى الى منطقة عازلة من حاصبيا الى السويداء ودرعا جبل الشيخ والجولان سيتحوّلان الى نقاط استثمارات دوليّة واشنطن والرياض تسعيان لانقلاب أبيض يُغيّر موازين القوى في لبنان