اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

الأصعب من الحرب في الجنوب هو الاعتياد على الحرب في الجنوب، وكأن هذه البقعة الجغرافية مفصولة عن لبنان والدولة غير معنية بها، علماً أن هذه العبارة تحمل الكثير من علامات الاستفهام حول دور الشيعة في الدولة، وهم الذين يُقال انهم جزء أساسي منها ومن القرار فيها.

غريبة هي المعايير التي يتم اعتمادها خلال مقاربة ما يجري في جنوب لبنان وعلى أهله، فبينما تجنّد مجتمع العدو الاسرائيلي بكامله ليتحول الى مجتمع حرب، تستمر الحياة الرسمية وغير الرسمية في لبنان وكأن حرباً لم تكن، ومجازر لم تقع، وتدمير منهجي للبنيان والانسان لم يحصل، فهل كل هذا نتيجة ضعف المكون الشيعي في الدولة؟ أم أنه وصل الى مرحلة متقدمة من "الزهد" واللامبالاة؟

بعد وقوع مجزرة النبطية التي أودت بحياة نساء وأطفال من المدنيين، سارع وزير التربية والتعليم العالي الى نفي خبر عن إضراب في المدارس لأجل حداد لم يُعلن، ولو لتنكيس الأعلام التي تُنكس عند وفاة زعيم وغير ذلك، رغم علمه بأن نصف الجنوب لا يدرس في المدارس، بينما استمر عمل أحد اهم المسؤولين الرسميين في النبطية وكأن الأمور طبيعية، وهي ليست كذلك.

لا يوجد أي قرار وزاري رسمي يتمشى مع واقع الحرب في الجنوب، حتى خطة الطوارىء التي أعدت لم تنفذ لنقص في التمويل، فتُرك الجنوب وأهله لمصيرهم، والاعتماد على ما تيسر من مساعدات عبر أحزابهم وبعض الجمعيات، التي لا يتخطى عددها عدد أصابع اليد الواحدة. علماً أن البلد يضج بجمعيات تدعي وقوفها الى جانب اللبنانيين، كل اللبنانيين، ولكن يبدو بالنسبة للجنوبيين أن شركاء الوطن لا يزالون يتعاملون معهم كمواطنين درجة ثانية، تماماً كما كان الحال في زمن الاجتياح الاسرائيلي، وما تلاه من سنوات احتلال.

هذا التعامل المستغرب ينسحب على الجمعيات النسائية، فهذه الجمعيات التي يضج بها الاعلام والمحافل الرسمية عندما "تختلف" امرأة مع زوجها، لم تصدر بياناً بعد عن استهداف النسوة الجنوبيات، فغابت النسويات والجمعيات، وكأن الشهيدات من عالم آخر.

كانت عملية رفع الانقاض في النبطية مثالاً صارخاً على اهمال الدولة بأجهزتها للجنوب وأهله، فبواسطة معدات شبه يدوية، عمل عناصر الدفاع المدني التابع لكشافة الرسالة الاسلامية لثلاثة أيام متواصلة، وهم انفسهم الذين ينتقلون بين بلدة وأخرى لنقل الجرحى والشهداء.

يطالبون الجنوبيون برفض منطق سلاح المقاومة والانخراط في الدولة، ولكن الدولة بالمقابل تُثبت عند كل استحقاق غيابها عنهم، فتتركهم وحدهم، ما يجعلهم يتمسكون بمنطقهم الحالي، فلا شيء ولا أحد قادر على حمايتهم سوى مقاومتهم وصمودهم، وهم بذلك يعتبون على ممثليهم السياسيين أيضاً الذين يشكلون جزءاً من الدولة، فإما هؤلاء يدعون القوة فيها، وإما انهم مقصرون تجاه شعبهم. فهل يُعقل ألا يكون للقوي تأثير في قرارات وزارة تُمسك بزمام المساعدات وتوزعها وفق مصالحها القائمة على الطائفية والمذهبية والمناطقية؟

لسان حال الجنوبيين هذه الأيام يقول ان الدولة التي تنظر إلينا كمواطنين درجة ثانية لا يمكن أن تكون ملاذنا، والشريك الذي يُفترض أن يكون شريكاً يبحث عن مبررات قتلنا لتبرئة "اسرائيل"، فهذا الشريك لا يمكن أن يكون شريكاً.

من ضمن ما ستنتهي إليه الحرب هو مزيد من الشرخ بين الجنوبيين والدولة، وبين المواطنين ونظرائهم من المواطنين، الذين يستمرون في حياتهم وكأن حرباً لم تكن، ودماءً لم تُسفك، وعيونا لبنانية لم تبك.


الأكثر قراءة

احتمالات التهدئة والحرب متساوية وواشنطن تضغط لهدنة مؤقتة! «مسوّدة» رسمية حول «اليوم التالي».. والجيش يتحضر لوجستيا ردود اسرائيلية «يائسة» على «الهدد 3» وتهويل بمواجهة وشيكة