اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

بدأت تتكشف بعض ملامح رفض المعارضة للحوار، والتعنت في مقاربة التحرك الفرنسي، بعيدا عن الشوائب والعيوب التي يتسم بها، لكن مجرد وضع "العصي في دواليب" جولة المبعوث الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان مبكرا ليس بريئا، ولا ينسجم طبعا مع كل الحجج غير المنطقية او مفردات "السيادة" التي تحدث عنها بعض النواب الرافضين للنقاش مع حزب الله والفريق الذي يمثله. كل ما يحصل ويدور راهنا يرتبط برهان متجدد على استراتيجية تصعيد اميركية في مواجهة طهران وحلفائها في لبنان والمنطقة.

ووفقا لمصادر مطلعة، يتحدث هؤلاء في مجالسهم الخاصة بان "كسر شوكة" حزب الله اقتربت، فلماذا نعطيه اليوم ما لا يستحقه غدا؟ ولهذا تتصاعد الحملة الداخلية على سلاح المقاومة، مع محاولات يائسة لتحريض قيادة الجيش على اتخاذ مواقف "انتحارية" لم تجد آذانا صاغية في "اليرزة"، التي تتجه في نهاية المطاف الى ابقاء الوضع على ما هو عليه من تنسيق ناجح مع الحزب، والذي سيترجم عندما تهدأ الامور باعادة شاحنة الكحالة الى اصحابها. فهل رهان المعارضة على واشنطن محق؟ ام ثمة فهم خاطىء للمشهد برمته سيدفعون ثمنه لاحقا؟

في هذا السياق، تشير مصادر سياسة بارزة الى ان ما يزيد المعارضة تعنتا حراك اميركي ديبلوماسي وعسكري يشي بوجود نقلة نوعية في الاستراتيجية الاميركية في المنطقة، معطوفا على نصائح من السفيرة الاميركية في بيروت دوروثي شيا بضرورة التروي، وعدم الاندفاع تجاه ابرام اي تسوية مع حزب الله مهما كان شكلها ومضمونها. ويقرأ هؤلاء في الحراك العسكري الاميركي في سوريا مؤشرا على رغبة واشنطن في توجيه ضربة قاسية لخط الامداد من طهران الى بيروت، من خلال التعزيزات العسكرية الاميركية على الحدود السورية – العراقية، التي ارسلت الى هذه المنطقة في الايام القليلة الماضية، بهدف تطويق التمدد العسكري الايراني في الشرق الاوسط، ووقف نقل الاسلحة الى حزب الله في بيروت. يضاف الى ذلك الحراك المستجد في الجنوب السوري ضد النظام السوري، والذي يقوده ابناء طائفة الموحدين الدروز، ويعول هؤلاء ان تكبر "كرة الثلج" وتتمدد الى مختلف المحافظات السورية، بهدف تهديد وزعزعة الاستقرار في تلك المناطق ،ووضع الرئيس السوري بشار الاسد تحت الضغط مجددا في سبيل ارغامه على تقديم تنازلات داخلية واقليمية، ترتبط بوجه خاص بالعلاقة مع طهران.

ويرجح هؤلاء بان تدخل القوات الاميركية قريبا في مواجهة مع المجموعات المحسوبة على ايران في سوريا، وقد جرى التمهيد لهذه المعركة باجراء تدريبات عسكرية شاركت فيها الطائرات الحربية، في قاعدة "كونيكو" في ريف دير الزور الشمالي. مقابل تعزيزات سورية للفرقة 17 والفرقة 18 إلى منطقة الميادين في ريف دير الزور الشرقي، القريبة من الحدود العراقية. هذه التطورات تشكل دليلا واضحا على ان واشنطن لا تنوي الانسحاب من المنطقة، وتعمل على استعادت نفوذها، خصوصا بعد تضرر "الردع الاسرائيلي" على كافة الجبهات، وهي الآن تعمل كرافعة لاستعادة الهيبة المفقودة، بحجج واهية عنوانها حماية المصالح الاميركية في المنطقة.

على المستوى الداخلي اللبناني، ينسجم موقف واشنطن المتعنت حيال تعديل فقرات في قرار التمديد "لليونيفيل" مع موجة التصعيد في الاقليم، واذا كان لبنان يطمح إلى إلغاء تعديل العام الماضي، فان واشنطن التي ابلغت وزير الخارجية عبدالله بوحبيب على نحو غير مباشر انه غير مرغوب بزيارته الى نيويورك، بعثت برسائل واضحة الى بيروت تشير الى وجود استحالة لإزالة فقرة جرى التصويت عليها بالإجماع في مجلس الامن، تتعلق بحرية حركة تلك القوات دون التنسيق المسبق مع الجيش اللبناني. وهذا يعني أن أقصى ما يمكن أن يحصل عليه الجانب اللبناني هو الحفاظ على الفقرة كما هي حاليا، من دون إضافة تعديلات جديدة توسع من صلاحيات قوات الطوارئ، اي ان النص الذي صاغته فرنسا لن يخضع للتعديل استجابة لمطالب لبنان، الذي ركّز في ملاحظاته على تعديل آلية حرية الحركة الواردة في البندين 16 و17.

من جهة ثانية، تضغط واشنطن، في سابقة نادرة، من "بوابة" المساعدة التي تقدمها الى الجيش اللبناني، وبحجة التضارب مع المساعدات القطرية، تقف المؤسسة العسكرية على مسافة شهر من نفاد مخزونها من المحروقات ومن شح أموال المساعدات من الدوحة وواشنطن. وحتى الآن لا تملك حكومة تصريف الاموال اجوبة واضحة من الجهات المانحة حول طبيعة الخطوة المقبلة، حيث يجري البحث عن مقاربة لسد الاحتياجات الضرورية للمؤسسة، والتي تمكنها من القيام بمهام لوجستية كتسيير الدوريات، وإقامة الحواجز، فضلا عن تأمين النقص المرتقب في الزيادة التي يحصل عليه الضباط والعسكريين.

اضافة الى كل ما تقدم، لا يمكن ايضا فصل ما يحصل في مخيم عين الحلوة من استعداد لاستئناف المعارك، في ظل بقاء الوضع على هشاشته، وقيام حركة فتح برفع مستوى الجهوزية والاستنفار، لخوض معركة ضد "الاسلاميين"، وهو امر لا ينفصل عن تفاهمات بين السلطة الفلسطينية و"اسرائيل" على استعادة زمام المبادرة في الضفة الغربية والشتات، لوقف ما تعتبره "اسرائيل" هجمات مسلحة على المستوطنين ومن جنوب لبنان! وقد ادى ذلك الى ارتفاع منسوب التوتر بين فصائل المقاومة وقوات السلطة في الداخل، فيما "يغلي" مخيم عين الحلوة بعد احداث غامضة، لكنها غير منفصلة عن المحاولات "الاسرائيلية" المدعومة اميركيا لاستعادة توازن الردع مع حزب الله، عبر نقل المعركة الى "بوابة" الجنوب.

انطلاقا من هنا، قررت المعارضة مواكبة التصعيد الاميركي، ولا ترى مفرا من الانتظار حتى ينجلي غبار "المعركة". لكن اوساط مقربة من "الثنائي الشيعي" ترى ان هذا الرهان مجرد وَهم، لن تحصد منه هذه القوى اي نتائج. فالتوازنات في سوريا دقيقة للغاية، واي محاولة اميركية لشن عملية عسكرية لقطع "الشريان الحيوي" بين ايران وحلفائها مجرد حسابات خاطئة سيورط الاميركيين في "مستنقع" ليسوا في وارد الدخول به، واي "دعسة" ناقصة ستكون ورطة طويلة الامد، ولن تنتهي كما تشتهي "سفنهم".

اما في الشق اللبناني من التصعيد، تقول الاوساط، ان النفس الاميركي "قصير"، سواء التهديد بمعاقبة المؤسسة العسكرية بتهمة التعاون مع حزب الله، او في التشدد في ملف قوات "اليونيفيل"، فالجيش ثابت في معادلة الدعم الاميركي، ولن يفرط به عبر اعلان العداء له. وملف الحدود في الجنوب لا يمكن اللعب به بخفة، لان تداعياته ستكون كارثية تبدأ بانهيار عسكري وامني مكلف "لاسرائيل"، ولا تنتهي بوقف تصدير الغاز من البحر! ولهذا كل من يراهن على واشنطن يضيع وقته، لانها ستتركه في "منتصف الطريق"، وستمضي قدما في التسوية عندما تحقق الحد الادنى من مصالحها.


الأكثر قراءة

بكركي ترفض «دفن الديمقراطية وخلق السوابق» وبري يعتبر بيان «الخماسية» يُـكمل مبادرته شرف الدين يكشف لـ«الديار» عن لوائح للنازحين تنتظر موافقة الامن الوطني السوري تكثيف معاد للإغتيالات من الجنوب الى البقاع... والمقاومة مستمرة بالعمليات الردعية