اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

هذا ما تقوم به الإدارة الأميركيّة لخفض الأسعار

بعد وصوله إلى أدنى مستوى له في أواخر شهر حزيران من هذا العام، عاد سعر برميل النفط إلى الارتفاع ، حيث وصلّ إلى القمّة في أواخر شهر أيلول قبل أن يعاود انخفاضه. فما هي أسباب هذه التقلّبات وما هي التوقّعات بالنسبة إلى الأسعار؟

أصبح معروفًا أن الهدف الواضح لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، هو خفض أسعار النفط وزيادة الإنتاج، بحكم أن النقص في وقود الديزل المستخدم في الصناعة والنقل بشكلٍ كبيرٍ، والذي تعجز مصافي التكرير في العالم عن إنتاج ما يكفي منه، سيؤدّي إلى مشكلة في الاقتصاد الأميركي، مع ما لهذا الأمر من تداعيات سياسية مع قرب الانتخابات الرئاسية الأميركية. وقد أظهر تحليل الأرقام المقبلة من محطات التكرير أن هناك نقصا في النفط الخام، نتيجة قرار المملكة العربية السعودية وروسيا حظر إنتاج النفط الخام الغني بالديزل، مع توقّعات بأن يمتدّ هذا الحظر إلى نهاية هذا العام؛ كما ومنافسة بين الديزل والمحروقات الأخرى في مصافي التكرير. وهو ما يعني ارتفاع أسعار الديزل المستخدم في عمليات النقل، أي ارتفاع أسعار السلع والبضائع، ما يعني حرمان الاقتصاد من الوقود الأساسي للصناعة والنقل في آنٍ معًا.

إلا أنه مقابل رغبة الإدارة الأميركية، هناك عوائق جمّة ، وعلى رأسها خفض الإنتاج من قبل منظّمة الأوبك بلس (أوبك + روسيا)، التي دفعت بالأسعار إلى الارتفاع إلى مستويات كبيرة وصلت إلى حدود مئة دولار أميركي للبرميل الواحد، وكادت أن «تُفجّر» التضخم في الاقتصادات المتطورة واقتصادات الدول الفقيرة، لولا التدخل الأميركي!

الغريب في الأمر، أنه ومنذ وصول سعر برميل النفط في أواخر أيلول إلى أعلى قمّة له منذ سنتين بالتحديد، أخذت الأسعار بالانخفاض بشكلٍ سريع وكبير (16%)، بين أواخر شهر أيلول وحتى تاريخ كتابة هذا المقال. إذ انخفض برميل البرنت من أعلى قمّة 96.55 دولارًا أميركيًا للبرميل الواحد، إلى 81.70 دولارًا أميركيًا في أواخر الأسبوع الماضي. وهنا يُطرح السؤال عن أسباب هذا الانخفاض وخلفياته؟

أظهرت الإحصاءات التي قامت بها وكالة «بلومبرغ»،

أنه وعلى الرغم من العقوبات الشاملة التي فرضتها الولايات المتحدة الأميركية والدول الحليفة لها على روسيا، بهدف خفض عائدات صادرات النفط الروسي وصادرات السلع الأساسية، فإن صادرات النفط والغاز، ارتفعت في شهر تشرين الأول بأكثر من 27%، بحسب الوكالة، وهو ما أدّى إلى تحقيق فائض مالي في موازنة روسيا لهذا العام، وذلك للشهر الثالث على التوالي. فكيف استطاعت روسيا زيادة صادرتها من النفط والغاز وتحقيق هذا الفائض، على الرغم من ارتفاع النفقات بسبب حرب الكرملين في أوكرانيا، وعلى الرغم من العقوبات الغربية عليها؟

يُظهر التحليل أن الإدارة الأميركية، وبغية تحقيق هدفها بخفض أسعار المحروقات في الولايات المتحدة الأميركية، قامت بالتواصل مع دول الأوبك بهدف زيادة الإنتاج من النفط بما يتلائم والوضع الاقتصادي العالمي. إلا أن هذا التواصل لم يؤدّ إلى نتيجة ، حيث أعلنت كل من المملكة العربية السعودية وروسيا استمرار خفض الكميات المنتجة من النفط إلى نهاية هذا العام بأقلّ تقدير. من هنا، قامت الولايات المُتحدة الأميركية بـ «غض النظر» (أو ما يُعرف بـ «قبة باط») عن تصدير النفط من الدول الثلاث الأساسية الخاضعة للعقوبات الأميركية والغربية وهي روسيا وإيران وفنزويلا.

بالطبع هذا الأمر شكّل نقطة تقاطع بين الخصوم، حيث إن الإدارة الأميركية استطاعت لجم الارتفاع في أسعار النفط، وبالتالي خفض أسعار الديزل في الولايات المتحدة الأميركية، وفي الوقت نفسه قامت الدول الثلاث بزيادة إنتاجها وصادراتها من النفط والغاز، وهي المتعطشة للعملات الصعبة مع الحصار الغربي المفروض عليها.

وقد أظهرت أرقام الإنتاج الإيراني من النفط، أنه خلال عام (من منتصف 2022 حتى منتصف 2023) ارتفع إنتاج إيران من النفط من 2.57 مليون برميل يوميًا إلى 2.83 مليون برميل يوميًا، وهو ما يُظهر «غض النظر» الأميركي عن صادرات إيران من النفط. كذلك الأمر حصل بالنسبة لروسيا، حيث تمّ التراخي عن تطبيق العقوبات على الدول الآسيوية التي تستورد النفط الروسي والإيراني، اللذين يُباعان بأسعار قد تصل إلى 30 دولارا أميركيا أقلّ من سعر السوق، وهو ما يشكّل منافسة جدّية لباقي أعضاء دول الأوبك.

ما هي التوقّعات بالنسبة لأسعار النفط في الأسابيع والأشهر المقبلة؟ تتوقع وكالة الطاقة الأميركية ان إنتاج الولايات المتحدة من النفط الخام هذا العام سيرتفع أقل قليلًا مما كان متوقّعًا سابقًا من قبل الوكالة، وفي الوقت نفسه فإن الطلب على المحروقات داخل الولايات المتحدة الأميركية سينخفض. وبالتحديد، توقّعت الوكالة ارتفاع إنتاج الولايات المتحدة الأميركية من النفط الخام إلى 12.9 مليون برميل يوميًا، في مقابل الخفض الطوعي الذي قامت به كلٌ من المملكة العربية السعودية وروسيا بمقدار 1.3 مليون برميل يوميًا، مع احتمال عال بالاستمرار في هذا الخفض حتى نهاية العام 2024. وتوقعت الوكالة أن يبلغ متوسط الأسعار الفورية (spot prices) لخام برنت 83.99 دولارًا للبرميل هذا العام، مع ارتفاع هذا المتوسط إلى 93 دولارًا للبرميل في عام 2024.

أما من ناحية الاستهلاك، فإن إجمالي الاستهلاك في الولايات المتحدة الأميركية (من أكبر المستهلكين مع الصين)، بمقدار 300 ألف برميل يوميا إلى 20.1 مليون برميل يوميا هذا العام، مع انخفاض بنسبة 1% في عام 2024 على استهلاك البنزين (أدنى مستوى لاستهلاك الفرد من البنزين منذ عقدين). هذا الانخفاض بررته الوكالة بتزايد العمل عن بعد، التحسينات في كفاءة استهلاك الوقود، ارتفاع أسعار البنزين، والتضخم المرتفع المستمر.

إذًا، يبقى النفط – السلعة الأولى استراتيجيًا – عرضة للمعطيات الجيوسياسية، وخصوصًا الحربين القائمتين بين روسيا وأوكرانيا وبين العدو الاسرائيلي وحماس من جهة أخرى، والتي تُظهر المؤشرات استمرارهما لعدّة أشهر أقلّه. وتبقى المخاوف الجدّية من ناحية امتداد الصراع الفلسطيني – «الإسرائيلي» ليشمل دولا أخرى في منطقة تؤمّن 40% من استهلاك العالم من النفط.

الأكثر قراءة

سيجورنيه يُحذر: من دون رئيس لا مكان للبنان على طاولة المفاوضات الورقة الفرنسيّة لـ«اليوم التالي» قيد الإعداد حماس تؤكد: لا اتفاق من دون وقف نهائي لإطلاق النار!