اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


لطالما إعتبرت مهمة تحقيق المصالحة المسيحية بين القيادات صعبة جداً لكن ليست مستحيلة، وإن عانى الكثير مَن عمل على تحقيقها منذ حقبة البطريرك الراحل نصرالله صفير، وصولاً الى البطريرك بشارة الراعي، اللذين مرّا بعقبات كبيرة لتحقيق هذه المهمة الشاقة، لكنهما لم يصلا الى المبتغى المطلوب الذي يريده المسيحيون، لنسيان الماضي الاليم بين الافرقاء المسيحيين والتداعيات التي نتجت عنه، والتي ما زالت عالقة لغاية اليوم، اذ لم تتحقق المصالحة إلا على القطعة وكانت قليلة العدد، فيما الاستحقاقات المهمة بقيت بعيدة عن دروبها كما جرى خلال الاستحقاق الرئاسي، لكن الجانب الكنسي وتحديداً البطريرك الراعي كان مصرّاً ولم يتوقف مرة عن دعوة الاقطاب للاجتماع في بكركي، من دون ان يلاقي تلبية كاملة لمطلبه، فالاقطاب الموارنة كانوا يديرون الاذن الطرشاء ويتجاهلون الدعوة بالصمت كالعادة،  اما اليوم فالاستحقاق الانتخابي النيابي يقترب، والمطلوب التفاهم والتقارب بهدف التحالف في بعض المناطق، التي تتطلب وفاقاً مسيحياً، فيما التوتر بين الاطراف المسيحية ما زال سائداً، فتارة يعلو وطوراً ينخفض وفق التطورات والمستجدات، لذا يغيب التفاهم ربما لانّ المصالح الخاصة تطغى دائما، وخصوصاً الكرسي الرئاسي الذي يطمح اليه الزعماء الموارنة، مما يبعد صعوبة التفاهم وتوحيد الكلمة، لكن المطلوب رأب الصدع وتحقيق المصالحة الفعلية التي يتوق اليها المسيحيون منذ عقود من الزمن ولم يصلوا اليها.

هذه الصورة السلبية التي لا تمحى زادت من عزيمة بكركي وسيّدها، لمحاولة جديدة مختلفة عن السابق بدأت قبل ايام قليلة من خلال زيارة وفد كنسي الى القيادات المسيحية، إستهلت في معراب  ومن ثم في البيّاضة، على ان تتابع وتشمل جميع القوى المسيحية.

للاضاءة على ما يجري في هذا الاطار، يشير راعي ابرشية جبيل المارونية المطران ميشال عون في حديث لـ" الديار" الى انّ لجنة اسقفية نشأت من سينودس الكنيسة المارونية للشأن الوطني، وتضم عدداً من المطارنة هم بولس مطر، ميشال عون، منير خيرالله وأنطوان بو نجم للعمل على المصالحة المسيحية الحقيقية تحت عنوان "تنقية الذاكرة"، بعدما رأينا تفاهمات سطحية لا تدوم بل عادت لتسقط من جديد، وهذا الهدف الذي نعمل لتحقيقه سبق ان طلبه قداسة البابا يوحنا بولس الثاني، وجاء في الارشاد الرسولي الذي تناول ضرورة  تنقية الذاكرة المسيحية، لذا سنشرح خلال زياراتنا الوضع كما هو، ونشدّد على إجراء المصالحة بين الاقطاب المسيحيين، ومن ثم سنقوم بمهمة مماثلة بين المسيحيين والمسلمين اي بين كل الافرقاء اللبنانيين، وسنرتكز على تقنية نستعين خلالها بإخصائيين علمانيين، للوصول الى نتيجة وخاتمة ايجابية.

ولفت المطران عون الى انهم زاروا قبل ايام قليلة مقر حزب "القوات اللبنانية" ورئيسها الدكتور سمير جعجع في معراب، ومن ثم رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل في منطقة البيّاضة، وقد جرى بحث معمّق حول المبادرة التي تقوم بها اللّجنة، وكانت اجواء اللقاءين ايجابية من خلال تجاوب الطرفين.

وشدّد على ضرورة نسيان الماضي وعدم التحدث عنه او التذكير به في إطار الكيديات، لانّ نسيانه مطلوب بقوة من قبل كل الاطراف المسيحية، مع ضرورة التطلع  نحو المستقبل، اذ من المفترض ان نتصالح كمسيحيين إنطلاقاً من نسيان ذلك الماضي.

وحول مدى نجاح هذه المهمة بالتزامن مع وجود طموح رئاسي للاقطاب، اعتبر بأنّ لا علاقة بين هذا الطموح ومهمتنا، فالمهم نسيان كل ما جرى وفتح صفحة جديدة.

وعن وجود خوف على المسيحيين في لبنان إستدعى هذا التقارب اليوم، نفى المطران عون ذلك وقال: "لا علاقة بمسألة الخوف على المسيحيين، فالقرار مُتخذ منذ سنة لكن التطورات المستجدة حالت دون تنفيذ ذلك، واليوم عدنا لنعمل من جديد لتحقيق ما نبغي اليه".

في السياق ووفق المعلومات من الصرح البطريركي، افيد ايضاً بأنّ السعي قائم لوقف السجالات الاعلامية والاستعانة الدائمة بتهدئة الخطاب، وعدم تناول الآخر بالشخصي الذي ساهم في تدهور العلاقات وإضعاف صورة الاحزاب المسيحية، مع الاصرار على موقف موحّد في القرارات المصيرية بصورة خاصة، لانّ التنسيق مطلوب اليوم في القرارات الوطنية، وهذه المرة لا تراجع بل السعي سيقوم على إرادة صلبة من كل القيادات المسيحية لإنجاح هذه المهمة، التي سينتج عنها وثيقة مكتوبة وآلية للمتابعة والتنفيذ، من خلال لجنة تنسيق لحل أي خلاف مسيحي مستجد، ضمن إطار انّ التنوع مقبول لكن الخلاف مرفوض كذلك الانقسام، لانّ إعادة الدور المسيحي يجب ان يحفظ ضمن التوازنات، مع إشارة المعنيين بأنّ بكركي تعوّل كثيراً على نجاح هذه المهمة.

الأكثر قراءة

صفا في بعبدا ورحال في عين التينة... طبخة بين «الاستاذ» و«العماد»؟ لقاءات براك ــ أورتاغوس الاسرائيلية «سلبية» والجواب الرسمي السبت السلاح الفلسطيني الى الواجهة: ضغط أم تهدئة أم توريط للدولة؟