اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


 

تأخرنا كثيراً في ادراك هذه الحقيقة القاطعة. لا مشروع في الشرق الأوسط سوى المشروع الأميركي. ولطالما قلنا إن المشروع التركي أو المشروع الايراني، بالخلفية الأمبراطورية، وبالدفع الايديولوجي العاصف، ليسا أكثر من ظواهر عبثية، وتصب في المشروع اياه. حتى ان الاتحاد السوفياتي الذي حاول أن يكون له موطئ قدم في المنطقة، وفي ذروة قوته، لم يكن سوى "شاهد ما شافش حاجة"، ما لمسناه ابان حرب حزيران 1967، واحتلال "اسرائيل" لأراضي 3 دول عربية.

وها أننا الآن، وبعد تلك السنوات الطويلة من الكوارث ومن النكبات، نبدو أمام الخيارات الصعبة، إما الاستسلام ونحن عراة من ثيابنا المرقطة، أو القضاء تحت الأنقاض. مثلما قضى اللبنانيون تحت الأنقاض، الفلسطينيون يقضون تحت الأنقاض. لا طريق الى الأفق،  كل الطرقات الى الجحيم...

خلال لقاء في دمشق مع باتريك سيل، مؤلف كتاب "الأسد... الصراع على الشرق الأوسط"، سألته الصراع بين من ومن؟ أجاب ضاحكاً "بين أميركا والشيطان". وحين سألته ايضاً "ما الشيء الذي لاحظته في رأس الرئيس حافظ الأسد، ولم تذكره في كتابك"؟  قال "أكثر من مرة أوحى لي أن العلاقات مع الولايات المتحدة أشبه ما تكون برقصة التانغو مع الشيطان. ولكن حين تكون في هذه المنطقة، من الطبيعي، بل من الضروي، مراقصة الشيطان"، دون أن نذهب الى ما قاله لنا البريطاني الآخر ديفيد هيرست "لكأن الشيطان حلّ، ولسبب ما، محل الله في ادارة الشرق الأوسط".

كل ما حدث في الحقبة الأخيرة، وما يحدث، يشير الى أن أميركا و"اسرائيل" تجاوزتا الشيطان في العبث الدموي بواقع وبمستقبل المنطقة. هنا أميركا هي "اسرائيل"، و "اسرائيل" هي أميركا. في هذه الحال، على ماذا يراهن الأمير محمد بن سلمان حين يطلق مع الرئيس ايمانويل ماكرون المؤتمر الدولي في نيويورك حول الدولة الفلسطينية، بعدما قال دونالد ترامب "لا دولة فلسطينية ولا فلسطينيون".

نعلم مدى الخدمات الاستراتيجية التي قدمتها السعودية لأميركا، منذ لقاء الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود والرئيس الأميركي فرنكلين روزفلت عام 1945، وما طبيعة الدور الجيوسياسي لولي العد السعودي في سائر أرجاء المنطقة، لتظهر المملكة الآن أمام اختبار تاريخي حين تواجه الرفض الأميركي القاطع لقيام الدولة الفلسطينية.

لكن فرنسا تعتزم الاعتراف بتلك الدولة هذا الشهر، كذلك بريطانيا الأقرب الى الولايات المتحدة، لتواجه الدولتان بالغطرسة "الاسرائيلية" اياها. رئيس "الكنيست" أمير أوحانا قال "أقيماها في لندن وباريس وفي بلادكم"، فهل يكون مآل الطرح السعودي، مثل مآل المبادرة الديبلوماسية العربية التي أقرتها قمة بيروت عام 2002، الموت البطيء في خزائن جامعة الدول العربية؟

لا أحد يستطيع التكهن بما يريده دونالد ترامب في الشرق الأوسط، وهو الذي يتبنى كل السياسات المجنونة للائتلاف الحاكم في "اسرائيل". تسليم مفاتيح المنطقة، وبصورة خاصة مفاتيح لبنان وسوريا الى بنيامين نتنياهو، والا لماذا احتلال الجنوب السوري وقصف دمشق؟ ولماذا ذلك الضغط الهائل لنزع سلاح حزب الله، الذي يبدو مؤكداً أنه استنتج الكثير من الآثار الكارثية للاختلال المروع في موازين القوى، وحيث الكرة الأرضية كلها تدور على قرن وحيد القرن في البيت الأبيض.

لا شيء للبنان، وكل شيء لـ "اسرائيل". حتى الآن لم يدع وزير التراث عميحاي الياهو الى القاء القنبلة النووية على الضاحية، ولا الى محو لبنان، كما دعا حول غزة. ويبدو أنه ترك لوزير المالية بسلئيل سموتريتش، وهو الركيزة الأساسية للائتلاف، القول "لا انسحاب من التلال الخمس في جنوب لبنان"، ليشدد على ما سبق وكتبناه من أن "الاسرائيليين" دمروا البلدات الحدودية لتكريسها منطقة عازلة، على شاكلة المنطقة العازلة في الجنوب السوري. قال "ان القرى التي دمرها الجيش "الاسرائيلي" لن تشملها عملية الاعمار". من يستطيع الاعتراض؟

انه القضاء والقدر. من يصدق أن مشكلة ترامب في صواريخ حزب الله، وفي اليورانيوم الايراني، في حين أن الصواريخ النووية التي في يد كيم جونغ ـ أون ، تكاد تتجول في شوارع لوس انجلس أو في شوارع سان فرنسيسكو؟

ما نستشفه من بعض الأبحاث التي تصدر عن "معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى"،  الذي يرتبط "باللوبي اليهودي"، أن ترامب يرى في الشرق الأوسط الفناء الخلفي للصراع حول قيادة العالم، ودون أن يثق باي دولة عربية في المنطقة، وحتى بتركيا العضو في الأطلسي، التي لم تلعب يوماً خارج الحرملك الأميركي. باختصار وصف السناتور البارز لندسي غراهام الدولة العبرية بـ"تاج الشرق الأوسط"، مبرراً لها حتى اللجوء الى الخيار النووي لحماية وجودها، داعياً، كما ترامب، الى توسيع حدودها لتبقى "الظهير الالهي" للأمبراطورية الأميركية.

هكذا يقال لنا الآن "غزة من أمامكم وجهنم من ورائكم"، اذا لم تنزعوا سلاح حزب الله. الرئيس جوزف عون رفع الصوت أمس في عيد الجيش الى حدوده القصوى، بالتأكيد على حصرية السلاح. ماذا بعد ؟ عودوا الى تصريح سموتريتش وانتظروا ما هو أكثر بكثير...

الأكثر قراءة

عون في مُواجهة المخاطر: اشهد اني قد بلّغت لبنان بين خطابين... تباين لكن لا صدام داخلي إسرائيل تصعد...واتصالات لمنع انفجار الحكومة