اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

شاءت الأقدار وتاريخ غاشم، أن تولد أجيال فلسطينية متعاقبة، في ظل الاحتلال الإسرائيلي وما ترتب عنه من أثقال في حياتها. ومنذ ثلاثة أجيال على الأقل ونحن نسمع بتكرار كل يوم، عن قيام قوات "جيش الدفاع الإسرائيلي" باعتقال "مخربين" وهو الوصف الذي تعطيه إسرائيل، لمن يقاومونها من الفلسطينيين ومن معهم، وعن ايقاعه لجروح في جسد "مخربين أخرين" وعن تصفيته لـ "مخربين" داخل البلاد وخارجها.

لا المخربين كفو عن أن يكون لهم وارثين أكثر حيلة ودراية وبأسا من سابقيهم، ولا جيش الدفاع كلّ عن الاعتقال وإطلاق النار والتصفية الجسدية لمن يصنفهم كأعداء هنا وهناك، هذا عدا عن سلسلة الحروب الشاملة التي قام بها على الجسد الجماعي للفلسطينيين، المترافقة والمتوازية مع حروب قامت ضد معناهم، وانكار حقوقهم في بلادهم وفي الحياة العادية اسوة بباقي عباد الله على هذه البسيطة. والإنكار المعنوي لا يقل ضراوة إذا لم يفق، الإنكار المادي واشكاله المؤلمة.

قراءة الارقام والوقائع والنتائج تقول بدون الحاجة للاستعانة بباحثين في الشؤون الاستراتيجية والوجودية: لم يكن بمقدور اسرائيل وكل السياسات المنهجية التي اتبعاتها أن تقصي وتزيل وتقتلع الفلسطينيين من الزمن والتاريخ، ولا أن نضع حداً لمطالبتهم باستعادة حقوقهم المشروعة على اطلاقها، وقد ظلوا حقيقة راسخة لا يمكن تخطيها، بينما ظلت اسرائيل حقيقة قائمة قوية لكنها قلقة، عازها التجذر والرسوخ والقبول بها، رغم فائض قوتها ونفوذها واحلافها والظروف المواتية لها. وبالعين المجردة يمكن معاينة امر هام هو ببساطة، ليس هناك قوة لها قدرة مطلقة على ايقاع هزيمة استراتيجية نهائية لا بالشعب الفلسطيني ولا بفلسطين كفكرة وكدعوة. وعلى ما قال ادوارد سعيد يوما "إن الفلسطينيين يبدون كند لإسرائيل وان كان غير متكافئ" لكنهم ومعهم امتداداتهم يقطعون مسافة هامة في التشكل كند متكافئ.

***

لأجل فلسطين وخلاصها وانعتاقها، سارت على دروب المعتقلين الأوائل حشود من الفلسطينيين ومن غيرهم نحو السجون، وعلى طريق الجرحى الأوائل، يحمل مئات الألاف أثار جراحهم، ولم تفتقد فلسطين منذ تاريخ سبيها حتى الأبد، ظهور من يضحون بأنفسهم لأجلها ويستكملون طريق من سبقوهم.

السجون، والجراح والموت هي مصائر شاقة وصعبة ومؤلمة للناس، لا يختارونها إلا إذا كانت طريقا للخلاص من وضع وحالة قائمة، وبحثا مضنيا بطبعه عن حياة أخرى كريمة بما فيه الكفاية، لا سجون فيها ولا جروح ولا موت خارج المعتاد.

في سياق صراع معقد، كالذي يجري في فلسطين، تحولت السجون والجراح والمقابر التي جرى تصميمها كحيز يجري فيه إخماد كل من تعني له فسطين معنىً وقيمةً وإسكات صوته وفعله، لقوى محركة للتاريخ لها أثارها القوية فيه.

السجون والجراح والقبور وعبرتها، توفر بدورها للمعنين بالأمر، مجالا لدراسة الصراع ومجرياته وافاقه واحتمالاته، وخارطة الحقوق والآمال التي تحدو أطرافه. أما استثمار الاحتلال الإسرائيلي فيها فلم يفضي به لتحقيق أغراضه، بل إنه يواجه بشي من التكرار الذي يمضي بلا عبرة، عواقب ما فعلت يداه هناك. 

الأكثر قراءة

احتمالات التهدئة والحرب متساوية وواشنطن تضغط لهدنة مؤقتة! «مسوّدة» رسمية حول «اليوم التالي».. والجيش يتحضر لوجستيا ردود اسرائيلية «يائسة» على «الهدد 3» وتهويل بمواجهة وشيكة