اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

كثيراً ما تحدثنا عن "الجنون الاسرائيلي"، دون أن نتطرق الى "الجنون الأميركي"، كنقيض للعبقرية الأميركية، والذي طالما وضع العالم على حافة الهاوية.

لفتنا الى ذلك الباحث الفرنسي أوليفيه روا الذي تساءل، في ضوء "غرنيكا القرن"، ما اذا كنا سنشهد قريباً انقلاباً في العقل السياسي الأميركي الذي ينظر الى الفوضى، بما في ذلك الفوضى الدموية، في الشرق الأوسط، كضرورة استراتيجية للامساك بكل مفاصل المنطقة، وبعدما اكتشف أن دوره في قيادة الكرة الأرضية بدأ بالتقهقر.

هذا ما يجعلنا نستعيد تلك الدعوات الى "القوى المؤثرة" في المنطقة، لا سيما تركيا وايران ومصر والسعودية، للافادة من الصراعات المباشرة، أو غير المباشرة، على امتداد الكوكب، لتشكيل رؤية جديدة للشرق الأوسط، بعيداً عن الصراعات الجيوسياسية، وهي الصراعات العبثية التي حالت دون انشاء منظومة اقليمية لا تؤمن الاستقرار فحسب، بل والتكامل الاقتصادي بتداعياته التي يفترض أن تكون رهان دولنا لدور لها في صناعة القرن.

ولكن ألم يقل صديقنا ادغار موران بضرورة "احداث تغيير جيولوجي في العقل العربي" الذي ما زال يدور حول... مضارب القبيلة!

لا شك أن أحداث غزة أحدثت شيئاً ما في الرؤية الأميركية، حتى أن جهات خليجية أكدت لنا أن ادارة جو بايدن، وفور كلام وزير التراث الاسرائيلي عميحاي الياهو حول اللجوء الى القنبلة النووية، رفعت البطاقة الحمراء في وجه بنيامين نتنياهو، والى حد اتخاذ "اجراءات عملانية" للحيلولة دون لجوئه الى ذلك الخيار، ما دام يعتقد أن بقاءه في السلطة رهن بحدث عسكري كبير لأن الغرق في رمال، وفي دماء، غزة، يدفع به، أكثر فأكثر، ألى بوابة المقبرة...

حتى أن باحثين غربيين يرون أنه آن الأوان لتغيير مجرى الأحداث (والحاجة ماسة الى احداث تغيير في مجرى التاريخ) في الشرق الأوسط الذي قد يكون مركز الشرارة لحرب عالمية ثالثة.  لا داعي لانتظار تغيير في المسارات الدولية لتغيير المسارات الاقليمية، وان كان بعض أولئك الباحثين يعتبرون أن الوضع العالمي بات من التشابك بحيث لا يتيح لأي قوة اقليمية التفرد بمواقفها.

وكانت "الفورين آفيرز" قد لاحظت أن مشكلة العالم في افتقاد ذلك النوع من رجال الدولة الذين "يولدون" من أجل صناعة التاريخ، أو على الأقل، لاحداث تحولات دراماتيكية في التاريخ. جو بايدن أقل بكثير من أن يكون فرنكلين روزفلت، وريتشي سوناك أقل بكثير من أن يكون ونستون تشرشل، وايمانويل ماكرون أقل بكثير من أن يكون شارل ديغول...

هذه حالنا كعرب، لا نراهن على أن تنتج أزمنتنا ـ هذه الأزمنة الميتة ـ رجالاً لا يدفعون بنا الى القرون الوسطى وانما الى القرن ( وقد تبعثرنا بين ثقافة الغيب وثقافة القبيلة). ولكن ألم يقل فرانز فانون، صاحب "معذبو الأرض" ،"حتى القبور، وحتى الأقبية، تأتي بالرجال العظام".  لا مجال للرجال العظام في زمننا.

أميركا ضائعة، روسيا قلقة. الصين تحكمها السياسات الزبائنية. الهند تتأرجح بين ليل الأقحوان والليل التكنولوجي"، دون أي استراتيجيات بعيدة المدى في ذلك البرزخ بين الجار الصيني والصديق الأميركي.

اذاً، الكرة الأرضية في حالة انتقالية، دون أن تكون لدى أي أمبراطورية أي تصور للشكل الذي يفترض للعالم أن يتخذه بعد أن ينجلي الغبار. هذا اذا انجلى الغبار ولم تأخذ الفوضى (والضبابية) الراهنة بالبشرية الى الجحيم، كما توقع زبغنيو بريجنسكي منذ ثلاثة عقود.

اسرائيل في حالة من العمى الكامل. أوليفيه روا تحدث عن "الجهل المقدس". كما لو أن عصا يهوه ـ لا عصا موسى ـ هي التي تقودهم الآن. حاخامات يرون أن ساعة ظهور الماشيح المخلص قد دنت، ولا بد من رصف الطريق أمامه بالجماجم. الخلاص لن يكون، في هذه الحال، الا لمن يقبعون في الملاجئ، أو في الدبابات، ولكن على أرض الميعاد. لاحظتم كيف أن العبارات التوراتية، أو التلمودية، تتصدر تصريحات الساسة في اسرائيل.

أولئك الاسرائيليون الذين ينظرون بعيون عرجاء، ويعملون بأدمغة عرجاء، لن يتوقفوا عن سياساتهم الهيستيرية حيال الفلسطينيين وحيال العرب.

لا بد من شرق أوسط آخر من صنع أهله. هكذا يحزم الاسرائيليون حقائبهم ويعودون من حيث أتوا. الموتى تحت الأنقاض هم من يدعوننا الى ذلك...


الأكثر قراءة

العثور على 6 جثث لأسرى لدى حماس مقتولين يُحدث زلزالاً في «إسرائيل» الشارع يتحرّك ضدّ حكومة نتانياهو... ونقابة العمّال تعلن الإضراب الشامل