اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب
في عالمٍ يعج بالأحداث ويتلاقى فيه السياسي بالإعلامي، تظهر بين الحين والآخر قصص تستحق الانتباه، حتى لو كانت قد مرت بالفعل في الماضي. ومن بين هذه القصص، تبرز قضايا سابقة تعود لتتصدر عناوين الأخبار ووسائل التواصل الاجتماعي مجددا، مما يعيد للأذهان تفاصيلها ويثير التساؤلات حول أبعادها ودوافعها.

في هذا السياق، بات القرار الظني الصادر عام 2015 في قضية مقتل الصحافي السوري الشهير محمد ضرار جامو، يتداول مجددا على نطاق واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مثيرا الجدل والاهتمام بشكل مفاجئ. ورغم مرور سنوات على إصدار هذا القرار، إلا أنه يظل مصدر اهتمام للجمهور، مما يدفعنا إلى الوقوف مجددا عند تفاصيله وتداعياته.

فما الذي يمكن أن يجعل قضيةً مثل هذه تعود لتتصدر عناوين مواقع التواصل الاجتماعي بعد سنوات من صدور الحكم؟ هذه التساؤلات تثير فضول الجمهور، وتجعله يتابع عن كثب تطورات القضية، مما يبرز أهمية إلقاء الضوء عليها من جديد.

في عالم يتسم بسرعة تغيّر الأحداث وانتشار الأخبار عبر الشبكات الاجتماعية، يبقى من الضروري متابعة تفاصيل القصص السابقة وتسليط الضوء عليها مجددًا، لفهم أبعادها الحقيقية وتعلم الدروس المستفادة منها. ومن هنا، تأتي أهمية إعادة النظر في القضايا القديمة وتسليط الضوء عليها بشكل جديد، لتذكيرنا بأن ماضينا يحمل دروسا قيّمة يجب ألا ننساها، وأن العدالة لا تنام ولا تنسى، مهما طال الزمن.

فعندما يتشابك عالم السياسة بألوانه المتناقضة مع عالم الإعلام والشهرة، تتناغم الأحداث وتتقاطع الأقدار لتخلق سيناريوهات تفوق الخيال. هذه ليست مجرد قصة سياسية عابرة، بل هي قصةٌ تحمل في طياتها أسرارا مظلمة ومفاجآت لم تخطر ببال. في عالمٍ يتقاطع فيه الحقيقة بالخيال، وتتلاقى الأحداث بين المشاهير والمخفيين، يتجسد لنا مشهد مثير لمصير شخصية سياسية بارزة، يلفها الغموض والتساؤلات، وتتقاطع طرقها مع عوالمٍ مظلمة من الانتقام والخيانة.

فبعد عودته إلى المنزل، نُصب كمين محكم للسياسي والصحافي السوري الشهير محمد ضرار جامو، حيث اخترقت أكثر من 25 رصاصة جسده، ليلفظ أنفاسه الأخيرة على مدخل منزله. بعد 25 سنة قضاها في لبنان، ودعت بلدة الصرفند جامو، الذي انتهت حياته بطريقة مأساوية. كان جامو صحافيًا ومحللاً سياسيًا بارزًا، ورئيس الدائرة السياسية والعلاقات الدولية في المنظمة العالمية للمغتربين العرب، وُلد عام 1969، وكان متزوجًا من اللبنانية سهام يونس وأبًا لفتاة وحيدة.

وقبل ساعات من اغتياله، ظهر جامو على قناتي المنار وOTV، مما جعل الجميع يعتقد أن دوافع الجريمة سياسية، نظرا للتهديدات التي كان يتلقاها بسبب آرائه السياسية المدافعة عن النظام السوري. ومع انتشار خبر الاغتيال، كانت التكهنات تشير إلى أن الدوافع سياسية. ولكن، كشفت التحقيقات لاحقا عن مفاجآت صادمة أبعدت هذه الفرضية، وبدأت خيوط الجريمة تتكشف، ليتبين أن الدوافع عائلية.

أما سهام يونس، زوجة جامو التي ظهرت في كل وسائل الإعلام متشحة بالسواد وتبكي على زوجها، تم توقيفها بعد أيام قليلة من تشييعه في سوريا كمتهمة رئيسية بقتله. خلال التحقيقات، فجرت سهام مفاجآت أوضحت ملابسات الجريمة. اعترفت أن زوجها كان يعاملها بشكل سيء، حيث كان يدخل عليها ويضربها، ويذهب إلى سوريا ويتركها لأيام وحيدة في المنزل مع ابنتهما. وأشارت إلى أن معاملته لها في الفترة الأخيرة أصبحت باردة، مما دفعها للشك في أنه على علاقة مع نساء أخريات. كل هذه الأسباب دفعتها للتفكير في التخلص منه نهائيا.

وقبل يومين من الجريمة، أخبرت سهام أخاها بديع يونس وابن أختها علي يونس عن فكرتها أثناء تواجدهم في بيت أهلها. رفض بديع أن يقتل صهره بيديه، بينما وافق علي بعد أن أغرته سهام بمساعدة مادية. بهدف تحقيق المؤامرة العائلية، توجه بديع وعلي إلى منزل سهام يونس يوم الثلاثاء 16-7-2013 حوالي الساعة 3:15 ظهرًا ليخططوا لجريمتهم. المفاجأة كانت أن التخطيط والتحضير تم بحضور ومشاركة ابنة جامو القاصر، "فاطمة". بعد طرح ثلاث خطط، استقر الرأي على تنفيذ خطة فاطمة.

فعند عودة جامو إلى منزله، نزلت سهام لتساعده في حمل الأغراض بعدما عطلت كاميرات المراقبة الموجودة حول البيت. فور دخول جامو إلى منزله، فاجأه علي برشقات نارية حتى أفرغ السلاح من ذخيرته. بحسب الخطة، دخل علي إلى غرفة فاطمة وسلم السلاح لبديع، الذي وضعه بجانب فاطمة المتظاهرة بأنها فاقدة للوعي، وتم لفها بشرشف بحجة نقلها إلى المستشفى. بهذه الطريقة التكتيكية، تمكن الثلاثة من الانسحاب من مسرح الجريمة، وأخذوا مفتاح السيارة من سهام وتوجهوا إلى منزل بديع وأخفوا السلاح في خزان الماء.

سهام وبديع وعلي اعترفوا بمسؤوليتهم عن الجريمة، بينما نفت فاطمة اشتراكها في عملية قتل والدها، وقالت للمحققين إنها كانت نائمة لحظة الحادثة، لكن "داتا" الاتصالات كشفت أنها كانت على تواصل مع صديقها قبل دقائق من إطلاق النار على والدها.

وفي يوم الخميس، الأول من آب عام 2013، أحضرت القوى الأمنية علي يونس، ابن أخت سهام، إلى منزل جامو في الصرفند لإعادة تمثيل الجريمة بحضور مدعي عام الجنوب القاضي سميح الحاج والأمنيين المعنيين. خلال شرح علي كيفية تنفيذ الجريمة، لم يكن نادما بل كان فخورًا بجريمته، وقال:"هذا شرف رأسي مرفوع ولا أخاف، ولا أحد يعرفه لجامو".

فقد استفادت سهام من مكانة زوجها الإعلامية ورأيه السياسي لتنفيذ جريمتها بحرفية. وماذا يوجد أفضل من السياسة لإبعاد أصابع الاتهام عنها؟ فبالرغم من محاولة تضليل وطمس الحقائق عبر وضع سيناريو الاغتيالات السياسية، أثبتت التحقيقات تورط سهام يونس بشكل مباشر في عملية قتل زوجها الصحافي السوري محمد ضرار جامو. وتبيّن أنها خططت لعملية اغتياله عن سابق تصور وتصميم بمساعدة أفراد عائلتها، ليظهر أن أشد أعدائه كانوا الأقرب إليه.

وبناءً على التحقيقات والأدلة، أصدر قاضي التحقيق الأول في الجنوب منيب بركات قراره الظني في القضية، وطلب الإعدام لزوجة جامو سهام يونس وابن أختها علي خليل يونس وفقًا للمادة 549 من قانون العقوبات. كما طلب العقوبة نفسها لأخ سهام بديع محمد يونس وابنتها فاطمة جامو لتدخلهما في الجريمة، سندًا للمادة 549 معطوفة على المادة 219 من قانون العقوبات.