اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


في بلد يعاني من انهيار اقتصادي غير مسبوق، وفوضى مصرفية متواصلة، وانقطاع شبه دائم للكهرباء، وانهيار شبه كلي للبنى التحتية برزت التجارة الإلكترونية كنافذة بديلة للبيع والشراء، وقطاع ناشئ يحاول فرض نفسه في بلد الأزمات، ومع أن التسوق الإلكتروني بات جزءا من الحياة اليومية في معظم دول العالم، لا يزال اللبنانيون يتلمسون طريقهم في هذا المجال في ظل بيئة مأزومة، حيث تتعثر الثقة بين المستهلكين والتجار، وتتشابك الحقيقة الرقمية بالواقع الميداني بطريقة أحيانا تخيب الآمال وسط غياب واضح لرقابة فعالة من الدولة.

هذه الفجوة بين الوعود البراقة التي تعد بها المنصات الإلكترونية والواقع الذي يواجهه الزبائن يوميا، تنعكس في شكاوى كثيرة يرويها اللبنانيون، تقول نادين وهي ربة منزل "طلبت جهازا كهربائيا من أحد المواقع، وعندما وصل كان مختلفا تماما عن الصور، وعندما حاولت التواصل مع البائع، لم أجد أي تجاوب ولمين بدي أشتكي إذا السوق على أرض الواقع مافي رقابة ولا حماية مستهلك على الانترنت بدو يكون"، اما كارين فقصتها لا تقل خيبة "طلبت حقيبة جلدية من موقع لبناني، وعندما وصلت كانت مصنوعة من مادة بلاستيكية رخيصة شعرت بخيبة أمل كبيرة وقلت لنفسي: بحياتي ما بقى عيدها".

يشار إلى أن قانون المعاملات الإلكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي رقم 81 الذي أصدر في عام 2018، هو قانون ينظم الشؤون القانونية المتعلقة بالتجارة الإلكترونية، والتعاقد الإلكتروني، وحماية البيانات الشخصية، ووضع قواعد خاصة لضبط وحفظ الأدلة المعلوماتية، وفي دراسة لمعهد عصام فارس في الجامعة الأميركية في بيروت، نشرت عام 2023، تبين أن نحو 78% من البائعين الرقميين في لبنان غير مسجلين قانونياً، وأن أكثر من 60% من المستهلكين واجهوا مشاكل تتعلق بجودة المنتج أو عملية التسليم أو حتى عدم استلام المنتج نهائياً.

تروي حنان تجربتها في شراء مستحضرات التجميل عبر الإنترنت قائلة: "أجد صعوبة في معرفة إذا كانت أصلية أو مقلدة، أخاف على صحتي، ولا جهة تضمن سلامة هذه المنتجات"، وتشير تقديرات غير رسمية إلى أن نسبة اللبنانيين الذين يقومون بالتسوق الإلكتروني تتراوح بين 15 و25%، ويركز معظمهم على شراء الإلكترونيات، الملابس، مستحضرات التجميل، والسلع الغذائية الأساسية.

لا تقف المشاكل عند حدود جودة المنتجات، بل تمتد إلى طرق الدفع نفسها، حيث أشار كريم، وهو موظف في شركة خاصة في بيروت، أنه يواجه صعوبة في الدفع عبر الإنترنت بسبب القيود المصرفية، مضيفاً "أضطر في كثير من الأحيان الى استخدام خيار الدفع عند الاستلام، مما يزيد من تكاليف الشحن والوقت المستغرق في التسليم".

من جانبه، يرى عماد وهو شاب يعمل في مجال التسويق الإلكتروني، أن التحدي أكبر من مجرد دفع أو استلام، إذ يقول: "التجارة الإلكترونية في لبنان ممكنة لكنها محفوفة بالمخاطر، فالكثير من الصفحات على فيسبوك أو إنستغرام تختفي فجأة بعد استلام الدفع، وهذا يضع المستخدمين في موقف صعب".

تختصر هذه الشهادات واقع التسوق الرقمي في لبنان وتكشف حجم التحديات التي تهدد نمو هذا القطاع الناشئ وتنعكس مباشرة على تجربة المستهلك، فالكثيرون يشتكون من اختلاف المنتجات المستلمة عن الصور المعروضة أو من تدني الجودة مقارنة بالمواصفات المعلنة، ما يخلق شعورا بعدم الأمان ويحد من الاعتماد على التجارة الإلكترونية.

ولا يقتصر الأمر على جودة المنتجات، بل يمتد إلى العقبات المالية والمصرفية، فالأزمة المصرفية الخانقة جعلت الدفع الإلكتروني شبه معطل، ما دفع غالبية المستهلكين إلى اعتماد خيار "الدفع عند الاستلام"، رغم ما يحمله من مخاطر على التاجر والمستهلك معا، من الاحتيال أو رفض التسلم أو الاستلام، إضافة إلى غياب شبه التام للتشريعات الواضحة والرقابة القانونية إذ يفتقر لبنان إلى إطار قانوني شامل ينظم التجارة الإلكترونية ويحمي حقوق المستهلكين ويحدد التزامات البائعين، ما يترك العديد من المستخدمين عرضة للاحتيال أو التأخير في التسليم دون أي آلية فعالة للمتابعة أو التعويض، إضافة إلى ضعف حماية البيانات الشخصية والمالية، حيث إن بعض المنصات لا تلتزم بمعايير الأمان والخصوصية، ما يعرض المستهلكين لمزيد من المخاطر.

رغم التحديات العديدة التي تعيق نمو التجارة الإلكترونية في لبنان، يبقى هذا القطاع محملا بفرص واعدة قد تسهم في إنعاش الاقتصاد وتحديث أنماط الاستهلاك، إذ يفتح الباب أمام المتاجر الصغيرة والمتوسطة للوصول إلى جمهور أوسع داخل البلاد وخارجها، وخصوصا إلى أسواق الاغتراب اللبناني المنتشرة حول العالم، كما يمنح الشركات الناشئة وأصحاب المبادرات الفردية مرونة في التشغيل والانطلاق بموارد محدودة من دون الحاجة إلى استثمارات ضخمة في المحلات أو المستودعات، إضافة إلى تنويع خيارات المستهلكين عبر إتاحة منتجات وخدمات محلية ومستوردة لا تتوافر بسهولة في السوق التقليدية، بما يعزز التنافسية ويحد من الاحتكار، فضلا عن دوره في فتح مجالات جديدة للتوظيف والابتكار في ميادين التسويق الرقمي، خدمات التوصيل، أنظمة الدفع، والحلول التكنولوجية الحديثة.

وتشير دراسات دولية، نشرها مركز Ecommerce التابع لمؤسسة Statista المعنية بالاحصاءات إلى أن التجارة الرقمية تساعد لبنان في الخروج نسبياً من أزمته، إذ تساهم في تحقيق فوائد اقتصادية واجتماعية كبيرة، كما أشارت بيانات صادرة عن المركز إلى أن حجم السوق الإلكتروني المتوقع في العام 2027 في لبنان قد يصل إلى نحو 2.298 مليون دولار أميركي، وبلغت بحسب تقارير دولية، إيرادات التجارة الإلكترونية في لبنان نحو 1.3 مليار دولار عام 2024.

ولتحويل هذه الفرص الواعدة إلى واقع مستدام، يرى الخبراء أن تطوير السوق يتطلب إجراءات تنظيمية واضحة، تشمل وضع تشريعات تحمي حقوق المستهلك وتحدد التزامات التجار، وتعزيز أنظمة الدفع الإلكتروني وتأمينها وربطها بالمصارف بمرونة وأمان، إلى جانب إطلاق حملات توعية للمستهلكين حول موثوقية المتاجر الإلكترونية، ودعم الشركات الناشئة من خلال حوافز تشجع الاستثمار المحلي والخارجي، بما يفتح الباب أمام بناء بيئة رقمية أكثر ثقة وجاذبية.

ويشير الواقع إلى غياب أي خطط حكومية فعلية للنهوض بالاقتصاد الرقمي، باستثناء خطة اقتصادية نشرتها وزارة الاقتصاد والتجارة عام 2020، لكنها لم توفر فرصا لتشجيع المشاريع الصغيرة والمتوسطة داخليا أو دعم التجار الصغار لخوض تجارب التجارة الإلكترونية.

وتعرف التجارة الإلكترونية أربعة أنواع رئيسية:

- التجارة الإلكترونية من شركة إلى شركة وتسمى B2B.

- التجارة الإلكترونية من الشركة إلى المستهلك وتسمى B2C.

- التجارة الإلكترونية من المستهلك إلى شخص مستهلك وتسمى C2C.

التجارة الإلكترونية من الشركات إلى الحكومات ويرمز لها B2G.

يذكر أن أول عملية بيع أونلاين كانت في سنة 1994 حيث قام شخص ببيع قرص مضغوط لفرقة sting من خلال موقع Net Market ومن هنا بدأت فكرة التعامل الأونلاين، وبدأت الشركات تعرض منتجاتها من خلال مواقع خاصة، وبدأت حركة البيع الأونلاين في تزايد وتطور بشكل ملحوظ.

التجارة الإلكترونية في لبنان ليست مجرد بديل مؤقت وسط أزمات الاقتصاد والكهرباء والبنى التحتية، بل هي نافذة على مستقبل محتمل لاقتصاد رقمي مستدام، لكنها لن تزدهر إلا من خلال قانون عصري شامل ينظم التجارة الإلكترونية، ويحدد شروط الترخيص، ويضمن آليات المحاسبة، ويؤسس لهيئة رقابية إلكترونية تتابع السوق الرقمي كما الأسواق التقليدية عندها، يمكن لهذا القطاع أن يتحول من مجرد وسيلة لتجاوز الأزمة إلى محرك فعلي للنمو والابتكار، يفتح آفاقا جديدة للاقتصاد اللبناني ويعيد رسم تجربة الاستهلاك في البلاد.

الأكثر قراءة

صفا في بعبدا ورحال في عين التينة... طبخة بين «الاستاذ» و«العماد»؟ لقاءات براك ــ أورتاغوس الاسرائيلية «سلبية» والجواب الرسمي السبت السلاح الفلسطيني الى الواجهة: ضغط أم تهدئة أم توريط للدولة؟