اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


"على خطى البطريرك اسطفان الدويهي"، سار 50 إعلامياً وإعلامية ومصوّراً برفقة طالِب دعاوى القدّيسين الأب بولس القزّي والوفد المرافق، يوم السبت في 11 أيّار الجاري، بدعوة من رعية إهدن زغرتا ومؤسسة البطريرك الدويهي، على الطرقات المقدّسة نفسها التي سلكها العلّامة الروحاني، الذي وُصف بالمؤسس الثالث للمارونية بعد مار مارون ويوحنا مارون في إهدن، كما زاروا عدداً من الكنائس والمواقع التاريخية، حيث تعمّد الدويهي وأطلق رسالته التعليمية المسيحية منها الى لبنان والعالم.

 وبعد أن وقّع البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي على الصورة الرسمية التي ستعتمد لتطويب المكرّم الدويهي، زفّ الخوري القزّي الخبر المفرح للبنانيين عن "أنّ حفل تطويب المكرّم الدويهي سيجري عند الساعة الثامنة من مساء يوم الجمعة الواقع فيه 2 آب المقبل في بكركي، في حضور الموفد البابوي وفاعليات سياسية ودينية وكهنوتية وإعلامية، ويتوقّع أن يُشارك فيه نحو 20 ألف شخص".

انطلقت زيارة الحجّ المقدّس من بكركي الى الأماكن التي وُلد وعاش فيها البطريرك اسطفان الدويهي في إهدن وزغرتا ، حيث وقّع البطريرك الراعي على الصورة الرسمية التي ستعتمد لتطويب الدويهي باللغتين العربية والفرنسية، أمام الوفد الإعلامي في حضور المطران أنطوان عوكر والأب قزّي. وهذه الصورة هي للبطريرك الدويهي عندما كان في المدرسة المارونية في روما من 100 سنة. وفي كلمته المقتضبة أثنى الراعي على دور الاعلاميين في نقل الرسالة الروحية والوطنية بكل أمانة، سائلاً الله بشفاعة الطوباوي الجديد أن يحميهم وعائلاتهم ومؤسساتهم لإكمال مسيرتهم بكل امانة وإخلاص، وأعطاهم بركته. ثم تسلّم البطريرك الراعي من الأب القزّي الكتاب الأخير من ملف دعوى التطويب.

البحث عن رفات الدويهي

ثم انطلق الإعلاميون برفقة الأب القزّي في زيارة الحجّ إلى الأماكن التي ولد فيها وعاش البطريرك المكرّم في زغرتا وإهدن. ولدى وصولهم الى بلدة الدويهي، عقد مؤتمر صحافي تحت عنوان "حضورك بإهدن نعمه وبركة"، شرح خلاله المؤتمرون المراحل التي رافقت درب تطويب البطريرك الدويهي.

وأكد النائب البطريركي العام على منطقتي جبّة بشرّي وزغرتا- إهدن المطران جوزيف نفاع في مداخلته أن "هذا الحدث الذي نعيشه اليوم هو فريد في نوعه، ونحن اجتمعنا كي نضع بين ايديكم حصيلة ثماني سنوات من البحث المتواصل، وصولا إلى مرحلة إعلان التطويب". وقال "إنّ عملية البحث عن رفات البطريرك الدويهي كانت شاقة ومعقدة، إلا اننا وبإيماننا استطعنا تحديد رفاته التي أصبحت الآن موجودة في مدفن خاص داخل كنيسة مار جرجس في إهدن". وختم: "كانت مهمة صعبة، وعملنا بإذن من البطريرك الراعي ومساعدة وزارة الثقافة حتى استطعنا ان نتعرف الى عظام البطريرك الدويهي، انها مرحلة البحث عن إبرة في كومة قش، فعلاً نحن شعب عظيم".

من جهتها، تحدثت عالمة الآثار والأنتروبولوجيا الدكتورة ندى الياس عن البحث عن الرفات قائلة: "في ربيع العام 2018 جرى إطلاق عملية البحث عن رفات البطريرك الدويهي في مدفن القديسة مارينا. وشملت الترتيبات الأثرية التي جرت في مدفنها، حيث وجدت كومة عظام من دون اي ترابط مفصلي، تم نقلها جميعا إلى الكرسي البطريركي في الديمان. ومن هناك وفي مختبر خاص أُنشىء لهذه الغاية، بدأت مرحلة تجميع الجثامين عبر فحص الحمض النووي لـ 44 شخصاً. واستطعنا الوصول إلى  38 شخصاً كاملا، من بينهم رفات البطريرك الدويهي".

وعبّر عالم الأحياء البروفسور بيار زلّوعة عن سروره بالعمل مع المجموعة على توثيق تاريخ بطريرك من إهدن يفتخر لأنّه من بلدته وقال: "لقد كان مشهد العظام المتراكمة فوق بعضها بعضا مريباً جداً، ولكن مع وجود الايمان لا شيء صعب، وتمكنا بعد عمل دؤوب من التوصل الى تحديد جثمان البطريرك الدويهي".

معنى الذخائر والتقديس

وفي مداخلته قال طالب الدعوى الأب القزّي: "نريدُ أنْ يعرِفَ العالم كله، من خلالِكُم يا أهل الإعلام، أنَّ لبنان لا يُصدِّرُ حروبًا بل سلامًا، فلبنانُ أرضُ قداسة ومحبّةٍ وسلامٍ وفرح، ورائحة البخور المنبعثة من وادي القدّيسين ومن كنائِسِهِ أقوى من رائحة البارود، وحرارةُ قداسته أقوى من حرارة نيران الحرب، وشعبيّة قديسيه ومحبّوهم أوسع بكثير من شعبيّة وجمهور أي قائد وزعيم".

وأوضح: "إنّ التقديس 3 أنواع هي:

-  النوعُ الأوّلُ هوَ الذخائرُ أي ما يؤخَذُ من جسدِ القدّيسِ وعظمهِ ودمه.

-  النوع الثاني: هو كلُّ ما استعملهُ القدّيسُ في حياتهِ من ثيابٍ وأدواتٍ وأفرِشَةٍ وأوراقٍ وأقلامٍ وما شابَهَ، فكُلُّها تصبحُ مقدّسةً.

-  أمّا النوعُ الثالثُ: فهوَ كلُّ ما لمسَهُ جَسَدُ القدّيسِ ، بمعنى أنّ رفاتَهُ ورمادَ تابوتِهِ إذا لامست رفاتَ شخصٍ آخرَ، يُصْبِحُ هذا الآخرُ بدورِهِ مقدَّسًا.

من هنا، يضيف الاب قزي "نرى المؤمنينَ يُقبِلونَ على اقتناءِ ذخيرةٍ أو على لمسِ جدارِ قبرِ قدّيسٍ أو سوى ذلِكَ للتبرُّكِ، لأنّهُم يُدرِكونَ في قلوبِهِم وعقولِهِم أنَّ ما يلمسونَهُ مقدّس".

وتحدث وزير الاعلام في حكومة تصريف الأعمال زياد المكاري بدوره عن أهمية التطويب، داعياً الاعلاميين الى "نقل الصورة الجميلة عن لبنان، والتي تعطي أملاً للبنانيين ليبقوا متشبثين بأرضهم".

وفي الختام، كانت كلمة للخورأسقف اسطفان فرنجية، تحدث فيها عن برنامج رحلة الحج، شاكراً للاعلاميين تلبيتهم الدعوة وتعاونهم.

أماكن مقدّسة

ثم كانت جولة ميدانية على الأماكن المقدسة التي خدم فيها المكرّم، والكنائس والأديرة التاريخية في إهدن، من التي تعمّد فيها وصولاً الى التي أقام فيها نشاطات روحية أو علّم فيها.

بداية كانت وقفة في كنيسة مار جرجس ، حيث ستوضع ذخائر البطريرك الدويهي وتكون  كالقبر الأخير لرفاته.

تلتها زيارة كنيسة مار ماما الأثرية، والتي تُعتبر أقدم كنيسة مارونية في لبنان تعود للعام 749. وتحتوي على نقوش قديمة وكتابات باليونانية والسريانية.

بعدها، كانت جولة على المراكز التي تشير الى تأسيس الدويهي للرهبانيات في دير القديسة مارت مورا، ومدرسة الأحداث في دير مار يعقوب الأحباش، ثمّ دير مار سركيس وباخوس للرهبانية الأنطونية، حيث سيم كاهناً في العام 1656، وصولاً الى كنيسة سيدة الحصن التي أنشئت حديثاً.

أعجوبة الشفاء

وأمام تمثال البطريرك الدويهي في وسط إهدن، كانت وقفة للإعلاميين حيث أدلت السيدة روزيت الدويهي كرم بشهادة حيّة عن كيفية شفائها على يدّ البطريرك الدويهي منذ 10 سنوات من مرض في المفاصل جعلها عاجزة عن الحراك. وبمجرّد تناولها فنجانا من القهوة مزجت فيه سيّدات الرعية حبّات من التراب من مكان وجود التمثال، استعادت قوّتها وعافيتها. وقد شرحت تفاصيل هذه الأعجوبة التي كانت سبباً في نقله من درجة التكريم إلى درجة الطوباوية.

 وبعد الغداء في بيت الكهنة في أهدن، كان لقاء استراحة في دارة نائب رئيس مؤسسة البطريرك الدويهي النقيب جوزيف رعيدي، الذي قام بتوزيع كتب عن حياة الدويهي ومسيرته الدينية نحو التطويب والقداسة. ومن هناك اعلن الخورأسقف فرنجيه بعد تشاوره مع الاعلاميين عن تأجيل زيارة وادي قنوبين الى يوم آخر نظراً لضيق الوقت. وهذا يعني أنّه ستُنظّم جولة ثانية للإعلاميين الى وادي قنّوبين لزيارة الضريح الأول للبطريرك الدويهي في مغارة القديسة مارينا، وزيارة كنيسة دير سيدة قنوبين حيث صورة العذراء المنحوتة على الحائط.

من هو اسطفان الدويهي؟

اسطفان الدويهي السائر على درب القداسة من لبنان الى العالم، بحسب ما روى الأب القزّي، هو ابن الشدياق مخايل الدويهي، والحاجة مريم الدويهي. وُلد في إهدن (التي كان يعتبرها "الفردوس الأرضي") في عيد أول الشهداء إسطفانوس في 2 آب من العام 1630.  وكتلميذ من تلاميذ "تحت جوزات مار بطرس"، سرعان ما ظهرت عليه علامات التفوّق والتقوى والذكاء، فحاز إعجاب معلّميه. شعر باكراً بدعوته الروحية، وقرّر تكريس نفسه في خدمة السيّد المسيح، وجرى إرساله الى المدرسة المارونية في روما وهو بعد في الحادية عشرة من عمره. وكان أن فَقَد بصره هناك بسبب الدرس في الليل، فتضرّع للعذراء مريم لتشفيه، وكانت الأعجوبة أن استجابت العذراء لصلواته فعاد بصره سليماً. فأكمل نهل العلم بحماسة أكبر، فنال شهادة في الفلسفة واللاهوت...

بعد 14 عاماً في روما، تدرّج خلالها كمرسل وقارىء وشدياق وشمّاس، عاد الى لبنان وباشر الوعظ والتدريس، وأنشأ مدرسة مجانية في دير مار يعقوب الأحباش في إهدن... ثمّ وضع سلسلة كتب عن المارونية والتطوّر التاريخي للبنان. وبدأت مسيرته في كتابة اسمه في السجّل الذهبي للموارنة في لبنان، كأحد مرسلي مجمع انتشار الإيمان في الشرق، ثمّ مطراناً في دير سيدة قنّوبين، ومطراناً على أبرشية نيقوسيا في قبرص، ليُصبح بعد ذلك بطريركاً على أنطاكية في دير سيدة قنّوبين.

عُرف ككاهن بتقشّفه وبتواضعه، وباهتمامه بالصغار وبتعليمهم، وبعطفه على الفقراء، وبزيارته للمرضى والمتألمين. وفي العام 1657 أوفده البطريرك السبعلي مرسلاً الى حلب حيث عمل على جمع شمل المسيحيين وإعادة الجموع من اليعاقبة الى حضن روما. عرف شهرة واسعة هناك من خلال عظاته في كنيسة مار الياس المارونية واستطاع خلال 5 أشهر ترسيخ الإيمان الكاثوليكي في هذه الأرجاء.

عاش في حبريته كبطريرك الاضطهادات التي أرغمته على ترك مقرّه البطريركي تسع مرات متنقّلاً الى كسروان والشوف. وكان يستغلّ دروب التشرّد  ليواصل كتابة مؤلّفاته في العراء والمغاور. وفي إحدى المرات كاد يموت برداً وهو مختبىء في ظلّ صخرة. كما كان يراسل الفاتيكان وينقل للكرسي الرسولي ما يعانيه الموارنة من مصاعب ويطلب دعم الكنائس الشرقية التي أرادت العودة الى الكنيسة الجامعة. وتمكّن من تحقيق انفتاح الشرق على الغرب. وأسّس مطبعة في روما، وأنشا مدارس ومكتبات عديدة في لبنان وحلب وقبرص. ترك وراءه عشرات المؤلّفات منها: "منارة الأقداس"، "ردّ التهم ودفع الشُبَه"، "تاريخ الأزمنة"، و"تاريخ الطائفة المارونية". ولتعزيز الانتشار كرّس الدويهي 27 كنيسة، واشترى الكثير من الأملاك لوقف البطريركية، ورَسم 14 أسقفاً... وفي نيسان 1704 شعر بقرب نهايته، فتضرّع الى القديسة مارينا بأن يُدفن فيها الى جانب أسلافه البطاركة في قنّوبين. وهذا ما حصل فعلاً.

من عجائب البطريرك الدويهي أنّ صخرة كبيرة تدحرجت بسبب حريق شبّ في وادي قنّوبين. إلّا أنّه رفع يمينه ورسم إشارة الصليب قائلاً: "اتهدّي يا مباركة"، فتسمّرت في مكانها، ولا تزال الى الآن. وفي بكفيا أخذ والد صبي يُنازع الموت تراباً من تحت أقدام الدويهي ومزجه بالماء، فشرب الصبي وشُفي على الفور. كما قام بعجائب أخرى سُجّلت بطلب دعوى تقديسه التي يتابعها الأب القزّي مع الكرسي الرسولي.

الأكثر قراءة

صرخة معلولا: أيّها الأسد أنقذنا