اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


مع انطلاق مسار ترسيم الحدود البحرية مع قبرص بعد الاجتماع الأول الذي جمع رئيس الجمهورية جوزاف عون في قصر بعبدا في 7 آب الجاري، واللجنة الوزارية اللبنانية المكلّفة التفاوض مع قبرص التي يرأسها وزير الأشغال والنقل فايز رسامني وتضمّ أعضاء ممثلين عن الوزارات والمؤسسات المعنية، علت بعض الأصوات الخبيرة في موضوع ترسيم الحدود، لا سيما مع الحديث عن الأسس والمعايير التي ستعتمدها هذه اللجنة خلال المفاوضات، وذلك تلافياً لوقوع لبنان مجدّداً في الأخطاء السياسية والتقنية... فالخطأ هذه المرّة سيُخسّره مساحة لا تقلّ عن 2643 كلم2 في منطقته الاقتصادية الخالصة، في حين يمكن تدارك الأمر والحفاظ على حقوق لبنان البحرية من خلال الإبقاء على "الصيغة المعدّلة لتحديد الحدود بين لبنان وقبر" التي توصّلت اليها اللجنة الوزارية السابقة. وينبّه الباحث والأكاديمي والخبير في شؤون ترسيم الحدود البريّة والبحرية بين الدول الدكتور عصام خليفة عبر جريدة "الديار" من محاذير التفاوض الذي بدأ حالياً مع قبرص إذ من شأنه أن يُخسّر لبنان أكثر من 2600 كلم2، كما سبق وأن خسر مساحة 1430 كلم2 مع "إسرائيل" بسبب المرسوم 6433 الذي يوضح حدود المنطقة الإقتصادية بين لبنان وقبرص. ولفت إلى أنّ وزارة الخارجية اللبنانية كانت قد تحفّظت على اعتبار حدود المنطقة الاقتصادية اللبنانية مع قبرص هي خط الوسط، ولا سيما أنّ هذه المنهجية منافية لقانون البحار، وأكّدت على أهمية التناسب في طول الشاطىء، أي أن يحصل كلّ من البلدين على منطقة إقتصادية نسبة إلى طول شاطئه. فلبنان يصل طول شاطئه إلى 188 كلم، في حين أنّ طول الشاطىء القبرصي هو 103 كلم فقط.

وكانت الحكومة اللبنانية بتاريخ 28 تشرين الأول من العام 2022، على ما ذكّر د. خليفة قد شكّلت لجنة جديدة برئاسة وزير الأشغال العامّة والنقل علي حمية لدرس الحدود الإقتصادية مع قبرص وسورية. وتوصّلت هذه اللجنة إلى إعادة النظر في المرسوم 6433، وطرحت تعديله مع اعتماد إحداثيات جديدة، وذلك إستناداً إلى آلية، ليس فقط خط الوسط بل الظروف الخاصة والتناسب في طول الشواطىء. وطالبت اللجنة من وزارة الخارجية اللبنانية بتوجيه مذكرة إلى الحكومة القبرصية بهدف إعادة التفاوض، على ضوء الإحداثيات الجديدة والمستجدات في المنطقة البحرية اللبنانية الجنوبية إذ تراجعت الحكومة برئاسة نجيب ميقاتي من الخط 29 إلى الخط 23. كما طالبت اللجنة أيضاً بتوجيه توصية إلى الأمين العام للأمم المتحدة لتسجيل حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة في ضوء التناسب في طول الشواطىء. وفي حال فشل المفاوضات، تبنّي المسار القضائي بمراجعة الجهات التحكيمية والقضائية المختصّة. وما يحصل اليوم، أنّه بدلاً من أن تتبنّى حكومة الرئيس نوّاف سلام الحالية، هذه التوصيات التي تتفق مع القانون الدولي وتحفظ حقوق لبنان في ثروته البحرية، تراجعت عنها، الأمر الذي يثير العجب، على ما يقول خليفة، رغم أنّ سلام قاضٍ ورجل قانون يحترم القانون الدولي ويحافظ على حقوق لبنان. وجرى تأليف لجنة جديدة برئاسة الوزير رسامني تراجعت عن الموقف الوطني والعلمي للجنة الوزارية السابقة وعادت إلى خط المرسوم 6433 الصادر في 1 تشرين الأول 2011.

في حين أنّ أحد أهمّ قضاة المحكمة الدولية في موضوع البحار وقوانينها وهو البروفيسور الألماني روديجر وولفروم، قد أكّد على صوابية تعديلات اللجنة الوزارية السابقة وعلى خطأ المرسوم 6433، خلال محاضرة ألقاها أخيراً في النادي العسكري في جونية.

من هنا، يتساءل الدكتور خليفة: ما هي الأسباب التي أدّت إلى ما حصل؟ ولماذا تمّ التراجع عن المطالبة بحقوق لبنان بعد موافقة الطرفين، ومن هي الجهة التي استفادت من ذلك؟ وحذّر المسؤولين اللبنانيين من المستويات كافة، من التخلّي عن حقوق لبنان، بما يُناقض القانون الدولي للبحار والاتفاقيات القانونية في هذا المجال. وأشار إلى أنّ "الجمعية اللبنانية للدفاع عن حدود لبنان البريّة والبحرية"، مستعدّة لتقديم دعوى بالخيانة العظمى ضدّ كلّ من يتخلّى عن حقوق لبنان البحرية مع قبرص، مطالباً بتبنّي توصيات اللجنة الوزارية السابقة، التي جرى استبدالها بلجنة أخرى فرّطت بحقوق الشعب اللبناني. كما تستنفر الجمعية الرأي العام اللبناني لمواجهة "الجريمة" التي تُحضّر ضد لبنان في ثروته البحرية. في المقابل، ثمّة معلومات مؤكّدة عن استعجال إدارة الرئيس دونالد ترامب إنجاز مسألة ترسيم الحدود البحرية مع قبرص في أسرع وقت ممكن، بالعودة إلى مذكرة التفاهم التي وُقّعت بين البلدين في العام 2007، إلّا أنّ البرلمان اللبناني لم يوافق عليها آنذاك بسبب بعض الضغوطات الخارجية. الأمر الذي يصبّ في مصلحة قبرص بالدرجة الأولى، و"إسرائيل" التي تستفيد بالدرجة الثانية في تسهيل عملها في التنقيب عن النفط والغاز في البلوكات البحرية، ويُخسّر لبنان بين 1600 و 2650 كلم2 في البحر.

الأكثر قراءة

صفا في بعبدا ورحال في عين التينة... طبخة بين «الاستاذ» و«العماد»؟ لقاءات براك ــ أورتاغوس الاسرائيلية «سلبية» والجواب الرسمي السبت السلاح الفلسطيني الى الواجهة: ضغط أم تهدئة أم توريط للدولة؟