اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

ممّا لا شكّ فيه أنّ أميركا مشارِكة بشكلٍ كبيرٍ في ملفّاتٍ عديدة، كملفّ أوكرانيا، وملفّ الشّرق الأوسط، "إسرائيل".

لكنْ، إذا كان النّصر في أوكرانيا سيتمخّض عنه فوائد استراتيجية بالنّسبة لأميركا ، اذ أنه سيساهم في وحدة الناتو، وتحقيق أمن أوروبا لتكون هزيمةً نكراء لروسيا في اوكرانيا ؛ فإنّ "نصر" "إسرائيل" لن يكون الّا لإسرائيل فقط. بل وأكثر من ذلك ، فإنّه سيجر أرجل أميركا إلى حربٍ اقليميّة في المنطقة.

فأين دعم أميركا لزيلنسكي من دعمها القوي لاسرائيل؟

‏منذ بداية الحرب الرّوسية الاوكرانية و إلى الآن، حصلت أوكرانيا على دعمٍ غير مسبوق من حوالي 50 دولة، وقُدِّرت اجمالي المساعدات العسكرية وغير العسكرية بحوالي 350 مليار دولار، فضلا عن المساعدات التي لا تقدّر بثمن ، كالدّعم الاستخباراتي والاستشارات العسكريّة، ومحاولة خنق الاقتصاد و تقييد حركة الجيش الروسي.

‏الا أنّه يبدو أنّ "حماس" الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأميركية لدعم أوكرانيا بدأ يتراجع، فقد أخفق الكونجرس بقيادة الجمهوريين في اقرار دفعة من المساعدات بقيمة 60 مليار دولار كان بايدن يرغب في إرسالها إلى أوكرانيا، كما أن "فيتو" دولة المجر منع الاتحاد الأوروبي من مدّ أوكرانيا بحوالي 50 مليار يورو أيضا. ‏وفي كانون الأوّل ، " نوفمبر 2023، و وفقا لبعض التّسريبات ، فقد صُدِم وزير الدفاع الأميركي الجنرال لويد اوستن- الذي يُعالَج حاليًا من مرض السّرطان - من تقديرات العسكريين الاوكرانيين، بأنّ اوكرانيا ما زالت تحتاج لتحرير أراضيها الى 17 مليون وحدة من الذخائر المختلفة التي قُدّرت تكلفتها الإجمالية بـ 400 مليار دولار إضافية ، الأمر الذي لا ترى أمريكا جدوى من تغطيته .كما أكّد "اوستن " أنّ الحرب وصلت الى حالة "جمود " ، لا انتصار ولا هزيمة؛ ما يعني أننا امام "حرب استنزاف" طويلة المدى قد تكون مفيدة لروسيا، ومضرّة للاوكران.

‏ولعلّ هذا التّراجع الاميركي في دعم أوكرانيا لإلحاق الهزيمة في روسيا، يظهر جليًا في عبارة الرئيس بايدن الذي صرّح في بداية الحرب :"سوف ندعم أوكرانيا مهما تطلَّبَ الأمر "، لتتحوّل العبارة مؤخّرا الى "سوف ندعم أوكرانيا على قدر استطاعتنا" ، والفرق بين العبارتين كبير جدّا. و أكّد موقع Politico الأمريكي أنّه في حين كانت أميركا تدعم أوكرانيا في بداية الحرب لالحاق الهزيمة بروسيا، فإنّها اليوم تدعم اوكرانيا وتشجّعها على الجلوس مع روسيا على مائدة المفاوضات، والموافقة على التّنازل عن 20% من أراضيها الّتي استحوذت عليها روسيا بعد شباط/ فبراير 2022، لانهاء الحرب وحلّ القضيّة ديبلوماسيا.

وهذا التراجع في دعم اوكرانيا يترجم الآن دعما عسكريا وسياسيا ودبلوماسيا لـ "اسرائيل" .ولعلّ هذه المشهدية السياسية هي الّتي نراها في حرب "اسرائيل" على غزة.

لا شك أنّ هجوم حماس في ٧ اكتوبر هو

الردّ المناسب لسلسلة الاستفزازات الّتي لم تتوقّف حكومة العدو في تسبّبها، بعد أن بلغ عدد القتلى قبل نوفمبر 250 قتيلا، واستهداف المسجد الاقصى ، والاعتداء على المصلّين، والتوسّع في بناء المزيد من المستوطنات .

والمعروف أنّ دعم أميركا "لاسرائيل" مبني على عوامل عديدة: من جهة، تتمتّع الولايات المتحدة بعلاقات تاريخية ودينية قوية مع "إسرائيل"، والتي تعود إلى دعم الولايات المتحدة لحركة صهيونية في أوائل القرن العشرين. كما أنّ هناك شريحة كبيرة من السّكان الأميركيين من أصل يهودي، والذين يشكّلون قوة ضغط سياسية كبيرة تدعم إسرائيل. ومن جهة ثانية، فإن موقع "إسرائيل" في منطقة الشّرق الأوسط، وهي منطقة ذات أهميّة استراتيجية للولايات المتّحدة، يلعب دورًا مهمًا في التّحالف الأميركي الاسرائيلي ضدّ إيران وقوى أخرى في المنطقة. كذلك ، تُعدّ الولايات المتّحدة أكبر شريك تجاري لإسرائيل، وتستثمر الشّركات الأميركية بكثافة فيها.

بالإضافة إلى هذه العوامل التاريخية والاقتصادية والجيوسياسية، هناك أيضًا عوامل أيديولوجية تدفع الولايات المتّحدة إلى دعم "اسرائيل"، اذ تؤمن الولايات المتحدة بقيم الديمقراطية والحقوق والحرّيات، وبرأيها أن "اسرائيل" هي الدولة "الديمقراطية" الوحيدة في الشّرق الأوسط، كما تزعم واشنطن. وهذا ما دفع البعض إلى القول أن اميركا قد تتخلّى عن ولاية من ولاياتها، ولا تتخلّى عن "اسرائيل".

فلا غرابة إذًا، إذا رأينا الولايات المتحدة اليوم تدعم وبكل ما اوتيت من قوّة "اسرائيل" للقضاء على ما تسمّيه "قوى الشر" أي حماس في منطقة الشّرق الأوسط.

إلّا أنّ الأهم أنّ اميركا ، مع ذلك، تريد أن تبقى الحرب "محصورة" في غزّة، ولا تريدها أن تتوسّع الى حرب شاملة.

وقد اقترح وزير حرب العدو هجوماً استباقياً على حزب الله ، لكن ناتانياهو رفض ذلك، بناء على طلب الولايات المتحدة، التي لا تريد أن تجد نفسها متورّطة في حرب تشمل المنطقة، ولا يمكن تجنّبها. وها هي أميركا ترسل الموفدين، "بلينكن" للمفاوضات والتأثير على "اسرائيل" و دول المنطقة، و"هوكشتاين" إلى "اسرائيل" ولبنان لمنع توسّع الحرب الى الجنوب اللبناني.

والحقيقة أنّه طالما أميركا تدعم اسرائيل، فالحرب ستبقى مستمرّة ، واذا "توسّعت نحو لبنان"، كما صرّح أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله ، "فعندها الحزب الذي أبقى تدخّله منضبطًا حتّى اللّحظة، سيتدخّل وبقوّة". والنتيجة أن أميركا ستجد نفسها أمام حرب اقليمية على المضائق. وقد بدت معالم هذه الحرب بهجمات جويّة أميركية بريطانية على اليمن.

وهنا نسأل : لماذا تدعم اميركا "اسرائيل" لهذه الدّرجة، علما أنّ هذا الدعم سيسبّب تورّطها في الصّراع العربي الإسرائيلي، الّذي لا مصلحة لأميركا فيه ، والذي يشكل تهديدًا للأمن القومي الأميركي؟

ما الذي يجبر أميركا أن تتكبّد كل هذه الخسائر المادية الفادحة في دعمها لاسرائيل في حرب تجاوزت المائة يوم؟

كيف لاميركا أن تتحمّل تلقّفها للاتهامات بجرائم الحرب التي تُوجَّه سهامُها ضدّ "اسرائيل"، والتي تؤدي إلى تراجع موقف الولايات المتّحدة وصورتها في العالم؟

وكيف سيتقبّل بايدن المقبل على انتخابات رئاسيّة، تحمّل لقب "بطل حرب"؟

كما ونسأل: الى أين ستصل أميركا في هذا الدعم المتواصل لاسرائيل ؟

وهل سيأتي اليوم الذي نشهد فيه تخلّي أميركا عن شريكتها "اسرائيل"؟

الأكثر قراءة

نهاية سوريا نهاية العرب