من الجامعات إلى صالات الرياضة، ومن خلف المقود إلى حفلات السهر، في عالم يسابق الإيقاع السريع، وتحت وطأة الأوضاع المعيشية المتأزمة والضغوط النفسية المتصاعدة، تتزايد ظاهرة استهلاك مشروبات الطاقة بين الشباب والمراهقين في لبنان، والتي يروج لها على أنها مصدر سريع "لليقظة والنشاط"، غير أن الحقيقة العلمية والصحية تحمل وجها آخر، يخفي خلفه مخاطر جمة على جيل المستقبل.
باتت هذه المشروبات مشهدا مألوفا، فإلى جانب المشروبات الغازية والعصائر، تعرض مشروبات الطاقة في المحال والأكشاك، بعضها محلي الصنع، وبعضها الآخر مستورد وبأسعار متفاوتة، ما يساهم في ترسيخ صورتها كمشروب عادي، لكن هذه المشروبات تحتوي على نسب عالية من الكافيين والمواد المنبهة الأخرى، وهي تركيبة قد تكون مضرة خصوصا عند الإفراط في استخدامها، أو مزجها مع الكحول أو الأدوية.
شهادات
بات استهلاك مشروبات الطاقة ظاهرة يومية، لا سيما خلال فترات الامتحانات أو بعد ليال طويلة من السهر.
هشام ابن الـ 15 عاماً أكد لـ "الديار" أنه اعتاد على شرب أحد مشروبات الطاقة كل يوم قبل الذهاب إلى المدرسة، "بحس بيخليني مركز أكتر وبنسى النعس، جربت وقف، بس راسي وجعني وبتوتر".
أما علا ابنة الـ 22 عاما، وهي طالبة جامعية، فتربط استهلاكها لهذه المشروبات بفترات الامتحانات: "أشربها وقت الدراسة، خصوصا إذا كنت طالعة من شغل ومرهقة، بعرف إنو مش مفيدين، بس ما عندي وقت ولا طاقة أعمل رياضة أو آخد فترات راحة، فهذا الحل الأسهل والسريع".
ويروي سالم ابن الـ 27 عاما وهو مدرب رياضي، تجربته مع مشروبات الطاقة "كنت أشرب عبوة أو اثنين باليوم، وخصوصا قبل التمرين، بس مع الوقت بلشت حس بدقات قلبي عم تتسارع بطريقة غريبة، وبعد استشارة الطبيب نصحني أن اوقفها فورا، ومن وقتها اصبحت انصح الشباب في النادي بعدم شربها لانها مضرة".
مشكلات صحية ونفسية
هذه الشهادات على اختلاف خلفياتها، تكشف عن قاسم مشترك خطير، الاعتماد التدريجي على منتج يسوق كحل سريع، بينما في الواقع يتسبب في مشكلات صحية ونفسية متفاقمة، غالبا ما تمر من دون تشخيص أو متابعة.
الدكتورة في الصيدلة السريرية، ومتخصصة في علم الجلد غاييل الشاعر مارديني أكدت لـ "الديار" أن "عددا كبيرا من الشباب اللبناني معرّض لخطر الاصابة بامراض القلب والنوبات والموت، بسبب استهلاكهم مشروبات الطاقة التي يتناولونها تحت شعار زيادة النشاط والتركيز"، مضيفة إلى أن "تناول مشروبات الطاقة ينطوي على مشكلات صحية عديدة تتراوح في شدتها، من الصداع إلى الخفقان والفشل الكلوي، والموت في حالات نادرة . فالعديد من الدراسات حذرت من مخاطر هذه المشروبات، و55.4% من الذين أبلغوا عن استهلاك مشروبات الطاقة في مرحلة ما في حياتهم، يعانون من مشاكل صحية كان أبرزها سرعة ضربات القلب والغثيان وصعوبة النوم".
وأضافت "إن مشروبات الطاقة تحتوي على جرعات كبيرة من الكافيين، وأحيانا منبهات أخرى مثل الغوارانا والتورين والجينسينغ، و اضرارها لا تقتصرعلى الصحة البدنية، بل لها تأثير أيضا على الصحة العقلية، بما في ذلك القلق والاكتئاب، أو حتى الإجهاد واضطراب ما بعد الصدمة وتعاطي المخدرات، وحتى الأفكار الانتحارية".
60% من الشباب يستهلكون مشروبات الطاقة
المجتمع العلمي لم يتفق بعد على تعريف واضح لمشروبات الطاقة، ووفقا للوائح الحالية فهي تندرج ضمن فئة المشروبات المنعشة، لكنها تحتوي على جرعات عالية من الكافيين الذي يعد منبه للجهاز العصبي، ويسبب الأرق، التوتر، تسارع ضربات القلب، وتحتوي بعض العبوات على ما يصل إلى 300 ملغ من الكافيين.
ووفقا لإدارة الغذاء والدواء الأميركية "FDA"، فإن الحد الآمن من الكافيين للبالغين يصل إلى 400 ملغ يوميا، ولا تشجع الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال على استهلاك الكافيين للأطفال دون سن 12 عاما، وتوصي أولئك الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و18 عاما باستهلاك 100 ملغ أو أقل يوميا.
كما تحتوي مشروبات الطاقة على السكر الذي قد يصل إلى 60 غ في العبوة الواحدة، وهو مصدر للطاقة السريعة يتبعها هبوط حاد، ويزيد خطر السمنة وتسوس الأسنان والسكري من النوع الثاني بحسب ما أكدت مارديني، كما أنها تحتوي على التاورين وهو حمض أميني، قد يؤثر على الجهاز العصبي مع الكافيين، والجينسنغ الذي يروج له كمحفز للتركيز، لكن تأثيره محدود علميا، وفيتامينات Bالتي تساهم في إنتاج الطاقة لكن فائدتها تنخفض عند الإفراط.
وتشير دراسات لبنانية حديثة إلى أن نحو 60% من الشباب يستهلكون مشروبات الطاقة بدرجات متفاوتة، تبدأ من مرة شهريا وتصل لدى البعض إلى الاستهلاك اليومي، وغالبا ما يبدأ التعاطي بها في سن 14–16 عاما، ويزداد في صفوف الذكور أكثر من الإناث، وغالبا ما تستهلك قبل الامتحانات أو المهام الدراسية، ممارسة الرياضة، قيادة السيارة لمسافات طويلة، الحفلات والسهرات.
ضرورة التوعية
وأشارت مارديني إلى "ضرورة التوعية والحد من الترويج لهذه المشروبات، وتعديل التصورات الخاطئة المقترحة في الدعايات لهذه المشروبات، إضافة إلى منع بيعها لمن هم تحت الـ 18 سنة، واقتراح بدائل طبيعية مثل تناول وجبات متوازنة، شرب الماء، النوم الكافي، أو شاي الأعشاب، أو القهوة باعتدال".
ويؤكد خبراء الصحة أن الحل لا يكمن في المنع التام، بل في التوعية المنظمة على مخاطر هذه المنتجات، لا سيما في المدارس والجامعات، ويقترحون تنظيم حملات توعوية في وسائل الإعلام ومواقع التواصل، فرض قيود على الإعلانات الموجهة للقاصرين، إدراج مواد توعية صحية في المناهج المدرسية، إلزام المنتجين بوضع تحذيرات واضحة على العبوات.
سكتة قلبية
من جهته، حذر مصدر طبي من "التأثيرات السلبية لمشروبات الطاقة، لا سيما عند تناولها بشكل مفرط أو من قبل الفئات العمرية الصغيرة"، مضيفاً "وفقا للعديد من الأبحاث، يؤدي استهلاك كميات عالية من الكافيين والمنبهات الأخرى إلى تسارع في ضربات القلب، ارتفاع ضغط الدم، الأرق، التوتر، والقلق، وقد يتطور الأمر لدى بعض الأفراد إلى نوبات هلع أو اضطرابات في نظم القلب، خصوصا لدى من يعانون من مشاكل صحية كامنة أو يستخدمون أدوية معينة".
وأفادت دراسة نشرتها جمعية القلب الأميركية، أن مشروبات الطاقة التي تحتوي على الكافيين تغير النشاط الكهربائي للقلب، وتزيد من ضغط الدم، كما اثبتت أن ارتفاع استهلاك مشروبات الطاقة يرتبط بالسكتة القلبية واحتشاء عضلة القلب، ويمكن أن تكون مرتبطة حتى بما يعرف بسماكة الدم.
وأشار المصدر نفسه إلى أن "مزج مشروبات الطاقة مع الكحول أو تناولها قبل ممارسة الرياضة المكثفة، يشكل خطرا مباشرا على القلب، وقد يؤدي في بعض الحالات إلى انهيار في الدورة الدموية أو فقدان الوعي".
الجدير بالذكر، أن الحكومة اللبنانية أوقفت استيراد مشروبات الطاقة الممزوجة بالكحول (المشروبات الكحولية التي تحتوي على مواد مضافة منبهة مثل الكافيين والتورين) ابتداء من حزيران 2014.
تراجع الأداء الذهني
قلق واكتئاب...
وأضاف المصدر "المشكلة الأساسية أن الكثير من المراهقين يستهينون بتركيبة هذه المشروبات، ويعتبرونها آمنة لأنها متوفرة بسهولة، بينما في الواقع، كل عبوة قد تحتوي على ما يعادل 3 إلى 5 فناجين قهوة من الكافيين، وهي جرعة مفرطة لأجسامهم، فالأضرار لا تتوقف على القلب والجهاز العصبي، بل تشمل الجهاز الهضمي أيضا، إذ تسبب مشروبات الطاقة مشاكل في المعدة، غثيانا، وحرقة، إضافة إلى إسهال أو جفاف في بعض الحالات، أما على المدى الطويل، فقد تساهم هذه المشروبات في الإدمان، وزيادة الوزن، واضطرابات النوم، وتراجع الأداء الذهني بدلا من تحسينه كما يشاع".
كما أوصى بالحد من استهلاكك مشروبات الطاقة واستبدالها ببدائل صحية كتناول وجبة خفيفة تحتوي على البروتين والكربوهيدرات مثل التفاح والجبن، أو تناول قطعة من الشوكولاتة الداكنة، والتي تحتوي على مضادات الأكسدة والفلافونويد والكافيين التي يمكن أن تعزز وظائف المخ، إضافة إلى النوم من 7 إلى 8 ساعات في الليلة، وممارسة الرياضة بانتظام.
وبحسب تقرير لمنظمة الصحة العالمية إن استهلاك كميات عالية من الكافيين، خصوصا من خلال مشروبات الطاقة، يمكن أن يؤدي إلى آثار ضارة على صحة القلب والأوعية الدموية والجهاز العصبي، خاصة لدى الأطفال والمراهقين، كما أن الخلط بين مشروبات الطاقة والكحول يشكل خطرا مضاعفا، إذ يخفي الكافيين تأثير الكحول ويزيد احتمال الإقدام على سلوكيات خطرة.
دراسة محلية غير رسمية أُجريت على عينة من طلاب المدارس، أشارت إلى أن 40% من المستهلكين المنتظمين لمشروبات الطاقة أظهروا علامات توتر دائم، وانخفاض في التركيز، وميولا عدوانية.
ويحذر أخصائيو الصحة النفسية من أن هذه المشروبات قد تزيد من حدة أعراض القلق والاكتئاب، خاصة لدى من يعانون أصلا من اضطرابات نفسية أو يمرون بمرحلة مراهقة حساسة.
لا قانون واضح ينظم بيع
أو تسويق هذه المشروبات
وبحسب مصادر من وزارة الصحة، لا يوجد حاليا قانون واضح ينظم بيع أو تسويق مشروبات الطاقة في لبنان، بل يتم التعامل معها كمنتجات غذائية تجارية، كما تفتقر المدارس الرسمية والخاصة إلى مواد توعوية حول هذه المشروبات، ما يترك الطلاب ضحية لتأثير الدعاية والإعلانات، التي تروج للنشاط والقوة والتركيز بشكل مضلل، لذلك يتوجب على الأهل مراقبة أبنائهم الأطفال والمراهقين، وتوعيتهم بما يخص مشروبات الطاقة وأضرارها المتعددة على صحة العقل والجسم.
يشار إلى أن فرنسا والنرويج، منعتا بعض مشروبات الطاقة التي تحتوي على نسب كافيين مرتفعة من التداول في الأسواق كليا، بينما تفرض تركيا والأرجنتين قوانين واضحة تحظر بيعها للقاصرين دون 18 عاما، كما تمنع الإعلانات التي تستهدف فئة الشباب.
مشروبات الطاقة منتجات عالية المخاطر خصوصا عند المراهقين، ورغم ما تحمله من مخاطر، لا تزال تباع بحرية شبه تامة في لبنان، وغالبا بدون تحذيرات صحية واضحة أو رقابة على الأعمار، كما أن الإعلانات التجارية تروج لها بأساليب جذابة تستهدف المراهقين، ما يطرح تساؤلات جدية حول دور وزارات الصحة والتربية والإعلام في ضبط هذه الظاهرة، التي من الممكن أن تتحول مع الوقت إلى إدمان خفي يدفع ثمنه الشباب من صحتهم، والمجتمع من استقراره.
فهل ننتظر المزيد من الحالات في غرف الطوارئ قبل التحرك؟ أم آن الأوان لبلورة سياسات لبنانية وقائية تستند إلى المعايير الدولية، لحماية جيل بأكمله من خطر غير مرئي لكنه قاتل بصمت؟
يتم قراءة الآن
-
رسالة أمنية حازمة شمالا... وغياب للمرجعية السنية! الورقة الأميركية مذكرة استسلام ولا مهل زمنية جورج عبدالله يعود اليوم يعد 41 عاماً...
-
ما خفي من كلام براك... فضحته "عشاواته"
-
إستدعاء الوزراء شهوداً أمام القاضي بو نصار... كرة فضيحة «BetArabia» تتدحرج
-
جعجع يخرج من "سور معراب" الى كليمنصو "لغسل القلوب" مع جنبلاط
الأكثر قراءة
عاجل 24/7
-
13:02
الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان: الحكومة عازمة على توطيد العلاقات مع دول الجوار.
-
12:33
رئيس الحكومة نواف سلام: بغياب زياد الرحباني يفقد لبنان فنانا مبدعا استثنائيا وصوتا حرا ظل وفيا لقيم العدالة والكرامة
-
12:19
استهداف سيّارة على طريق صريفا الطويري في جنوب لبنان
-
11:59
استهداف سيّارة على طريق صريفا الطويري في جنوب لبنان
-
11:13
وفاة الفنان اللبناني الكبير زياد الرحباني
-
10:57
بزشكيان: علينا أن نستعد دومًا للدفاع عن بلدنا لكن تبقى الدبلوماسية أداة أهم من أي وسيلة أخرى
