في خضم الأزمات المتتالية التي تعصف في البلاد منذ سنوات، ومع تفكك شبه كامل لمؤسسات الدولة، بقي صمام الأمان الأخير لوطن يتأرجح على حافة الانهيار، صامدا يقف على الحياد حاملا هم الوطن، ويؤدي دورا فريدا في الحفاظ على وحدة البلاد واستقراره، وسط عالم تتعدد فيه الولاءات الطائفية والسياسية. إنه الجيش اللبناني العمود الفقري لأمن لبنان، وهو أكثر من مجرد مؤسسة عسكرية، إنه صورة الوطن حين يتوحد، وصوت الضمير حين يصمت الجميع، في عيون جنوده تلمع كرامة الوطن، وعلى أكتافهم تستند خريطة لبنان بكل تضاريسها ومآسيها وآمالها.
الروح النبيلة التي يحملها الجيش اللبناني لم تولد من فراغ، فقد تشكل من أبناء هذا الشعب، من كل مناطقه وطوائفه، ليكون أول ترجمة عملية لفكرة الوحدة الوطنية، "فالجيشُ هو نسيج مصغر عن الشعب اللبناني بأبهى حلله" كما وصفه رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون.
تعود جذوره إلى فترة الانتداب الفرنسي، حين شكلت فرنسا قوات لبنانية محلية عرفت باسم "الجيش الخاص" عام 1926، ومع فجر الاستقلال عام 1943، بدأ لبنان يسعى لبناء مؤسسة عسكرية وطنية مستقلة، فتسلم الضباط اللبنانيون قيادة وحداتهم تدريجيا. وفي 1 آب 1945 سلم الجيش الخاص اللبناني إلى السلطة الوطنية، وأعلن هذا التاريخ يوما رسميا لتأسيس الجيش اللبناني بقيادة اللواء فؤاد شهاب كأول قائد للجيش بعد الاستقلال.
يشار إلى أنه منذ تأسيس الجيش اللبناني عام 1945، تولت قيادته شخصيات عسكرية أدّت أدوارا محورية في الحفاظ على الأمن الوطني والتماسك الداخلي، وترك كل منهم بصمته الخاصة:
ـ اللواء فؤاد شهاب (1945 – 1958)
ـ اللواء جان نجيم (1970 – 1976)
ـ العماد فيكتور خوري (1976 – 1982)
ـ العماد إبراهيم طنوس (1982 – 1988)
ـ العماد ميشال عون (1988 – 1990)
ـ العماد إميل لحود (1990 – 1998)
ـ العماد ميشال سليمان (1998 – 2008)
ـ العماد جان قهوجي (2008 – 2017)
ـ العماد جوزيف عون (2017 – 2025)
ـ العماد رودولف هيكل ( 2025 حتى اليوم)..
الضمانة الوحيدة لوحدة البلد
وبالتوازي مع مسيرته العسكرية، بقي الجيش اللبناني يحظى بثقة عالية لدى شرائح واسعة من اللبنانيين، رغم الانقسامات السياسية والانهيار الاقتصادي.
"ما عنا ثقة بالسلطة السياسية، بس بعدنا منآمن إنو الجيش هو صمام الأمان الحقيقي" تقول ريما وهي موظفة في القطاع العام، مضيفة " هو المؤسسة الوحيدة اللي بعدها واقفة على أقدامها بظل الانهيار الكامل للدولة".
أما محمد وهو صاحب محل تجاري في أسواق بيروت فيؤكد أن "وجود الجيش يمنح شعورا بالأمان"، مشيرا إلى "أن الناس مع كل اضطراب أمني تلجأ للجيش".
وتقول عليا وهي طالبة جامعية "أنا برأيي الجيش لازم يكون مدعوم مش بس بالسلاح، بل كمان بالرواتب والمساعدات الاجتماعية، هيدا مش بس واجب الدولة، هيدا حقن لأنو هني عم يحمونا".
من جهته، أكد حسين وهو من الجنوب أن الجيش "هو الضمانة الوحيدة لوحدة البلد، وضروري ان يلتف الجميع حوله بعيدا عن الطائفية"، مضيفا "الجيش وقف معنا بحرب تموز وبكل مرة بنحتاجو فيها".
نادر وهو موظف في القطاع الخاص يعلّق قائلاً: "نحنا بدنا جيش يحمي الحدود أكيد، بس كمان بدنا جيش يحمي حقوق الناس بالداخل، مش بس يتدخل وقت المشاكل."
لكن هذا التقدير الشعبي لا يغني عن النقد البناء، إذ يطالب كثيرون بإصلاحات إدارية ومالية، تعزز من قدرة الجيش وتحسن ظروف عناصره، لا سيما في ظل الانهيار المعيشي، وتراجع قيمة الرواتب.
في المحصلة، تظهر هذه الشهادات أن الجيش اللبناني ما زال يتمتع بثقة واسعة بين فئات الشعب المختلفة، رغم التحديات التي تواجهه داخليا وخارجيا، فهذه الثقة لم تأت من فراغ، بل هي ثمرة مسيرة طويلة من التضحيات والمواقف الوطنية، تجلت في محطات مفصلية من تاريخ البلاد، وشكلت ركائز أساسية في دوره كضامن للأمن والاستقرار.
التضحيات
ففي عام 1948 شارك في حرب فلسطين إلى جانب الجيوش العربية، وخلال الحرب الأهلية المشؤومة (1975-1990) تعرض الجيش لانقسامات، على خلفية الانقسامات السياسية والطائفية التي عصفت بالبلاد، ما أضعف قدرته على أداء دوره، لكنه بقي المؤسسة الوحيدة التي حافظت على بعض التماسك، وكان لإعادة بنائه بعد اتفاق الطائف دور حيوي في بسط الأمن.
كما وقف الجيش رغم محدودية إمكاناته في مواجهة مع الاحتلال "الإسرائيلي" دفاعا عن الجنوب اللبناني، بالتوازي مع عمليات المقاومة من عام 1978 حتى عام 2000. وفي عام 2007 خاض معركة شرسة في أحداث نهر البارد ضد تنظيم "فتح الإسلام" الإرهابي، مقدما عشرات الشهداء، ما أعاد التأكيد على دوره في مكافحة الإرهاب، دون أن ننسى دوره الكبير في معركة "فجر الجرود" عام 2017 ، والتي تعد واحدة من أبرز انتصارات الجيش ضد تنظيم "داعش" الإرهابي، حيث حرر بلدات لبنانية حدودية في البقاع الشمالي من قبضة الإرهاب.
ومن هذا المنطلق، يعد الجيش اللبناني الركيزة الأساسية لوحدة البلاد واستقرارها، لا سيما في ظل ضعف مؤسسات الدولة وتراجع فعاليتها، وتأتي أهمية الجيش في مهامه الحيوية المتعددة، منها حفظ الأمن الداخلي، ضبط الحدود، مواجهة الإرهاب، التدخل السريع في حالات الكوارث، حماية السيادة الوطنية، وتأمين سير الانتخابات بشكل نزيه...
التحديات والمهام
ورغم رمزيته العالية، يواجه الجيش اللبناني تحديات جسيمة تهدد جهوزيته، أبرزها ضعف التمويل ونقص التجهيزات، خصوصاً في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعاني منها لبنان، حيث بات العديد من العسكريين يعيشون تحت خط الفقر، ما يشكل تهديداً مباشراً لاستقرار المؤسسة وقدرتها على أداء مهامها، كما يواجه الجيش ضغوطاً سياسية متزايدة، إذ تلقى على عاتقه أدوار أمنية في ظل مشهد سياسي معقد ومأزوم، ما يفرض عليه تحديات كبيرة في الحفاظ على حياده وعدم الانحياز.
أما خارجيا، فيسعى الجيش للحفاظ على علاقات متوازنة مع الجهات المانحة والداعمة دولياً، من دون دون الوقوع في فخ الاصطفافات الإقليمية، حفاظا على استقلالية قراره وفعالية أدائه.
تتجه الأنظار إلى الجيش اللبناني بوصفه الركيزة الأخيرة التي لا تزال متماسكة، في ظل الانهيار المالي وانسداد الأفق السياسي ، حيث ينتظر منه تأدية دور متزايد في حماية استقرار البلاد، ومنع انهيار مؤسساتها، وتشمل أبرز المهام المطروحة أمامه: الحفاظ على الأمن والسلم الأهلي في وجه تنامي الفوضى وارتفاع معدلات الجريمة، ضبط الحدود ومكافحة التهريب والهجرة غير الشرعية، مواكبة المراحل الانتقالية، سواء باستمرار الفراغ الرئاسي أو التحضير لانتخابات نيابية جديدة، التنسيق مع القوى الأمنية الأخرى لحماية المرافق العامة والمؤسسات الرسمية، الاستجابة للكوارث والأزمات الإنسانية، كما في كارثة انفجار مرفأ بيروت.
لا قيام لوطن من دون جيش
في بلد يتهاوى تحت وطأة الانهيار، يبقى الجيش اللبناني أحد الأعمدة الأخيرة للصمود، فهو حامل لمسؤولية أكبر مما يحتمله وحده، وأداء هذه الأدوار المصيرية يتطلب توافر شروط أساسية، أبرزها دعم دولي مستدام لوجستيا وماليا يعزز جهوزية الجيش وقدرته التشغيلية، تحييده عن الصراعات السياسية والطائفية الداخلية، بما يضمن الحفاظ على حياده ووحدته، تحسين الظروف المعيشية للعسكريين بما يؤمن كرامتهم ويضمن صمودهم واستمراريتهم في أداء واجبهم الوطني.
رغم كل الصعوبات التي يعيشها الجيش، لم يتخل يوماً عن دوره في حماية الناس، وحفظ الأرض، وصون كرامة الدولة، إنه الجدار الأخير الذي نحتمي به حين تسقط الجدران، والرمز الحي لوحدة شعب يتوق إلى السلام، ويؤمن بأن لا قيام لوطن من دون جيش يحمل روحه ويدافع عن حلمه.
يتم قراءة الآن
-
هل تغزو الفصائل السوريّة البقاع؟
-
جهد رئاسي للوصول الى صيغة توافقيّة لحصريّة السلاح... وإلّا المجهول؟ حزب الله يزور عون في الرابية الاثنين... ولقاء قريب مع جنبلاط الانتخابات النيابيّة مفصليّة: الحريريّون باشروا التحضيرات... وتحالف «الاشتراكي» و«القوات»
-
عون في مُواجهة المخاطر: اشهد اني قد بلّغت لبنان بين خطابين... تباين لكن لا صدام داخلي إسرائيل تصعد...واتصالات لمنع انفجار الحكومة
-
الطفلة التي حاورت زياد قبل 29 عاماً: "منحبّك كتير بلا ولا شي"...
الأكثر قراءة
عاجل 24/7
-
14:40
تحليق مسيّرات فوق قرى في صيدا
-
12:56
الحكومة الإيرانية: الحوار مع الدول الأوروبية الثلاث بشأن الملف النووي يواجه "تعقيدات متزايدة"
-
12:56
الحكومة الإيرانية: التركيز الأكبر لدى دول "الترويكا" هو على تبادل وجهات النظر أما التفاوض بمعنى السعي للتوصل لاتفاق فهو غير موجود حاليًّا
-
11:16
القناة 13 الإسرائيلية: رئيس الأركان إيال زامير لا ينوي الاستقالة رغم ضغوط الحكومة واليمين عليه
-
11:02
الدفاع المدني أخمد سلسلة حرائق في بلدات الدبية والبرجين وبكشتين في الشوف وفي بدنايل ومجدليا – الكورة
-
10:47
الجيش اللبناني: ما بين الساعة 10.45 والساعة 16.00، ستقوم وحدة من الجيش بتفجير ذخائر غير منفجرة في حقل الدامور – الشوف".
