اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

ما الذي جعل العماد جوزف عون يقول "موضوع رئاسة الجمهورية لا يهمني ولا يعنيني". تردد أنه ارتطم بالأبواب الموصدة أمامه، كونه "الجنرال الأميركي". لكن ما نعرفه أنه أكد لمحادثيه وأكثر من مرة، رفضه للوصول الى القصر، أن يغرق في الوحول وفي الصفقات، وأن يبيع رأسه لحفاري القبور، مثلما فعل مَن سبقه ليكون مجرد حارس للطريق الى جهنم...

لو كان للقادة الموارنة أن يفكروا بتلك الطريقة، لما "تشرشح" الموقع، ولم يعد شاغله أكثر من جثة ناطقة، حتى أن مرجعاً سياسياً بارزاً قال، وبالحرف الواحد: "لا بد أن يفاجأ ايمانويل ماكرون بأن جان ـ ايف لودريان عاد اليه... جثة ناطقة"!

احدى القنوات الفرنسية قالت "كمن يحاول دعوة الغربان الى العشاء". الغربان البشرية التي لا يعنيها ما يحدث للبلد ولأهل البلد. ما يعنيها رئيس للجمهورية يتولى ادراة الدولة، تماماً كما تدار المغارة. التأرجح بين ثقافة الفساد وثقافة التبعية. ماذا يقول هذا البلاط أو ذاك...؟

في بلدان الخليج التي نراهن عليها للخلاص المالي، لم يعد لبنان "هالكم أرزة العاجقين الكون"، كما قال يونس الابن، ولم يعد اللبنانيون أحفاد زينون الرواقي، أو أحفاد هنيبعل كما قال سعيد عقل (وكاد يقول... أحفاد الله). كيف نكون هكذا، ويكون فوق أكتافنا ساسة إما سقطوا للتو من مؤخرة دونكيشوت، أو من مؤخرة مكيافيلي. البعض سقط من مؤخرة... يهوذا!

ما ظهر من لقاءات لودريان الذي لاحظ كم عندنا من الأدمغة السياسية الفارغة (الا من الصراخ)، أن مَن يريد أن يجمع بين طرفي (أو أطراف) الصراع، كمن يحاول أن يجمع بين جبلين. ذات يوم كتب الانكليزي ديفيد هيرست عن "تلك الجنة التي تواطأ قادتها مع الشيطان لتحويلها الى جحيم". كل شيء تحطم في لبنان. لعل هيرست، وهو الآن في السابعة والثمانين، ينصح بتحويل قصر بعبدا الى فندق أو الى متحف للشمع.

رئيس حكومتنا الذي ما أمامه سوى أن يرقص بقدم واحدة، قال في نيويورك بتدويل الرئاسة اللبنانية: "ساطلب من القوى الدولية استخدام نفوذها لاقناع مختلف التيارات اللبنانية لانتخاب رئيس للبلاد يحظى بقبول كل الأطراف". هذا لـ"طي الفراغ الرئاسي".

ماذا باستطاعته سوى العودة الى العتابا والميجانا. دولة الرئيس يريد من أميركا وروسيا، وربما أيضاً من الصين والهند، أن تلتقي حول طاولة واحدة لاقناع ملوك الطوائف بانتخاب رئيس للجمهورية في لبنان، وهو الذي يعرف أن تلك القوى التي تجر وراءها عشرات الدول، تخوض صراعات زلزالية حول دورها في ادارة القرن الذي قد يشهد الانتقال من الانسان الى... ما بعد الانسان.

هنا نستعيد ذلك القول الرائع لمحمد الماغوط "ندخل الى القرن كما تدخل الذبابة الى قصر الملك". هكذا تنظر القوى العظمى الينا...

لافتة جداً دعوة الشيخ تميم، اذا أخذنا بالاعتبار الجهود القطرية على امتداد الأشهر المنصرمة، الى "حل مستدام" لأزمة الفراغ الرئاسي. لعل أمير قطر يحث على دوحة أخرى لا تقتصر مهمتها على ما أدى اليه اتفاق أيار 2008، بل تبحث في صيغة أو في آلية دستورية تحول دون التصادم كل ست سنوات، وترك الدولة تتحلل في العراء السياسي والطائفي، وحتى العراء الاقتصادي.

دوحة أخرى أم طائف آخر (هذه المرة فوق الأنقاض)؟ كلام الشيخ تميم ينطوي على دلالات قابلة للتأويل، وهو الذي يعلم أنه، في ظل الضبابية الدولية الراهنة، لا مجال لجمع الساسة اللبنانيين تحت سقف واحد، حتى وان كان بعضهم من جماعة البيع والشراء.

كل من هؤلاء يحمل مشروعه الخاص للنظام البديل، مع الاشارة الى الأيدي الخارجية التي تلعب في الظلام. لا مفاعيل لاجتماعات اللجنة الخماسية، وقد لاحظنا كم كان باهتاً اجتماعها النيويوركي على مستوى المستشارين، لا وزراء الخارجية كما اشيع، في ظل تباين أميركي ـ فرنسي حول رؤية الحل في لبنان.

حين نسأل اذا كان الدخان الأبيض سيتصاعد من الكوة ـ الكوة الضيقة ـ التي فتحت أخيراً بين أميركا وايران، بعد الرهان على الأفق المفتوح بين السعودية وايران، يأتينا الجواب: "هذا ليس وقتكم"!!

الأكثر قراءة

الضفة الغربيّة... إن انفجرت