اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

يحلم الإنسان منذ طفولته بمستقبله، بما يحبّ أن يفعله عندما يكبر، بدراسته، والوظيفة التي يتمناها، والعائلة التي يؤسسها، ويسعى مع مرور الوقت جاهدا لتنفيذ أحلامه، ويخطط لكل شيء يستطيع فعله كي يصل الى أهدافه، ولكن الشيء الذي الوحيد الذي لا يخطط له أو حتى يرفض التفكير به هو وفاة شخص عزيز على قلبه، وكيف سيتعامل مع هذا الأمر.

"لماذا شاء القدر أن يخطف شقيقي الشاب بعمر الثلاثين، حرمنا الوضع الإقتصادي في لبنان منه حيث اضطر للهجرة الى ايطاليا منذ سنوات لتأمين مستقبل يليق به، ثم حرمتنا الحياة منه"، تقول سهى التي توفي شقيقها نبيل جراء أزمة قلبية منذ أسبوع.

وتضيف لموقع "الديار": "لم أتقبل فكرة موته بعد، أتمنى اللحاق به، أتمنى لو كان الأمر مجرد كابوس وأستيقظ منه لأجد شقيقي بجانبي. أشعر بغضب كبير وأسئلة كثيرة تدور في رأسي: لماذا هو، لماذا نحن، لماذا لم يُكتب له أن يعيش حياته وهو مؤمن ومحبّ للحياة لم يؤذ أحدا، لماذا الحياة غير منصفة؟".

أمّا نسرين فتروي تجربتها بعد وفاة ابنها بحادث سير منذ خمس سنوات وكان حينها بعمر الخامسة والعشرين، قائلة: "لم يعد للحياة معنى، إحتفظت بملابسه وغرفته كما تركها لفترة طويلة، كنت أقضي وقتي في البكاء والجلوس وحيدة، وأهملت أولادي دون قصد، ثم تحول هذا الإهمال الى تعلّق زائد و"وسوسة" مزعجة لهم، فكلّما خرج أحدهم ألاحقه بالإتصالات للإطمئنان. وعندما أتلقى إتصالا من رقم غريب أشعر بالخوف الشديد وتمرّ عدة سيناريوهات سلبية في رأسي، قبل الردّ."

وتكمل: "مرّت أيام عليّ كالجحيم، تمنّيت الموت مرار، ولكن وقوف عائلتي الى جانبي وأولادي بالتحديد جعلني أقرر عدم الإستسلام للعزلة والإكتئاب، فعائلتي بحاجة إلي والحياة يجب أن تستمر مع جميع المصائب التي نواجهها. حزني على وفاة ابني كان مثل كرة الثلج، يزداد مع مرور الوقت أكثر فأكثر مثلما اشتياقي له. لم أعد أشعر بالسعادة، فكلما مرّت مناسبات سعيدة في العائلة كنت أفكر به وأتمنى لو كان موجودا معنا، وسرعان ما تتحول هذه اللحظات الى لحظات حزن."

وفي السياق نفسه، يتحدّث وسيم لموقع "الديار"، عن وفاة شقيقه بعد معاناة مع مرض السرطان، قائلا: "الموت حق، هذه هي سنّة الحياة ولكن الأمر صعب للغاية، فالجمرة لا تحرق إلا صاحبها كما يُقال، وهناك "نغصة" دائمة. كنت أشعر بأحساسيس متناقضة خلال فترة علاج شقيقي، فمن جهة كنت أنانيا أشاهده يتعذّب أمامي ومع ذلك كنت أريده أن يحارب المرض لأكثر فترة ممكنة رغم خطورة وضعه الصحي حينها وآلامه غير المحتلمة، ومن جهة أخرى كنت أصلّي له كي يتخلّص من عذابه. على الرغم من أنّنا كعائلة كنا محضّرين نفسيا لفكرة وفاته، إلا أن الموقف الأصعب في حياتي كان لحظة إعلامي بذلك، ففي هذه اللحظة تغيّر كل شيء، مرّ سيناريو حياتنا كاملا، وذكريات الماضي أصبحت حاضرة بحلوها ومرّها. وبعد خسارته تغيرت مفاهيم الحياة لدي حتى أصبحت لا أبالي بخسارة أي شخص أو شيء".

ما هي المراحل التي يمرّ بها الإنسان بعد وفاة من يحبّ؟

يختلف التكيّف مع وفاة شخص عزيز من انسان الى آخر بحسب مدى قربه وتعلّقه به، والحزن هو الردّ الفعل الطبيعي على الموت، وينقسم الى مراحل عدة منها:

الإنكار: فعلى الرغم من انّ الشخص يعرف الحقيقة في أعماقه إلّا أنه في البدء يواجه صعوبة في تصديق ما حدث وينكر ذلك.

الغضب: بعد وفاة من يحبّه، يشعر الإنسان بالعديد من التقلبات المزاجية، فيغضب ويتشاجر مع مَن حوله لأبسط الأسباب.

الشعور بالذنب: حيث تراود الانسان أفكار كثيرة يتمنى فيها لو فعل أمرا كان يحبّه الشخص المتوفي، أو تمنع عن فعل أمر كان يغضبه، مثل: (ليتني كنت أتصل دائما به، ليتني لم أقل له هذا الكلام الجارح، ليتنا ذهبنا الى تلك الرحلة التي كان يتمناها..).

الإكتئاب: حيث يجد الشخص نفسه يبكي باستمرار، وقد يُعاني من فقدان في الشهية واضطراب النوم، وفي بعض الحالات قد يعاني من أوجاع جسدية.

أمّا المرحلة الأخيرة في مراحل الحزن فهي مرحلة القبول، أي حين يتقبل الإنسان فقد من يحبّ، وقبول الخسارة لا يعني زوال الحزن، بل التعايش والتأقلم مع الحياة.

التجاوز التدريجي

يحدث الشفاء تدريجيا عندما يتقبل الشخص حقيقة الخسارة، ويحاول استيعاب الفقد، ودمج الواقع الجديد في عالمه، ويحاول التكيُّف مع حياة خالية من الفقيد الذي يحبّه، ان كان من ناحية تحمّل المسؤوليات وتعلُّم مهارات جديدة، والإنخراط بنشاطات اجتماعية، بالإضافة إلى تعديلات نفسية للمضي قدما في الحياة.

كما يساهم الدعم الإجتماعي في مواجهة الحزن، قد يستغرق الأمر وقتا للتكيّف مع الوضع الجديد، لكن التحدّث سيساعدك على التعبير عن مشاعرك، فيما العزلة ستؤخر التعافي، لذلك يجب الحفاظ على الروابط العائلية والتواصل الدائم مع الآخرين من خلال الإتصالات الهاتفية أوالرسائل النصية أوعبر الفيديو أو وسائل التواصل الإجتماعي.

وبما ان الحزن يؤثر سلبا على صحتنا النفسية والجسدية، يمكن أن يساعد تناول الأطعمة الصحية والحصول على قسط كافٍ من النوم، وممارسة الرياضة في الحفاظ عليها.

كما انّ اللجوء الى بعض المساعدة المهنية من قبل معالج نفسي يساعد في تقبل الواقع والتأقلم مع الوضع الجديد للمُضي قُدما في الحياة.  

الكلمات الدالة

الأكثر قراءة

سيجورنيه يُحذر: من دون رئيس لا مكان للبنان على طاولة المفاوضات الورقة الفرنسيّة لـ«اليوم التالي» قيد الإعداد حماس تؤكد: لا اتفاق من دون وقف نهائي لإطلاق النار!