اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


يوم قدم القاضي الدكتور منيف حمدان استقالته من القضاء، وجه اليه صديقه القاضي السابق المحامي المرحوم حسن قواص كتابا مفتوحا ومما جاء فيه:

«عصامي حمل المعول يتيما، وحرث الارض غلاما، ورفش التراب يافعا، فأضاء السراج مستنيرا مهتديا. ونهل العلم، وروى الفكر بعرق الجبين، فأصبح الرفض قلما، واضحى الحرث ثقافة وتفوقا وارتقاء، وصار الحصاد خيرا ورزقا حلالا.

عصامي شق الطريق العزم الحزم، وعقد النية بترويض الارادة وتطبيق الخلق واطمئنان النفس.

وثب فوق عتبات الحياة وثبا، فكان من الطامحين، واعتلى الطبقات بجدارة وامتياز فصار مع العلويين.

أيها القاضي عرفتك على قوس العدالة محاميا عاما تحامي عن المظلوم، ومدعيا عاما تدعي على الظالمين، وكنت تحت قبة المحراب لا تؤخذ على حين غفلة من امر الا وتكون صاحيا، واعيا، مدركا مستوعبا، ومستعدا لكل مناظرة وكل جولة وصولة في علم القانون. تطالع في كل قضية، ولا تفاجأ بالاحداث والمطبات وطوارئ المحاكمات، فتشد الافكار اليك، وتستلفت الانظار عليك، حتى ذاع صيتك بين رجال القانون والادب، علما من الاعلام، وانتشرت عنك المآثر في الاخبار والامصار، بأنك رجل مواقف ترفع شأن العدل عاليا، وقاض لا يهاب الا صوت الضمير وسلطان الحق. فألقيت الرعب في قلوب المجرمين ونفوس الظالمين من المتلاعبين بلقمة العيش وقوت العباد، والمحتكرين للدواء والغشاشين المروجين للعلاج الفاسد. فواجهت اصحاب الشهوة والنفوذ بالحق وتحديت المتآمرين بسيف السلطة وبطش القانون وحاربت الذئاب الكاسرة بجرأة الابطال وحزم الرجال.

...أيها الصديق، لقد صدقت القول عندما ناشدت السلطات منذ عقد ونيف لرفع الهيمنة السياسية عن القضاء، تعزيزا للاستقلالية، وتكريسا لمبدأ فصل السلطات.

...فالقاضي المظلوم الذي لا يحق له ان يرفع الظلم عن نفسه، لا يستطيع ان يحكم بقضايا العباد بصفاء ذهن وحرية ضمير، فمن حق القاضي كانسان حر ان يطلق صرخة الحرية عاليا، فلا يسكت على الضيم، ولا يبقى وراء الحجاب الخانق مكتوم الصوت مقطوع اللسان، يعض على الجرح، فتهدر حقوقه بحجة المهابة والمناقبية والكرامة القضائية.

...ويل لامة تصدر العفو عن المجرمين من ابنائها وتنتهك حرمة الشرفاء بالتطهير فتنتقم وتطيح رأس الصالح والطالح.

فيا للهول والعجب!

القاضي يستقيل، يتقاعد، او يموت.

فلا أسف ولا خبر، ولا تكريم ولا وسام، ولا مساعدة ولا اعانة، ولا تأبين ولا رثاء ولا ذكرى. ينطفئ الانسان وينتهي الامر.

أيها الصديق آلمني انك استقلت من القضاء، وكنت اعد المقدمة لكتابك على يمين القوس الذي رافقنا صفحاته حدثا حدثا.

...لكننا سنبقى مع الشموخ ولا نطأطئ الرأس ولا ننحني، الا لسلطة القانون والعدالة. واننا سنبقى وصوتنا صوت العدل، وصرختنا صرخة الحق، ولتكن هذه الصرخة هي مقدمة لكتابك.

*نقيب المحامين السابق في بيروت


الأكثر قراءة

هل هدف زيارة الموفدين لبيروت منع الانفجار؟ المخاوف تتصاعد من مشاريع تغيّر وجه لبنان السياسي