لطالما ارتبط فيتامين د بصحة العظام والأسنان، نظرًا الى دوره الحيوي في تنظيم امتصاص الكالسيوم والفوسفور في الجسم. إلا أن الأبحاث العلمية الحديثة بدأت تسلط الضوء على جوانب جديدة لهذا الفيتامين، خصوصًا فيما يتعلق بتأثيره في الجهاز العصبي ووظائف الدماغ، لا سيّما عند الأطفال في مراحل النمو الأولى. فقد تبيّن أن فيتامين د لا يقتصر دوره على الوقاية من الكساح فحسب، بل يمتد ليؤثر في القدرات المعرفية والإدراكية، بل وحتى السلوك العاطفي والانفعالي.
تشير دراسات متعددة إلى أن مستقبلات فيتامين د تنتشر في مناطق مختلفة من الدماغ، منها القشرة الدماغية، الحُصين، والمخيخ، وهي مناطق مسؤولة عن عمليات التفكير والذاكرة والانتباه وتنظيم العواطف. هذا يدلّ على أن فيتامين د ليس مجرد عنصر غذائي، بل هو عامل عصبي نشط يمكن أن يؤثر في تطور الدماغ ووظائفه، خاصة في السنوات الأولى من حياة الطفل، وهي الفترة التي تُبنى فيها الأسس العصبية للقدرات الإدراكية والسلوكية.
هذا وأظهرت دراسات حديثة وجود صلة وثيقة بين نقص فيتامين د لدى الأطفال وضعف الأداء الإدراكي، مثل مشاكل التركيز، بطء الاستجابة الذهنية، ضعف مهارات التعلم، وحتى مشاكل سلوكية مثل فرط الحركة ونقص الانتباه. كما رُصدت علاقة بين انخفاض مستوى فيتامين د وزيادة احتمالية الإصابة ببعض الاضطرابات العصبية والنفسية في مراحل لاحقة، كالاكتئاب والقلق واضطرابات طيف التوحد.
بالرغم من أن فيتامين د لطالما ارتبط بصحة العظام ونمو الهيكل العظمي لدى الأطفال، إلا أن الأبحاث الحديثة تكشف عن دوره الأوسع والأكثر تعقيدًا، خاصة فيما يتعلق بتنمية القدرات الذهنية والنفسية. ومن حسن الحظ أن تعويض النقص في هذا الفيتامين ممكن وسهل نسبيًا، شرط أن يتم رصده والتعامل معه في وقت مبكر، قبل أن تتراكم آثاره السلبية على الجهاز العصبي أو الأداء الإدراكي للطفل.
تتعدد مصادر فيتامين د بشكل يتيح إمكانية دمجه في الحياة اليومية دون الحاجة إلى تغييرات جذرية. فالتعرض المنتظم لأشعة الشمس - لا سيّما في ساعات الصباح الأولى أو ما قبل الغروب، يظل المصدر الأكثر فعالية وطبيعية لهذا الفيتامين. كما أن النظام الغذائي يلعب دورًا محوريًا، من خلال إدخال أطعمة غنية أو مدعّمة به مثل صفار البيض، السلمون، التونة، الكبد، الحليب المدعّم، وبعض أنواع الحبوب الكاملة. إلى جانب ذلك، تعتبر المكملات الغذائية وسيلة فعالة لسد الفجوة في الحالات التي يكون فيها الامتصاص الغذائي ضعيفًا أو يكون التعرض لأشعة الشمس محدودًا، شريطة أن تُستخدم تحت إشراف طبي دقيق، لتحديد الجرعة المناسبة وفقًا لعمر الطفل واحتياجاته.
ولا تقتصر أهمية رفع مستويات فيتامين د على تعويض النقص وحماية العظام فحسب، بل تمتد لتشمل دعم التكوين العصبي السليم، وتحسين الذاكرة، وزيادة التركيز، والمساهمة في تعزيز الصحة النفسية وتخفيف حدة القلق أو اضطرابات المزاج التي قد يعاني منها بعض الأطفال في مرحلة مبكرة. لذا، فإن إدراج هذا الفيتامين كجزء لا يتجزأ من الرعاية الصحية الشاملة للطفل – خاصة في البيئات الحضرية أو الباردة حيث تقل فرص التعرض للشمس – يُعد أمرًا حيويًا وضروريًا.
وعليه، فإن إدماج فيتامين د ضمن السياسات الوقائية والتربوية، وبرامج التغذية المدرسية، وحتى حملات التوعية الصحية الموجهة للأهل والمربين، يجب أن يحتل أولوية، نظرًا لتأثيره الممتد على القدرات الذهنية والانفعالية للطفل. فقد بات واضحًا أن مستقبل الطفل الأكاديمي والنفسي لا يُبنى فقط بالكتب والأنشطة، بل أيضًا بالتوازن البيولوجي الذي يُمهّده هذا الفيتامين الصغير في حجمه، الكبير في أثره.
وفي ضوء ما تكشفه الدراسات الحديثة، لم يعد فيتامين د مجرد مكمل غذائي يُقدَّم كروتين طبي، بل أضحى جزءًا أساسيًا في منظومة بناء العقول السليمة. من هنا، تبرز الحاجة المُلحّة إلى توعية الأهل والمعنيين بصحة الطفل حول أهمية قياس مستويات هذا الفيتامين بشكل دوري، وضمان تعويضه بالشكل الصحيح. فكل نقطة تُضاف إلى رصيد الطفل من هذا الفيتامين، هي خطوة نحو مستقبل أكثر إشراقًا، ونشأة ذهنية أقوى، وحياة معرفية أكثر توازنًا واستقرارًا.
يتم قراءة الآن
-
جلسة بلا ثنائي؟ علامات استفهام تسبق اجتماع الحكومة لبنان مقبل على تطورات ميدانية خطيرة يصعب تجاهلها تحركات شعبية مرشّحة للتصاعد... وحرص على تفادي الصدام بين الجيش والمتظاهرين
-
اول غيث العناد اهتزاز «ميثاقية» الحكومة بري يخرج عن «السمع» يدبروا راسهم... وتصعيد متدرج للـ«الثنائي» الحكومة تقرّ مقدمة ورقة براك وتعد بإنقاذ الاقتصاد!
-
هل تكترث "إسرائيل" بقرار مجلس وزرائنا؟
-
ليكن تغيير الشرق الأوسط
الأكثر قراءة
عاجل 24/7
-
08:58
التحكم المروري: تصادم بين سيارتين على اوتوستراد المطار باتجاه نفق السفارة الكويتية والاضرار مادية وتتم المعالجة
-
08:22
الجيش اللبناني: ما بين الساعة 8.30 والساعة 18.00، ستقوم وحدة من الجيش بتفجير ذخائر غير منفجرة في حقل القليعة – مرجعيون".
-
07:49
مكتب نتنياهو: الكابينت تبنى إقامة حكم مدني بديل في غزة ليس لحماس أو للسلطة الفلسطينية
-
07:49
"القناة 12" الإسرائيلية: بن غفير وسموتريتش صوتا ضد بعض بنود القرار الذي أقره الكابينت بشأن احتلال غزة
-
07:48
"أكسيوس" عن مسؤول إسرائيلي: الكابينت الإسرائيلي يوافق على اقتراح نتنياهو بشأن احتلال مدينة غزة
-
07:48
مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلي: الكابينت السياسي - الأمني أقر مقترح نتنياهو بشأن غزة
