اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

محفوض لـ"الديار": أقساط ترتفع وشهادات مهددة والمعلمون في إحراج


الطويل لـ"الديار": جمّدنا بعض الزيادات... لكن الفوضى مستمرة


مع انطلاق العام الدراسي الجديد في لبنان، تبدو المدارس الخاصة وكأنها على خريطة معركة مالية وتعليمية، حيث تتشابك قرارات زيادة الأقساط مع إعادة التأكيد على سياسة تقليص أيام التعليم إلى أربعة فقط. ترتفع الأقساط المدرسية كل عام كمدّ وجزر لا يرحم، تتأثر بالقوانين الجديدة 12/2025 و5/2025، التي تضع أعباء إضافية على المعلمين، بينما يُترك الأهالي لمواجهة فجوة مالية تتسع على الدوام. ما يُثار اليوم ليس مجرد أرقام، بل صراع حقيقي بين حق الطلاب في التعليم وحق المعلمين في عيش كريم، في ظل نظام يعكس هشاشة التمويل والبيروقراطية المتشابكة.

وفي الوقت نفسه، خرجت وزيرة التربية لتعلن من بعبدا قبل ساعات أن أيام التدريس ستُرسى على أربعة، محاولة تقديم خطوة تبدو وكأنها حل مبتكر، لكنها في واقعها إعادة تدوير لنظام مطبق في المدارس الرسمية منذ سنوات. هذا التقليص، كما يرى التربويون، لا يحل أيا من مشكلات التعليم، بل يزيدها تعقيدا، لأنه يحرم الطلاب من فرص التعلم الكافية، ويضعف التحصيل العلمي في صفوف الشهادات وحتى في المراحل الأخرى. وهكذا، تتحول المدارس إلى مسرح تتصارع فيه الأرقام والسياسات، بينما يصبح الطلاب والأهالي والمعلمون أطرافا في لعبة مالية وتعليمية لا يربح منها إلا من يضع القوانين.

الجميع في الخانة نفسها!


على ارض الواقع، يؤكد نقيب المعلمين في المدارس الخاصة نعمة محفوض لـ "الديار" أنّ قضية الأقساط لا يمكن اختزالها في معيار واحد، فبين المؤسسات هناك من رفع الأقساط بشكل معتدل انعكس إيجابا على رواتب المعلمين، وبين أخرى ضاعفتها بشكل صادم، متجاوزة مستويات ما قبل الأزمة، بينما لم تشهد الرواتب أي زيادة تذكر. السؤال الملح هنا: حين تعود رسوم المدرسة إلى ما كانت عليه عام 2019، فيما لا يتجاوز راتب المعلم نصف قيمته الحقيقية، إلى أين يذهب الفرق؟

ويشرح: "يبرز دور لجان الأهالي كأداة رقابية، مطالبة الإدارة بالإجابة عن هذا السؤال: إذا كانت الأقساط المرتفعة تُخصص لدعم المعلمين والحفاظ على كفاءتهم، فإن المؤسسة تضمن جودة التعليم لأبنائهم، ولكن إذا لم يُخصص سوى جزء ضئيل منها، فأين تذهب بقية الأموال؟ الواقع المرير يبيّن أن هذا التقصير يدفع المعلمين الأكفاء إلى مغادرة القطاع الخاص، والانتقال إلى مدارس أخرى أو الهجرة إلى الخارج، بحثًا عن رواتب تكفيهم لتغطية احتياجاتهم الأساسية، تاركين النظام التعليمي رهينة للسياسات المالية غير المتوازنة".

ويضيف: "زيادة الأقساط لا تنعكس زيادة في أجور المعلمين بالنسبة نفسها، ولذلك تقع هذه المسؤولية على لجان الأهالي، التي من المفترض أن يتم انتخابها مطلع العام الدراسي المقبل لتمثيلهم، والتعبير عن همومهم ونقل رأيهم إلى الإدارة. ويشدد على أنّه لا يدعو لجان الأهالي إلى فتح حرب مع إدارات المدارس، بل على العكس، إلى اجراء نقاشات بنّاءة حول هاتين المسألتين: موضوع الأقساط والموضوع التربوي أيضا، إذ للجان الأهالي رأي في هذه القضية، بما في ذلك نوعية المعلمين وخبراتهم وكفاءاتهم، لأن هذه التفاصيل تنعكس مباشرة على أبنائهم".

النزوح من الخاص إلى الرسمي: حقيقة أم تشويش؟

يقول محفوض: "من وجهة نظري، هذا الأمر يحدث كل عام، ولا يوجد ما يدعو إلى القلق، فلا يمكن أن يحصل نزوح كبير من المدارس الخاصة إلى الرسمية، إذ تبلغ نسبة التعليم في المدارس الخاصة 78%، بينما في المدارس الرسمية 22%. تخيلوا لو انتقل نصف الطلاب من الخاص إلى الرسمي، فلن تتوافر لهم أماكن، كما أن المدارس الرسمية لا تستطيع استيعاب أعداد كبيرة من طلاب الخاص. الواقع يبيّن أنّ ما يُشاع عن النزوح غير صحيح، وذلك بسبب المشكلات المتراكمة في التعليم الرسمي".

ويشير إلى أنّ: "الطبقة السياسية والحكومات المتعاقبة منذ التسعينيات ضربت الجامعة اللبنانية والتعليم الرسمي، ففي حين كان معدل التعليم الرسمي حوالى 50% في البلاد، أصبح اليوم بين 23% و25%. ويتساءل: لماذا لم يعد لدى الناس ثقة في التعليم الرسمي، خصوصا في المرحلة الابتدائية والمتوسطة؟ من هنا، إذا لم تمنح الحكومة والعهد الجديدين الأولوية للتعليم الرسمي واستعادة عافيتهما، بما في ذلك تدريب الأساتذة في القطاع الرسمي وتفعيل دورهم، إلى جانب إعادة فتح كلية التربية، فلن يكون بالإمكان تحسين مستوى التعليم".

ويضيف: لا يمكن تخفيض الأقساط في المدارس الخاصة إلا إذا توافرت مدارس رسمية ذات مستوى أكاديمي جيد، حينئذ سيتمكن من لم يعد قادرا على دفع الأقساط الباهظة من تعليم أبنائه فيها. أما إذا ظل المستوى الأكاديمي منخفضا، فستظل العقبة قائمة، ولن يكون هناك بديل حقيقي للقطاع الخاص".

التقليص يؤذي الطلاب!

وعن قرار وزيرة التربية بشأن أيام التدريس التي ستعتمد في العام الدراسي المقبل، يعلق محفوض مستهجناً: "سأوضح، فقد يكون التعبير قد خان معاليها، إذ إنها لم تقرر بنفسها أن يكون التدريس أربعة أيام، لأن المدارس الرسمية تعتمد هذا النظام منذ نحو أربع أو خمس سنوات، منذ ثورة 17 تشرين وجائحة كورونا ثم الأزمة الاقتصادية. وهناك سنوات تم التدريس فيها ثلاثة أيام وسنوات أربع، مما يعني أن هذا النظام قائم منذ فترة طويلة".

ويتابع: "لقد حاولت الوزيرة زيادة أيام التدريس إلى خمسة، لكنها لم تستطع، إذ إن أي زيادة في أيام التدريس يجب أن ترافقها زيادة في رواتب الأساتذة في القطاع العام، ويبدو أن المالية العامة للدولة غير قادرة على تحمل هذه الزيادة".

رفع الصوت "بطولة"!

ويكشف: "موقفنا كنقابة هو أنّ التعليم يجب أن يكون خمسة أيام، وهذا رأي بالنسبة لزملائي في القطاع الرسمي، ويجب عليهم المطالبة بذلك لسببين: أولاً، في نظام الأربعة الايام لا يمكننا إنهاء البرنامج إذا أردنا تدريس المنهاج كاملاً. فمنذ نحو ست سنوات ندرس ربع المقرر فقط، والشهادات التي يحصل عليها الطلاب في الثانوية العامة تعكس ذلك؛ فالامتحانات هذا العام غطت ربع البرنامج، والسنة السابقة ثلثه. ثانيا، صحيح أن التلاميذ ينجحون ويحصلون على درجات متقدمة، لكن عند تخرجهم والالتحاق بالجامعات يكتشفون نقصا كبيرا في المعلومات الأساسية التي لم يتعلموها".

ويقول: "لذلك، ليس المهم منحهم الشهادات فحسب، بل التأكد من أنهم درسوا المنهاج كاملاً. ولإنهاء البرنامج وإعداد شهادة ذات مستوى أكاديمي حقيقي، نحتاج إلى خمسة أيام أو أكثر. ولو كنت مكان زملائي في التعليم الرسمي، لطالبت بخمسة أيام دراسية إضافة إلى رواتب مناسبة، إذ إنهم محرومون من حقوقهم المالية. أي بمعنى آخر، إذا طلبوا مني التدريس يومين فقط وأعطوني راتبا مقابل هذين اليومين، فهل سأقبل؟

يسارع بالرد: "الأمر يتجاوز النقاش التربوي، فلبنان اليوم خارج الزمن ومستقبله على المحك، في ظل تسارع تطور العلوم، وظهور الذكاء الاصطناعي والنظم الرقمية. ولا يمكن انتشال البلاد من الأزمة إلا عبر التعليم والتربية الفعّالة".

ويختم مؤكّدا على "ضرورة أن يكون التعليم خمسة أيام، من أجل الحصول على شهادة ذات مستوى رفيع ولإنهاء برنامج الشهادة بالكامل. وفي هذه الحالة، الغبن ليس محصورا في رواتب الزملاء في القطاع الرسمي فحسب، بل يشمل أيضا القطاع الخاص".

تجميد زيادة الأقساط نجح على نطاق ضيق!


في سياق متصل، تقول رئيسة اتحاد لجان الأهالي وأولياء الأمور في المدارس الخاصة في لبنان، لما الطويل، لـ"الديار": "تنتهج المدارس المنهج نفسه كل عام رغم اعتراض الأهالي على ارتفاع الأقساط بطريقة مهولة وعشوائية، ورغم تقدم العديد من لجان الأهالي باعتراضات أمام مصلحة التعليم الخاص وقضاة العجلة والمجلس التحكيمي الوحيد في جبل لبنان، إلا أنّه، وبسبب غياب المحاسبة وعدم السعي لإصدار أي قرار أو مرسوم من المعنيين في الوزارة أو مجلس الوزراء لضبط هذه العشوائية، وعدم تشكيل المجالس التحكيمية في كافة المناطق اللبنانية، فإن كل هذا الإهمال يضع الأهالي تحت سلطة كارتيلات المدارس المحمية من كافة المرجعيات الدينية والأحزاب والتيارات".

وتقول: "للأسف، نعوّل كأهالي على العهد الجديد الذي وعد في خطاب القسم بالنهوض بالقطاع التعليمي وضبط الفوضى، وكذلك ندعو مجلس النواب إلى إقرار تعديل القانون 515/96 الذي أصبح جاهزا في لجنة التربية، لإنصاف الأهالي وتفعيل دور لجان الأهالي الرقابي على الأقساط، وحماية الأهالي، والعمل بمبادئ الشفافية والتدقيق في الموازنات، وذلك قبل نهاية الفصل الأول وإقرار الموازنات المدرسية".

نخب المال المحتكرة تفتك بالخاص!

وتكشف: "تراوحت الزيادات بين 500 و2000 دولار، وتجاوزت الأقساط ما كانت عليه قبل الأزمة، فقد وصلت في بعض المدارس إلى 6000 دولار أو أكثر. فمثلاً، ارتفعت أقساط في كل من برمانا هاي سكول والمقاصد ومدارس أخرى، وفي الإنجيلية الرابية ارتفع القسط من 3000 إلى 5200 دولار، وكأن إدارات المدارس تحاول إضافة 30% زيادة عن الأقساط السائدة قبل الأزمة المالية أي قبل 2019، وبالتالي يحملون الأهالي تكلفة الأرباح التي كانوا راكموها في المصارف ثم خسروها".

وتختم "المشكلة نصرخ كل عام احتجاجاً، ولكن ما دام لا يوجد قضاء، وفي ظل غياب قرار وزاري بالتدقيق المالي، لا يمكن التوصل إلى أي نتيجة. نعول على مشروع القانون، وهناك الكثير من الملفات التي تمكّنا من معالجتها، مثل توقيف الزيادة في مدرسة الانطونية -غزير، كما تراجعت العديد من المدارس بعد رفض الأهالي ما يجري، خصوصا هذا العام الذي كان مختلفًا عن سابقه، والحمد لله. كما أن تحرك أولياء الأمور هذا العام جدي، لأنه لا يجب أن ننسى أن هناك تسرباً مخيفاً للطلاب".

في النهاية لا بد من الإشارة الى ان "الديار" تحدثت مع إحدى الأمهات التي صادف وجودها في وزارة التربية أثناء جولتنا، وكانت تتقدم بشكوى ضد المدرسة الخاصة التي يتعلم فيها أبناؤها في منطقة الجديدة، حيث كشفت أن الادارة رفضت إعطاء الإفادات اللازمة لنقلهم إلى مدرسة رسمية بعد رفع الأقساط. كما علمت "الديار" أن التسجيل في المدارس الرسمية حاليا يتطلب واسطة. فأين معالي الوزيرة؟

 

الأكثر قراءة

صفا في بعبدا ورحال في عين التينة... طبخة بين «الاستاذ» و«العماد»؟ لقاءات براك ــ أورتاغوس الاسرائيلية «سلبية» والجواب الرسمي السبت السلاح الفلسطيني الى الواجهة: ضغط أم تهدئة أم توريط للدولة؟