اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

أمل سيف الدين  


آلاف الموقوفين سنوياً، تجارة بملايين الدولارات، انتاج وتمرير لأنواع عديدة من المخدرات، أجهزة مكافحة ومواجهة محدودة، سجون، مصائد ادمان، سهولة فائقة في الحصول على المواد المخدرة حتى من قبل طلاب المدارس، التباسات قانونية وتنفيذية ونهايات مؤلمة لمن يتورطون، هذا هو عالم المخدرات في لبنان...

"كنت دخن سيغارة وكنت أتعلم، ودرست سنة تمريض وأوقفت التعليم، ووصلت الى مرحلة انني كنت أعمل فقط لكي أتعاطى"، هذا ما قاله مازن (متعاطي مخدرات)، وأضاف: "كانت حياتي بدون معنى، وبدأت اسرق وخاصةً الموتسيكلات".

ويؤكد كمال وهو متعاطٍ آخر أن "المخدرات تؤدي الى دمار الأشخاص"، مضيفاً: "في يوم من الأيام طعنت صديقي بالسكين بعد أن تعاطيت كمية كبيرة من المخدرات وتوقفت بنفس اليوم والشاب كان وضعه خطراً، فتم حكمي ب 15 سنة وبعد التمييز وصل الحكم الى 4 سنوات وكل هذا بسبب التعاطي والحبوب المدمرة".

لا توجد مشاكل في توفر المواد المخدرة في لبنان من علبة حبوب بثمن زهيد تباع في صيدلية هنا أو هناك الى أغلى أنواعه على الاطلاق، فأشار مازن الى أن"هناك صيدليات تبيع الحبوب المخدرة وأن الدولة تعلم بهذا الأمر، ولكنها تغض النظر عن الصيدليات والتجار بل تلاحق المدمنين، وحتى أنه هناك مكان يجتمع به التجار ويبيعوننا المخدرات بعد فرزها على الطاولات علناً، ونقف بشكل طابور مثل طابور السينما، وحتى أنهم يختلفون على المبيع ويتطور الخلاف الى اطلاق نار ولا أحد يتدخل".

هناك أنواع جديدة من المخدرات تنتشر في الأسواق ولكن للأسف لا نعرف مكوناتها! وبالتالي هذا ما يصعب على مراكز العلاج كيفية علاج الإدمان.

ويذكر أطباء الأمراض النفسية والعصبية أن " لكل مادة لها قصتها الخاصة، ولكن أغلب المتعاطين يبحثون عن المواد المخدرة كمحاولة منهم للسيطرة على أنفسهم وزعمهم قدرتهم على السيطرة على الواقع ولو بالخيال والوهم، اذاً هي محاولة لاعادة ما يعتقدونه توازن نفسي لحالة مضطربة لديهم ويضاف اليها السيطرة على الخارج فيصبح لديهم وهم السيطرة"، ويضيفون: "كل هذه المسائل ما هي الا في مكان ما هروب الى النفس المضطربة الأساسية والهروب من الواقع، فهذه المواد المخدرة تعيد تنظيم وظيفة الخلايا العصبية بطريقة ثانية مختلفة غير طبيعية عن الانسان الطبيعي، فيتحول الى مرض دماغي، وهذه الحالة بحد ذاتها تحوله الى انسان استغلالي وعدواني لأنه انتقل بالدمغ من حالة وظائيفية عادية الى حالة وظائيفية منحرفة".

اعتمد القانون رقم 673 الصادر في العام 1998 مقاربة للتعاطي مع المدمن، اعتبرت وقتها خطوةً انسانيةً وحقوقيةً عبر تكريس مبدأ العلاج كبديلٍ من الملاحقة والعقاب. الى أن تقصير الدولة في وضع الآليات القانونية موضع التنفيذ أدى الى تعطيل مواده لجهة التعاطي مع المدمن كمريضٍ بحاجةٍ للعلاج والاحتضان وليس للعقاب في سجونٍ يصبح فيها البشرُ أرقاماً أكثر قطامة.

وفي لبنان تغيب البيانات الرسمية والإحصاءات لعدد متعاطي المخدرات، وآخر إحصاء كان عام 2000 مع منظمات أهلية، ولا أرقام دقيقة لأن أرقام "شعبة المعلومات" تتكرر، وفي بعض الأحيان لا تحفظ بشكل يمكن من دراستها. وتظهر أرقام مكتب مكافحة المخدرات المركزي أن هناك بين ألفي وثلاثة آلاف شخص يلقى القبض عليهم سنوياً ويخلى سبيلهم، وبين ألفين وثلاثة آلاف يوقفون بقرار قضائي، وتتراوح أعمار أغلب الموقوفين بين 20 و30 سنة.

أما التقرير الوطني الأول عن وضع المخدرات، الذي أعده المرصد الوطني للمخدرات ونشر عام 2017، فيشير إلى أنه ما بين عامي 2013 و2016 أوقف 11 ألفاً و152 لاستخدامهم المخدرات، وسجل عام 2016 وحده ارتفاعاً خطيراً في أعداد الموقوفين بقضايا متعلقة بالمخدرات، بلغت نسبته 233 في المئة تحت سن الـ 18، أما عن أنواع المخدرات الأكثر شيوعاً فهي "الكبتاغون والكوكايين والقنب والإكستاسي".

وفي دراسة حديثة استقصائية أوروبية على شبكة الإنترنت حول المخدرات، التي ينظمها المركز الأوروبي لرصد المخدرات والإدمان (EMCDDA)، ضمت 274 مستجيباً أفادوا بأنهم تعاطوا ما لا يقل عن مخدر واحد غير مشروع في الـ12 شهراً السابقة للدراسة، ووجدت أن تعاطي المخدرات في لبنان انتقل من كونه في الأساس نشاطاً ترفيهياً، إلى تعاطيه بوصفه علاجاً ذاتياً لمشكلات مثل الإجهاد والاكتئاب والأرق، وفي أيلول 2022، دشنت منظمة أطباء العالم الفرنسية للتنمية، ومركز "سكون"، ومركز الرحمة للرعاية الصحية الأولية، مركزاً مجتمعياً للصحة النفسية واستخدام المواد المخدرة في طرابلس، ولكن مع أزمة قلة المهنيين العاملين في مجال الصحة القادرين على رعاية المرضى، فإن عديداً من الأشخاص لن يتمكنوا من الاستفادة من أية رعاية، وبحسب تقرير لمنظمة الـ "يونيسف"، لا تستطيع نصف العائلات اللبنانية الحصول على الأدوية التي تحتاج إليها، بجانب أن حوالى 40 في المئة من الأطباء غادروا البلاد منذ بداية الأزمة.

فالادمان على المخدرات رحلة سوداء مشؤومة ووحش لا يشبع فاغرٌ فمه ليبتلع المزيد من البشر، دون أن يكون هناك بارقةُ أمل بانقاذهم ما لم تتلاقى جهود مختلفة تشريعية وقضائية وإعلامية وتربوية.