اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


يريد اليمين المتطرّف "الإسرائيلي" تفكيك لبنان ودول منطقة الشرق الأوسط إلى دويلات لتُصبح ضعيفة، ما يُتيح بالتالي لإسرائيل" تنفيذ أهدافها ومصالحها ومطامعها. وغالباً ما يحاول "الإسرائيليون" الاستفادة من عدم الترسيم النهائي للحدود اللبنانية- السورية، لاحتلال أجزاء من الأراضي هناك، مدّعين بأنها تعود لهم تاريخياً. غير أنّ الحدود اللبنانية- السورية محدّدة ومرسّمة في اتفاقيات ووثائق عديدة، ولا تحتاج اليوم سوى إلى وضع محضر أخير بين لبنان وسوريا يتم إرساله إلى الأمم المتحدة. فمتى وكيف حصلت أعمال تحديد وترسيم الحدود اللبنانية- السورية؟! وما الذي يبقى لفعله اليوم من قبل الحكومة الحالية؟

يقول المؤرخ التاريخي والباحث الأكاديمي ومؤلّف كتاب "الحدود اللبنانية- السورية: محاولات التحديد والترسيم 1920- 2000"، الدكتور عصام خليفة إنّ الحدود بين لبنان وسوريا التي تمتدّ بطول 375 كلم2 (أو 233 ميل)، هي مرسّمة ومتفق عليها بين لبنان وسوريا. أما اتفاقية "سايكس- بيكو" (1916) التي قال المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا توم برّاك، الذي يزور لبنان حالياً، إنّها فشلت ولهذا يجب وضع اتفاقيات جديدة للمنطقة، فهي معاهدة بين فرنسا وبريطانيا لتقسيم مناطق النفوذ وليس الحدود. وهي لم تُطبّق، كما جرى تعديلها. في حين أنّ عملية ترسيم الحدود فهي نِتاج مؤتمر الصلح (1919)، و"سان ريمو" (1920)، ومؤتمر لوزان (1922-1923).

فقد أقرّت الدولة العثمانية بهزيمتها آنذاك، يضيف خليفة، وتركت المناطق العربية والدول التي فيها. وبحسب تاريخ جودت في الفترة العثمانية (وهو مؤرّخ السلطان)، فإنّ جبل لبنان تمتّع باستقلال ذاتي في عهد الدولة العثمانية. فبعض مرتكبي الجرائم كانوا يهربون اليه للحماية، إذ لم يكن بإمكان الدولة العثمانية إحضارهم إلا بالتفاوض. فالقانون الدولي كان يحمي المتصرّفية، فلا يستطيع الجيش العثماني الدخول عندما يشاء إلى جبل لبنان. وهناك أيضاً القرار 318 ، الذي هو قرار المفوّض السامي الفرنسي الجنرال غورو والصادر في 31 آب 1920، والذي حدّد فيه حدود لبنان الكبير. ثمّ لجنة أشارد (في العام 1922)، إلى القرار 3007 الصادر في العام 1924، و"لجنة لوبيسييه" في العام 1925 وسواها.

وثمّة ترسيم للحدود، على ما يلفت خليفة، حصل في جزء من السلسلة الشرقية، عُرف بـ "اقتراح دورافور" وهو مبادرة غير رسمية لترسيم الحدود تهدف إلى حلّ النزاعات الحدودية بين الدول بطريقة عادلة ومنصفة، من خلال تطبيق مبادئ قانونية وأخلاقية في تحديد الحدود. يعتمد الاقتراح على مبادئ مثل احترام حقوق الملكية، والعدالة، والشفافية، والمصلحة العامة، مع الأخذ في الاعتبار الظروف التاريخية والاجتماعية والاقتصادية لكلّ منطقة.

وسأل خليفة الشؤون الجغرافية في الجيش اللبناني ووزارة الخارجية أين هو هذا الاقتراح لرئيس المساحة آنذاك كميل دورافور، الذي تسلّم منذ العام 1923 إدارة أعمال التحديد والتحرير، ولديه كلّ ملفات الحدود؟! كذلك وافقت سوريا للمرة الأولى على استقلال لبنان ضمن حدوده في العام 1943، قبل قيام جامعة الدول العربية. وهناك بالتالي التقارير الموجودة في الشؤون العقارية، على ما يضيف خليفة، عن الاتفاق اللبناني السوري بين القاضيين الغزّاوي- الخطيب والموقّع في 20/02/1946، متسائلاً: أين هي محاضر التحديد والتحرير التابعة لهذا الاتفاق؟ فالمطلوب مكننتها واستخدامها كوثيقة رسمية من قبل الدولة اللبنانية.

وخلال المفاوضات اللاحقة، على ما يتابع ، وصل لبنان مع سوريا إلى الاتفاق على 1000 نقطة حدودية و4000 نقطة ثانوية. وطرح الموضوع على مجلس الوزراء لمعرفة تكاليف ترسيم هذه النقاط. ولكن كلّما كان يتوصّل لبنان إلى نتيجة ما، يتراجع السوريون عن استكمال المفاوضات. وحصلت الاجتماعات بين الجانبين في 26 و27 نيسان من العام 1967، وجرى خلالها عرض الخرائط الحدودية بين الجبل اللبناني والجبل السوري، فظهرت بعض الفروقات... كذلك وافق مجلس الوزراء على الأسس الحدودية بين لبنان وسوريا في العام 1991، لكن لم يتمّ إنهاء الموضوع.

وأكّد أنّ كلّ هذه الوثائق موجودة، ولا ينقصها سوى محضر أخير يوقّع بين لبنان وسوريا ويرسَل الى الأمم المتحدة. اضاف: وعلمنا بأنّ السفير الفرنسي هيرفيه ماغرو قد سلّم وزير الخارجية يوسف رجّي خرائط فرنسية للحدود، فأرسلها إلى وزير الدفاع اللواء ميشال منسّى. والمطلوب اليوم التنسيق بين كلّ هذه الجهات المعنية، إلى جانب المتخصصين في المساحة، والعلماء بالجغرافيا والقانون الدولي والخبراء، القيام بورشة عمل لكامل الحدود اللبنانية.

وتابع : إذا كان رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع مخلصاً ويريد الترسيم، وكذلك الدول الأخرى مخلصة، وثمة قرار دولي من الأمم المتحدة لترسيم الحدود في لبنان والمنطقة، فنحتاج اليوم إلى إرادة داخلية، لبنانية- سورية، وعدم التدخّل من قبل "إسرائيل"، كونها دخلت على الخط ولا تريد ترسيم أي دولة. فبرنارد لويس يودّ إسقاط كلّ هذه الحدود، لأنه يقول إنّ الدول التي نشأت بعد الحرب العالمية الاولى "خطأ"، كون حدودها لم تُبنَ على الإثنيات والطوائف.

وقال ان "إسرائيل" تسعى للوصول إلى نهر الليطاني، أي إلى حدودها التاريخية، على ما تزعم، وتدّعي بأنّ هذه الارض سكنها آشار وإيزاشار وزبلوم ونفتالي. في ما يعتبر لبنان كلّ ذلك "أساطير"، ولهذا عليه تحضير نفسه لمواجهة هذه المزاعم، ويستعدّ جيّداً للدفاع، عبر تجهيز ملفه بشكل احترافي لترسيم حدوده بشكل نهائي بين لبنان وسوريا الجديدة و"إسرائيل"، لإنهاء كلّ الخلافات لا سيما في منطقة مزارع شبعا المحتلّة. فالقرار 1701 ينصّ على أنّ كلّ جانب يطرح الحجج التي يملكها، ولا بدّ للبنان من طرح وثائقه وخرائطه.

وناشد خليفة هنا، بلدية شبعا للتحرّك عبر توجيه مذكرات للدولة اللبنانية والسفراء في الخارج، للحفاظ على لبنانيتها واسترداد الدولة لها. وعن قول الشرع ، قال: "لينسحب الاحتلال من المزارع ولن يكون هناك خلاف عليها بيننا"، يؤكّد خليفة أنّها لبنانية، إذ لا يمكن فصل بلدة شبعا عن مزارعها. كذلك النظام السوري قال 15 مرة إنّها لبنانية. وعلى الدولة السورية الحالية الاعتراف بلبنانيتها، سيما إنّ المفاوضات بينها وبين "الإسرائيليين" قد بدأت في باكو، وتتمّ مناقشة قضية الجولان المحتلّ، لأنّ تأجيل البتّ بأمر المزارع يعني ضمناً حصول "إسرائيل" عليها.

علماً بأنّ المادة الثانية من الدستور اللبناني تنصّ على أنّه "لا يجوز التخلّي عن جزء من أراضي الدولة اللبنانية"، وإلا فإنّ ذلك يعتبر "خيانة عظمى"، وعلى الدولة اللبنانية في الوقت نفسه، على ما أشار خليفة، وضع ثقلها للدفاع عن هذه الأراضي ليس عسكرياً فقط، إنّما بالعمل الديبلوماسي، والرأي العام التاريخي، وفهم الدول وحقوق الإنسان والعلاقات الدولية وميثاق الأمم المتحدة. ولا يجب أن تيأس من إقناع الرأي العام العالمي بخروج "إسرائيل" عن المواثيق والقرارات الدولية.

الأكثر قراءة

ما خفي من كلام براك... فضحته "عشاواته"