اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

سؤال راودني عندما رأيت ريما الرحباني وجها لوجه في كنيسة السيدة في المحيدثة لمواساتهابفقدان زياد الرحباني.

هل تقدر ريما أن تنام في ظل الفقد المتكرر، والعيش في ظل شمس لا تنطفئ اسمها فيروز؟

هل تنام ريما؟ سؤال لا يحتاج إلى جواب بل إلى صمت طويل، يشبه ليالي المتألمين الذين لا يطفئ وجعهم نوم ولا يسكن وجدانهم نعاس.

ريما الرحباني، تلك المرأة التي ولدت من رحم الفن والعبقرية، لم تمنح ترف العيش كغيرها من بنات جيلها. هي ابنة عاصي الرحباني، العبقري الحالم، وصاحبة الصوت الذي صار وطنا – فيروز-. لكنها أيضا الأخت التي وارت الأرض أختها ليال باكرا، والأخت التي ودعت زياد، آخر المتاريس الحية في ذاكرة الرحابنة.

فهل تنام ريما اليوم؟كلنا رأى عيناها الغارقان في الهموم، كيف تحملانمسؤولية حراسة آخر هياكل الرحابنة. هي التي كرستحياتها منذ صغرهالمواساة فيروز وهي الآن تحرس هذا الهيكل.

وكيف تنام من فقدت ركائز البيت؟ وكل ما تبقى لها هو جسد حي لأسطورة حية، يجلس بصمت في كنفه التاريخ كله؟ كيف تنام ريما وهي ليست ابنة فيروز فحسب، بل حارستها، وناقدتها، ومخرجتها، وظلها الثقيل والخفيف في آن واحد؟

لا أحد يستطيع أن يكتب عن ريما كما يمكن لريما أن تكتب عن نفسها. لكنها، ويا للمفارقة، تبدو اليوم وكأنها نسيت الكتابة، أو لم يعد للكلمات طاقة على حمل الفقد المتكرر. فغياب زياد لم يكن فقدا عاديا. هو غياب من نوع نادر، لأن زياد لم يكن أخا فقط، بل كان أيضاخصما أحيانا، ورفيق فكر، وشاهد عصر، ومنبع تمرد وروح عاصي...

ليال رحلت بصمت، زياد رحل بتمزق

وعاصي غاب عن بيت الرحابنة جسدا، لكنه بقي فيه فكرة لا تنام. اما هلي شقيقها الثاني ليس الا قلب ينبض وعينان تتحركان.

اليوم، تعيش ريما في منزل لا نعلم إن كان بيتا أم متحفا، حيث فيروز حاضرة في كل زفير، تجلس بوقارها العميق، ووجهها الذي صار مرآة لذاكرة اللبنانيين والعرب. لكنها في الحقيقة، أمحزينة بصمت، تشهد على رحيل أحبتها، وتعجز عن التعبير كما في السابق. ريما تعتني بها، تغنيها دون أن تغني، تحفظ نبضها، وتمنع العالم من التطفل عليها. هي الآن حارسة الأيقونة، ولكنها أيضا إنسانة، تصرخ بصمت، وتسأل: هل من أحد يراني؟

نعم أنا رأيتك مثلما رأيت فيروز، رصدت تحركاتك بتفاصيلها كي افهم فيروز وكل الذين رحلوا من خلالك. راقبتك كي افهمك انت اكثر، إذ أن السوشيل ميديا تظلمك كما ظلمك كلامك المختصر وردات فعلك الصادقة...

إنها ريما يا محبي الرحابنة، هي التي تحب وتغضب وتشتعل وتثوروتحمي. هي التي تسهر كي لا ينام التاريخ مغشوشا، وترينا في كل ظهور لها أن لا مكان للتصنع حين تكون الحقيقة بهذا الثقل.

فهل تنام ريما؟

ربما تغفو قليلا على وقع نفس فيروزأو تسترق دقائق من الحلم، على صورة زياد يضحك، أو عاصي يعزف، أو ليال تمشي بين الزيتون.

لكن الحقيقة، أنها لا تنام...

لأن هناك من لا يملكون هذا الامتياز.

من يعيشون بين الحياة والفن، بين الموتوالذاكرة، بين النشيد والحقيقة.

هؤلاء لا ينامون.

هؤلاء يسهرون كي نبقى نحن نحلم.

"ياالله تنام ريما يا الله يجيها النوم" 

الأكثر قراءة

صفا في بعبدا ورحال في عين التينة... طبخة بين «الاستاذ» و«العماد»؟ لقاءات براك ــ أورتاغوس الاسرائيلية «سلبية» والجواب الرسمي السبت السلاح الفلسطيني الى الواجهة: ضغط أم تهدئة أم توريط للدولة؟