اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

شكاوى السياح العرب في تركيا والخليجيين خصوصاً باتت تسيطر على مواقع التواصل الاجتماعي، اثر تعرض البعض منهم لعدة حوادث وصفوها بالعنصرية من قبل الأتراك، ولكن هل هي فعلاً حملة عنصرية ضدهم أم أنها وقائع فردية؟

الاستياء الذي انعكس واضحاً على مواقع التواصل يأتي بعد انتشار عدة فيديوهات في الآونة الأخيرة توثق هذه الحوادث، كان أحدها فيديو يرصد عراكاً وصل حد التشابك بالأيدي بين من قيل أنهم عاملون في مطعمٍ تركي وزبائن خليجيين اختلفوا على مبلغ الفاتورة الباهظ، ولكن الأسباب لا تقتصر على احتجاج السياح الخليجيين حول ما يقولون أنه استغلال لهم في المطاعم والمقاهي والمحال التركية، بل ذهب البعض للقول بأن الأمر عنصرية بحت، فهناك أيضاً فيديو آخر يظهر اعتداءً من مواطنة تركية على سائحٍ خليجي في أحد الشوارع المعروفة في اسطنبول بحسب ما نقل رواد مواقع التواصل الذين وثقوا الحادثة.

فما ذكرته هو مجرد نماذج من ضمن أحدث المقاطع التي تداولها المغردون بكثرة على مدار الأيام القليلة الماضية، ولكن أشهرها كان فيديو يظهر مشارجةً بين سيدة قيل أنها خليجية وأخرى تركية داخل مطعم وهي تصرخ: "أغلقوا السياحة وتحدثوا إلى (الرئيس التركي رجب طيب) إردوغان"، وبدت غاضبةً وهي تلمح إلى "العنصرية" الموجهة ضد السياح العرب، مطالبة بـ"عدم استقبالهم بالأساس ما دام ليس مرغوبا فيهم".


بالنسبة لأهالي الخليج تركيا تشكل وجهة سياحية مفضلة أم بالنسبة لتركيا فالسياحة هي نفط البلاد كما قال وزير الثقافة والسياحة التركي محمد موري أرصوي قبل نحو3 أشهر، اذ قال: "نفطنا في الواقع هو السياحة، وهدفنا كبير جداً، نهدف الى ان شاء الله لتحقيق عائدات تبلغ 100 مليار دولار بحلول 2028"، ولكن كيف يمكن أن تحقق تركيا هذه الهدف خاصةً اذا تقلصت أعداد السياح في البلاد؟

يأتي كل هذا في ضوء دعواتٍ أطلقها بعض الخليجيين لمقاطعة السياحة في تركيا من بينهم المذيع والممثل كويتي عبدالله الطليحي الذي أبدى استغرابه عبر حسابه الرسمي على منصات التواصل الاجتماعي من الهجمة السياحية الخليجية الى تركيا، وطالب بعدم السفر إليها بسبب "العنصرية المتزايدة" و"حوادث الاحتيال والنصب" التي يتعرض لها السائحون العرب هناك، وتساءل بسخرية عن ماهية الامتيازات التي تقدمها تركيا، لافتاً الى أن الاتراك يتعاملون مع العرب "كأنه هنالك ثأر قديم فيما بيننا"!


دعوات المقاطعة لم تتوقف عند الطليحي فقد انهالت التغريدات الداعية لمقاطعة السياحة في تركيا والتنديد بالعنصرية التي يواجهها بعض السائحين العرب، ففادي شاب عربي كتب على منصة "اكس": "لو عرض عليك كأس ممتلئ بالعصير اللذيذ حتى النصف والنصف الآخر ممتلئ بالسم، من المؤكد أنك لن تشربه. ذلك هو بالضبط حال السياحة في تركيا لنا كعرب ولذلك لا بد من مقاطعة السياحة في تركيا حتى تستقيم الأمور وتختفي العنصرية المقيتة التي يمارسها الأتراك ضد العرب".

العنصرية المتصاعدة في تركيا ضد العرب والسوريين والأفارقة والأفغان والتي طالت حتى السياح الخليجيين بدأت سابقاً من قوى المعارضة وبصمت حكومي تحت مبرر الضرورة الانتخابية، ولكنها تجري الآن بغض طرف حكومي عن الانتهاكات المتكررة والاهانات التي تحصل حتى من أفراد في أجهزة الأمن الا تلك التي تصل الى الاعلام تجاه الناس، الأمر الذي يسهم في اطلاق يد أي عنصري دون رادع قانوني.

السلطات التركية تحركت متأخرة لمحاسبة المروجين للعنصرية بعدما تحول خطاب الكراهية الى اعتداءات وقتل، فتصاعدت المضايقات والاعتداءات ضد السياح العرب في تركيا خلال الأسبوع الفائت، كما اعتدى أتراك على سائح كويتي في مدينة طرابزون حيث غدر به 5 أتراك باستخدام بآلات حادة وتم ضربه أمام الشرطي، وعلى سياح مصريين في مدينة اسطنبول.

قبل الاعتداء على السياح، قتل ثلاثة سوريين علناً في أضنة وقونية واسطنبول خلال أسبوع واحد، فالشاب عمار طابوش قتل على يد صاحب عمله بسبب مطالبته بأجرته، أما الشاب أحمد مدراتي فتل داخل محله بعدما رفض اعطاء خوّة لشبان أتراك، والشاب ابراهيم دلّي حسن قتل على يد شاب تركي طلب منه سيجارة قبل أن يباغته ويطعنه.

جاءت موجة العنف العنصري بعد خطاب تحريضي أشدّ عنفاً قادته قوى المعارضة التركية وسط تجاهل من السلطة، فتصاعد خطاب الكراهية خلال الانتخابات الرئاسية وكان جزءاً أساسياً من الحملات الانتخابية للمعارضة.


كذلك قاد الحزب الحاكم حملات ترحيل "طوعية" لاسترضاء ناخبيه تحضيراً للانتخابات البلدية، كما فاقمت الأزمة الاقتصادية من موجة الكراهية، فنظم بعض الأتراك وقفات احتجاجية في وجه العنف والقتل ضد العنصرية وخطاب الكراهية، ولكن حتى الوقفات المناصرة تعرضت لهجوم عنصري.

قدم سياسيو تركيا نموذجاً في تعميم خطاب الكراهية والانتقال من العنصرية الى القتل العلني.

فبغض النظر عما اذا كانت هذه حوادث فردية كما يقول بعض الأتراك أم فعلاً عنصرية في اطار تنامي الجو المشحون ضد الللاجئين في تركيا والخلط بينهم وبين السياح، فانه وفقاً لوزارة السياحية التركية بلغت أعداد السائحين العرب عام 2022 نحو 5 ملايين، أما نسبة الدخل من السياحة في تركيا فبلغت 33 بالمئة في الربع السنوي الأول من هذا العام أي في الفترة ما بين كانون الثاني و آذار، وبلغت 8.7 مليار دولار. وتشير التقديرات الى أن 46 في المئة من السياح القادمين الى تركيا في هذه الفترة جاءوا لأغراض السفر والترفيه وممارسة الأنشطة الرياضية والثقافية، كما جاء 32 في المئة من السياح لغرض زيارة الأقارب والأصدقاء. فالقطاع السياحي يسهم في تركيا نحو عشرة في المئة من الناتج المحلي الاجمالي.

التهديد بسلاح مقاطعة السياحة في تركيا هو سلاح جيد، لكن الأهم هو أن تتخذ السلطات إجراءات حاسمة لمواجهة تلك الظاهرة العنصرية، حتى لا تهتز علاقات تركيا السياسة والاقتصادية مع الدول العربية، فيجب أن تتحرك البعثات الدبلوماسية العربية لحماية رعاياها هناك، بغية منع وقوع المزيد من حوداث التنمر والعنصرية من قبل المتطرفين والكارهين. 

الأكثر قراءة

اكثر من حجمه