اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

"دانييلا" و"حيّان"  منخفضان حلّا ثقيلين على فقراء لبنان، لا سيّما سكان الأطراف منهم، ولكنّهما كانا عزيزان على شتائه، لا سيّما في سنة "النينيو" الدافئة التي غيّرت معالم الطقس، وربّما الفصول في كثير من دول العالم.

صحيح، أنّ عدّة منخفضات "كانونية" توالت على لبنان مؤخرا، وكان بردها قارسا إلى حدّ ما، إلّا أنّها زارتنا متأخرة عن موعدها المعتاد بأكثر من شهر، على أنّ وصولها بطبيعة الحال هو خير بمطلق الأحوال.

إلى ذلك، من يتابع وسائل التواصل الإجتماعي، يلاحظ العناوين الفضفاضة التي تصدرت أخبار الطقس في بعض المواقع الإلكترونية، والتي لا تعكس مضامينها، وذلك بهدف جذب المتابعين وتحقيق نسب مشاهدة واسعة، فيما الواقع العلمي لم يثبت أنّ ما نمرّ به في هذا الشتاء هو إستثنائي لناحية الهطولات المطرية والثلجية أو الصقيع.

ولتحديد معالم الشتاء حتى الآن، قال رئيس قسم التقديرات في مصلحة الأرصاد الجوية في مطار بيروت الدولي محمد كنج لـ"الديار":

 - معدّل كميات الأمطار وفق مراكز المصلحة في بيروت وزحلة وطرابلس( حتى صباح 5 شباط 2024)، بلغ نحو 856 ملم في بيروت، بعد أن بلغ نحو 442 ملم العام الماضي، فيما المعدل هو 553 ملم.

- بلغ في زحلة خلال 24 ساعة (4 شباط) 6.8 ملم، فيما المجموع المتراكم هو 553 ملم، والمعدل التصاعدي هو 421 ملم العام الماضي وحتى اليوم(5 شباط) هو 309.2 ملم.

 - في طرابلس بلغ 888.2 ملم، و459 ملم السنة الماضية، بينما المعدل هو 550ملم، على أنّ المعدل العام لكلّ السنة هو 825 ملم.

وشرح كنج أنّه حتى صباح 5 شباط بلغ معدل تساقط الأمطار 888 ملم منذ بداية شهر أيلول، حيث تبدأ السنة المطرية في هذا الشهر وتنتهي في شهر آب، وبهذا نكون قد تخطينا المعدّل لهذه الفترة من السنة وكذلك معدّل السنة كلها والذي هو 825 ملم: في بيروت (856 ملم) وطرابلس ( 888 ملم - 900 ملم). وبالنسبة لمدينة زحلة، التي وصفها بـ"خزان الثلج"، فقد بلغ المعدّل بحدود 555 ملم تقريبا، فيما بلغ السنة الماضية نحو 300 ملم، أمّا المعدل فهو 420 ملم، وبهذا فاق معدّل الأمطار حتى تاريخ 5 شباط معدّل السنة الماضية بأكثر من مرة ونصف المرّة، على أنّ السنة كلّها تسجل 627 ملم، وقد أصبحنا قريبين من هذا المعدّل، كما لا يزال لدينا 3 أشهر ممطرة وهي شباط وآذار ونيسان.

هل سنتنا ثلجية؟

وعما اذا كانت هذه السنة ثلجية؟ اجاب: حتى الآن لم "يبيّضها" الثلج لانه تأخر هذه السنة، وتدنّى بحلول منخفض "دانييلا" من 1800 إلى 1200م، وبحلول "حيّان" تحت 1200 ولحدود 850 م، لافتا إلى أنّ هناك سنوات سابقة كانت "أبرد" ، وكان الثلج يتساقط فيها مع نهاية تشرين الثاني وبداية كانون الأول، وكان يفتتح موسم التزلج في هذه الفترة، فيما تأخّر الموسم هذه السنة لما بعد رأس السنة الميلادية.

طقس شباط

وماذا عن طقس شباط؟ وفق كنج، ستكون بداية شهر شباط دافئة نسبيا وليست باردة، ولن تكون الحرارة تحت المعدّلات، بل ضمنها وربّما أعلى بقليل، وسيرافقنا الإستقرار بدءا من 6 شباط (الثلاثاء) حتى العاشر منه (السبت)، حيث يفترض أن يكون هناك تقلبات قليلة بأمطار خفيفة وتدن محدود بدرجات الحرارة، ولا يبدو أنّه سيكون هناك عواصف ثلجية في الجزء الأول من شباط، بسبب مرتفع جوي ضخم متمركز فوق دول شمال أفريقيا كليبيا وتونس وغيرها، سيدفع بالكتل الدافئة إلى منطقتنا، ويؤدي الى تقلّص الكتلة القطبية التي سترتفع عاليا، وبدل أن يحلّ الصقيع في أوروبا سيذهب نحو أميركا وكندا، وهذا ما يبدو عليه مسار الكتلة القطبية، وبالتالي ستنعم أوروبا بالدفء باستثناء الدول الإسكندنافية كالسويد والنرويج التي ستكون باردة.

ظاهرة "النينيو" 

هل ثلجنا مهدّد؟ برأي كنج إنّ أصعب ما يمكن أن يؤثر على ثلوجنا، هو أن ترتفع درجة الحرارة في شهر شباط بشكل كبير ما سيؤدي الى ذوبانها بشكل سريع، خاصة أنّ التراكمات الثلجية لا تزال ضمن مستويات 1800 م وما فوق، وإذا لم يبرد الطقس مجددا، وحافظت الثلوج على نوعيتها وتغذّت بموجة جديدة، سيبدأ الثلج بالذوبان تدريجيا، بعد أن كان يستمر حتى نيسان ليذوب تدريجيا ويغذي الينابيع، ويساعد المزراعين الذين يبنون البرك ويستفيدون منها في فصلي الربيع والصيف، لافتا إلى أنّه الخزان الطبيعي للمياه الجوفية بدل السدود، ومتأملا أن يكون هناك عاصفة ثلجية في شباط تقوي المخزون، على أنّنا سنكون بين 5 و12 شباط في الـzone الدافئة، وأورربا كلها، فالكتلة الباردة مرتفعة و في أقصى الشمال.

ما الذي يميز هذا الشتاء؟ تميّز هذا الشتاء، وفق ما ختم كنج، بتخطّي كمية الأمطار المعدلات في فترة قصيرة، وامتازت بالنمط المتطرّف، خاصة وأنّ هذه السنة هي من السنوات الحارّة، وظاهرة "النينيو" نشطة فيها، ما أدّى بطبيعة الحال إلى تواجد كميات كبيرة من البخار في الأجواء، وزاد من التطرّف المناخي.

آثار التغيّر المناخي:

حشرة "سيفالسيا تنورين"

يبقى السؤال: هل ما تم ذكره من تغيّر ملامح الشتاء هو نتاج التغيّر المناخي؟ أجاب المستشار في سياسات تغيّر المناخ والخبير البيئي وائل حميدان لـ"الديار" أنّ ما من أحد يستطيع أن يؤكد تغيّر المناخ في لبنان من دون إجراء دراسة علمية، لأنّه لا يمكن قياس تأثير تغير المناخ من سنة إلى أخرى، بل لمدّة 10 سنوات، "يعني بمعدل كل عشر سنين فينا نعرف إذا هذا تغيّر مناخ أم لا".

وجزم حميدان حدوث تغيّرات تمثّلت بتأخر بدء فصل الشتاء هذا العام، وبكمية الثلوج التي كانت أقلّ بكثير من المعدل، كما أصبحت كميّة وكثافة ووسع الرقعة الثلجية أقلّ بحسب دراسة علمية للجامعة اليسوعية، كما ارتفعت الحرارة ما أدّى إلى انخفاض كمية الثلوج، وتكاثر عدد كبير من الحشرات، مثل حشرة "سيفالسيا تنورين"، التي تتغذى على ابر شجر الأرز وتقضي عليه شيئا فشيئا، ولفت إلى أنّه في حال طال قصر الشتاء وطال الصيف أو العكس، فالتأثير في كلا الحالتين سيكون سلبيا على دورة الطبيعة المعتادة لعشرات آلاف السنين على نوع معين من الطقس.

وعما اذا كان هناك علاقة بين تغيّر المناخ والزلازل؟ ينفي حميدان ما يتم نشره عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن علاقة مباشرة بين تغيّر المناخ وحدوث الزلازل ، فالأخيرة تتعلّق بحركة قشرة الأرض، والمناخ والطقس لا يؤثران في حدوث زلازل، لكنه لفت في المقابل إلى وجود نظريات (غير مثبتة علميا) تقول بوجود علاقة غير مباشرة أو قريبة لناحية احتمال تسبب ذوبان طبقة الجليد في القطبين الشمالي والجنوبي وانخفاض ضغطها، بحدوث هزات أرضية، وهناك تأثير يتعلّق بالوقود الأحفوري. فما يحصل في بعض البلدان من حفر وتفتيت الصخور لاستخراج الغاز الحجري، يتسبّب بفراغات لم تكن موجودة سابقا تحدث نوعا من الارتدادات.

خلاصة القول... رغم "الهيصة التواصلية" التي رافقت منخفضات شتائنا الذي لم ينته بعد... لا نزال بعيدين عن القول إنّ شتاءنا "بيّضها"، ويبقى التعويل على منخفضات جديدة تمدّنا بالثلج والحرارة الباردة لحفظ مخزوننا المطري والثلجي، ولأنّ "شباط مهما شبط ولبط، تبقى رائحة الصيف فيه"، ننتظر ماذا سيخبىء لنا شهرا آذار ونيسان من ثلوج وأمطار!


الأكثر قراءة

عرب الطناجر...