اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


كان ذلك في أوائل الثمانيات، عندما كلفني معلمي المحامي المرحوم اوغست باخوس متابعة ملف سيدة لديها ولدان، تركها زوجها وهاجر الى اميركا، حيث تملك عدة فنادق في لوس انجلس، ويعيش كالملك حيث بات من اغنى اغنياء اميركا، ولديه المرافقون والسائقون. في حين ان زوجته في لبنان تعيش "على معاشها" مع الولدين، والذي لا يكاد يكفيهم قبل انتهاء الشهر. وعلمت الزوجة ان والدة زوجها سوف تبيع املاكها في لبنان لتهاجر الى اميركا. فطلب مني الاستاذ باخوس تحضير كتاب لإرساله الى سفير لبنان في واشنطن الدكتور عبدالله بو حبيب، للاستفسار عن وضع الزوج.

وما ان تلقى السفير بو حبيب الرسالة، حتى تحركت انسانيته، وقام بجمع المعلومات عن الزوج وارسل لنا ملفاً كاملاً عنه. وإثر تلقي المعلومات والمستندات، زار الاستاذ باخوس رئيسة دائرة التنفيذ في بعبدا، وشرح لها الوضع. وكيف ان الزوج يملك ثروة تقدر بمئات ملايين الدولارات في اميركا، وليس لديه اي عقار في لبنان. في حين ان زوجته وولديه يعيشان في حالة فقر مدقع. وان والدته سوف تبيع املاكها في لبنان. وقدم طلب الحجز على املاكها، مع دعوى يطالبها فيها بنفقة للولدين، معترفاً بأن الامر قد يكون موضع خلاف، إذ ان الجدة قد لا تكون ملزمة بالنفقة، ولكن في هذه الحالة سوف تبيع املاكها وتسافر. وكانت المفاجأة ان رئيسة دائرة التنفيذ، وضعت الحجز على املاك الجدة التي اضطرت الى التفاوض، والى دفع مبلغ للولدين قبل ان تهاجر الى اميركا.

وفور انتهاء مهامه في اميركا، زار السفير بو حبيب الاستاذ باخوس، وهما كانا اصلاً على علاقة صداقة، وشكره الاستاذ باخوس على ما قام به من عمل إنساني، ادى الى إنقاذ عائلة من الفقر.

وفي عهد فخامة الرئيس العماد ميشال عون، تم تعيين السفير بو حبيب وزيراً للخارجية والمغتربين، فمارس مهامه  بتقنية وخبرة، وهو الذي يعرف الاصول الديبلوماسية على اكمل وجه. كما بقي على تواضعه وعلى رفعته، دون الدخول في زواريب السياسة الضيقة والحقد والحسد الذي يلازم بعض المسؤولين، وهو كان مثال المسؤول الهادئ، اذ ان المسؤول الذي يقضي وقته في الصريخ و"التعصيب"، هو مسؤول فاشل ولا يستحق اي مركز او منصب.

لبنان حزين، والمتن الشمالي حزين، وبلدة روميه حزينة، وهي التي سوف تحتضن ابنها البار الدكتور عبدالله. رحمه الله.

*نقيب المحامين السابق في بيروت