اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

يواجه لبنان تحديات كبيرة فيما يتعلق بجهود مكافحة تبييض الأموال (AML) وتمويل الإرهاب، في ظل أزمة إقتصادية خانقة وصراع سياسي مُحتدم ومواجهة مع العدو الإسرائيلي في الجنوب. وعلى الرغم من اتخاذ السلطات اللبنانية لبعض الخطوات للتعامل مع تحديات مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، إلا أن هناك نقصا كبيرا في هذه الخطوات تُظهر فجوة كبيرة في نظام مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، وقدرة الدولة اللبنانية ومؤسساتها على تنفيذ القرارات المُتخّذة.

إستحقاق مُنتظر

ويقف لبنان على فترة أيام وأسابيع من إستحقاق جديد يتمثّل بموعد إصدار مجموعة العمل المالي الدولي (MENA-FATF) تقييمها للإجراءات المُتخذة من قبل السلطات اللبنانية، وتحديد مستوى لبنان على مقياس مخاطر تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، ومدى إلتزام لبنان بالخطوات التي تعهّد بها أمام المجموعة في تشرين من العام الماضي، لتجنّب وضع لبنان على اللائحة الرمادية (إحتمال مُرتفع) أو على اللائحة السوداء (إحتمال ضئيل)، في حال تبين للمجموعة أن هناك عيوبًا كثيرة وخللا فاضحا يشوب نظام مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب في لبنان.

مُكافحة تبييض الأموال
في القوانين اللبنانية

ما يُسمّى بعملية «تبييض الأموال»، نصّت عليه المادّة الثانية في القانون 44\2015 التي عرفت تبييض الأموال على أنه «إخفاء المصدر الحقيقي للأموال غير المشروعة او إعطاء تبرير كاذب لهذا المصدر...»، أو « تحويل الأموال او نقلها، او إستبدالها أو توظيفها لشراء أموال منقولة أو غير منقولة، أو للقيام بعمليات مالية بغرض إخفاء، أو تمويه مصدرها غير المشروع، أو بقصد مساعدة أي شخص متورط في إرتكاب أي من الجرائم المنصوص عنها في المادة الأولى على الإفلات من الملاحقة، مع العلم بأن الأموال موضوع الفعل غير مشروعة».

وتعريف الأموال غير المشروعة حدّدته المادّة الأولى من القانون نفسه، بأنها الأموال الآتية من 21 نشاطًا غير مشروعًا هي: زراعة أو تصنيع أو الإتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية وفقاً للقوانين اللبنانية، المشاركة في جمعيات غير مشروعة بقصد إرتكاب الجنايات والجنح، الإرهاب وفقاً لاحكام القوانين اللبنانية، تمويل الإرهاب او الأعمال الإرهابية والأعمال المرتبطة بها (السفر - التنظيم - التدريب - التجنيد...)، أو تمويل الأفراد او المنظمات الارهابية وفقاً لاحكام القوانين اللبنانية، الإتجار غير المشروع بالأسلحة، الخطف بقوة السلاح أو بأي وسيلة أخرى، إستغلال المعلومات المميزة وإفشاء الأسرار وعرقلة حرية البيوع بالمزايدة والمضاربات غير المشروعة، الحض على الفجور والتعرض للأخلاق والآداب العامة عن طريق عصابات منظمة، الفساد بما في ذلك الرشوة وصرف النفوذ والإختلاس وإستثمار الوظيفة وإساءة إستعمال السلطة والإثراء غير المشروع، السرقة وإساءة الإئتمان والإختلاس، الإحتيال بما فيها جرائم الإفلاس الإحتيالي، تزوير المستندات والإسناد العامة والخاصة بما فيها الشيكات وبطاقات الإئتمان على أنواعها وتزييف العملة والطوابع وأوراق التمغة، التهريب وفقاً لأحكام قانون الجمارك، تقليد السلع والغش في الإتجار بها، القرصنة الواقعة على الملاحة الجوية والبحرية، الإتجار بالبشر وتهريب المهاجرين، الإستغلال الجنسي بما في ذلك الإستغلال الجنسي للأطفال، جرائم البيئة، الإبتزاز، القتل، والتهرب الضريبي وفقاً للقوانين اللبنانية.

التحدّيات التي تواجه لبنان

التحدّيات التي تواجه لبنان في هذا الإطار تُقسم إلى قسمين: تحدّيات إدارية وأخرى تنفيذية. فعلى الصعيد التشريعي يُمكن القول أن الإطار القانوني الموجود في القانون 44\2015 كافٍ وشامل للإمتثال للمعاهدات الدولية التي وقّع عليها لبنان (مثل معاهدة مكافحة الفساد التي وقّع عليها في 22 نيسان 2009). لكن المُشكلة تكمن في الخطّة الحكومية لتطبيق هذا القانون، وقدرة القضاء على أخذ القرارات الحازمة في هذا الأمر، وقدرة القوى الأمنية على تنفيذ المقررات الحكومية والقضائية.

ومن العوامل التي تقف عائقًا أمام السلطات اللبنانية للإمتثال الكامل للمطالب الدولية، يُمكن ذكر:

الأزمة الإقتصادية والمالية التي يعاني منها لبنان، والتي صنّفها البنك الدولي على أنها من إحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية في تاريخه، مما أدّى إلى تدهور قيمة الليرة اللبنانية، وخلق تضخم مُفرط وأزمة مصرفية خانقة، دفعت إلى حصر التعاملات التجارية والإدارية بـ «الكاش»، وهو ما أثار ويُثير مخاوف بشأن تبييض أموال وأنشطة مالية غير مشروعة.

إتهامات الفساد التي تطال بعض أصحاب القرار، والتي تُشكّل تضاربا في المصالح تجعل من الصعوبة على الحكومة والقضاء والقوى الأمنية من تطبيق المطلوب، والذي ينتج عنه قلة الشفافية والمساءلة، وبالتالي مخاوف من عمليات تبييض أموال وتدفقات غير مشروعة.

الشلّل السياسي الناتج عن الصراع على السلطة، والذي وعلى الرغم من إتخاذ لبنان لبعض الخطوات لمكافحة تبييض الأموال (تشريعية بالدرجة الأولى)، إلا أن الصراع السياسي يجعل من شبه المُستحيل تنفيذ القوانين المُقرّة في المجلس النيابي.

نقص هائل في القدرات المالية للدولة اللبنانية، مما يُصعّب من تحرّك الجهات المُولجة تطبيق القوانين.

الضغوطات الدولية

يعيش لبنان تحت ضغط متزايد من قبل المجتمع الدولي، سواء كان من دول أو حكومات أو نظام مصرفي عالمي (مصارف مراسلة) أو مجموعة العمل المالي الدولي، للتشدّد في تطبيق القوانين المرعية الإجراء لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، إلا أن النتائج لا زالت بعيدة عمّا هو مطلوب. وإذا كان لبنان سعى منذ العام 2015 (تاريخ إقرار القانون 44) إلى التعاون مع الشركاء الدوليين، بما في ذلك وكالات إنفاذ القانون الدولية ووحدات المعلومات المالية الدولية، لمكافحة غسيل الأموال وتعزيز الشفافية المالية، وشارك في التحقيقات المشتركة وتبادل المعلومات حول المعاملات المالية المشبوهة، إلا أن العوامل السياسية الداخلية تُشكّل عائقًا أساسيًا أمام الإلتزام الكافي لعدم نقل لبنان من اللائحة البيضاء أي لائحة الدول المُتعاونة في مجال مُكافحة تبييض الأموال، إلى اللائحة الرمادية أي لائحة الدول المُتعاونة جزئيًا. وهو ما يُتوقّع حصوله في الأيام والأسابيع القادمة، خلال التقييم الذي ستقوم به مجموعة العمل المالي الدولية (MENA-FATF).

تكرّرت وبشكل كثيف التحذيرات الدولية للبنان منذ تقرير البنك الدولي العام الماضي، عن أن إقتصاد «الكاش» والذي قدّره بـ 46% من إجمالي النشاط الإقتصادي، يُثير مخاوف جمّة عن إمكانية إستخدام النظام المالي لتبييض الأموال. ولعل أهمّ تحذير وصل إلى لبنان هو من الولايات المُتحدة الأميركية، التي ربطت بين تعثّر القطاع المصرفي وتوسّع إقتصاد «الكاش» من جهة، وبين مخاطر تبييض الأموال من جهة أخرى.

ومن التداعيات التي ستطال لبنان – في حال تمّ وضعه على اللائحة الرمادية – التشدّد في التعاملات التجارية والمالية الدولية مع لبنان، مع زيادة وقت كل عملية، بهدف التحقّق من مصادر الأموال وزيادة الكلفة على كل عملية، كما والتشدّد من قبل المصارف المراسلة التي لن تُعاود فتح الإعتمادات للإستيراد بسهولة، والتشدّد الكبير في التحاويل من لبنان إلى الخارج وحتى من الخارج إلى لبنان.

هذه التداعيات في ظل الأجواء القاتمة التي يعيشها لبنان، مع تهديد «إسرائيلي» قائم بتوجيه ضربة إلى لبنان، معطوفة على وضع إقتصادي ومالي تعيس وشلل سياسي قاتل، تزيد التعقيدات من الخروج من الأزمة الحالية، وتضع لبنان أمام خيار أوحد ألا وهو الإنغماس أكثر في إقتصاد «الكاش». 

الأكثر قراءة

العلويّون ضحايا العلويين