الكدمات المفاجئة: متى تكون طبيعيّة ومتى تستدعي القلق؟

اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

قد يستيقظ البعض ليجد بقعة زرقاء أو بنفسجية على الجلد دون أن يتذكر أي حادث أدى إلى ظهورها. هذه الكدمات المفاجئة، التي لا تسبقها إصابة واضحة، تثير القلق لدى كثيرين، خصوصًا إن تكررت أو ظهرت بأعداد كبيرة في أماكن مختلفة من الجسم. ورغم أن بعضها قد يكون ناتجًا عن أسباب بسيطة، فإن البعض الآخر قد يشير إلى حالات صحية أكثر خطورة.

الكدمة تحدث نتيجة تضرر الأوعية الدموية الصغيرة تحت الجلد، ما يؤدي إلى تسرب الدم منها وتجمّعه في الأنسجة المحيطة، مسببًا تغير لون الجلد إلى الأزرق أو الأرجواني. وعادة ما تختفي الكدمات في غضون أيام قليلة بعد أن يمتص الجسم الدم المتسرب. لكن عندما تظهر الكدمات دون سبب واضح، فقد تكون إشارة على وجود خلل في الجسم.

تتعدد الأسباب التي قد تؤدي إلى ظهور كدمات من دون تعرض الجسم لأي صدمة مباشرة. من أبرزها ضعف الشعيرات الدموية بسبب التقدم في السن، أو نقص بعض الفيتامينات الأساسية مثل فيتامين C وK، أو استخدام أدوية تضعف تخثر الدم مثل الأسبرين أو مميعات الدم الأخرى. كما أن بعض الاضطرابات المناعية أو أمراض الدم كالهيموفيليا أو نقص الصفائح الدموية قد تكون من العوامل المؤدية أيضًا.

رغم أن الكدمات غالبًا ما تكون غير مقلقة، إلا أن هناك بعض الحالات التي ينبغي التعامل معها بجدية. إذا كانت الكدمات تظهر بشكل متكرر ومن دون أي سبب واضح، أو كانت مؤلمة بشدة وتزداد في الحجم، أو تترافق مع نزيف من اللثة أو الأنف أو وجود دم في البول أو البراز، فقد تكون هذه أعراضًا لحالة طبية تستدعي التدخل العاجل. كذلك، في حال ظهرت الكدمات على مناطق غير معتادة مثل الوجه أو البطن، أو صاحبتها أعراض أخرى كالإرهاق الشديد وفقدان الوزن، فلا بد من إجراء الفحوصات اللازمة.

هذا وتُعتبر بعض الفئات أكثر عرضة للكدمات المفاجئة من غيرها، نتيجة لعوامل صحية أو فسيولوجية تجعل أجسامهم أكثر حساسية لحدوث النزيف تحت الجلد. فعلى سبيل المثال، يُعد كبار السن من أبرز الفئات المعرّضة، وذلك بسبب التقدّم في العمر الذي يؤدي إلى ترقق الجلد وضعف الأنسجة الضامة، ما يجعل الأوعية الدموية أكثر هشاشة وسرعة في التمزق حتى عند التعرض لأقل احتكاك أو صدمة. كما أن انخفاض إنتاج الكولاجين مع التقدم في العمر يُفقد الجلد مرونته وقدرته على امتصاص الصدمات.

أما النساء، فقد يلاحظن كدمات متكررة أكثر من الرجال، لا سيما في مناطق معينة من الجسم مثل الفخذين أو الذراعين. ويُعزى ذلك إلى التغيرات الهرمونية المرتبطة بالدورة الشهرية، الحمل، أو استخدام وسائل منع الحمل الهرمونية، التي قد تؤثر في نفاذية الأوعية الدموية أو تضعف من قدرة الجسم على تجلط الدم بسرعة.

ومن جهة أخرى، يُشكل المرضى الذين يتناولون أدوية تمييع الدم (مثل الوارفارين أو الأسبرين) أو مضادات الالتهاب غير الستيرويدية فئة حساسة للكدمات المفاجئة، حيث تؤدي هذه الأدوية إلى إبطاء عملية التخثر، ما يعني أن أي إصابة صغيرة قد تتسبب  بنزيف داخلي مرئي على شكل كدمة. كما أن بعض الأمراض المزمنة مثل أمراض الكبد أو الكلى قد تضعف وظيفة الصفائح الدموية أو تقلل من إنتاج عوامل التخثر، مما يزيد بدوره من خطر ظهور الكدمات بسهولة. ولا يجب أن نغفل أيضًا عن أمراض الدم الوراثية كالهيموفيليا، أو اضطرابات المناعة الذاتية التي تهاجم الصفائح الدموية مثل مرض الـITP، حيث تكون الكدمات في هذه الحالات مؤشرًا مبكرًا وخطيرًا.

للوقاية من الكدمات المفاجئة أو الحدّ من تكرارها، من الضروري اعتماد نمط حياة صحي ومتوازن. النظام الغذائي يؤدي دورًا محوريًا، خصوصًا عند تناول أطعمة غنية بفيتامين C  الذي يُعزز من إنتاج الكولاجين ويحافظ على قوة الأوعية الدموية، وكذلك فيتامين K  الذي يُساهم في تحسين عملية تخثر الدم. ومن المهم أيضًا الحفاظ على رطوبة الجسم وممارسة النشاط البدني المعتدل لتقوية الدورة الدموية، بالإضافة إلى ارتداء ملابس واقية في حال العمل أو النشاطات التي قد تنطوي على احتكاك أو صدمات متكررة.

وبالنسبة لأولئك الذين يتناولون أدوية تؤثر في تخثر الدم، يجب عدم التوقف عنها دون استشارة الطبيب، ولكن في الوقت نفسه، من المهم مراقبة ظهور الكدمات، خاصةً إذا كانت تظهر بشكل عشوائي أو بدون سبب واضح. وفي حال ملاحظة كدمة جديدة، يمكن وضع كمادات باردة خلال أول48  ساعة للمساعدة على تقليل التورم والنزيف الداخلي، ثم التحول إلى الكمادات الدافئة لاحقًا لتحفيز الدورة الدموية وتسريع الشفاء.