اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

يَستمر وفد صندوق النقد الدولي في زياراته إلى لبنان للقاء المسؤولين اللبنانيين لعله يستشف منهم أقله أي نية بالسير بالإصلاحات المطلوبة والإجراءات المسبقة التي فرضها الصندوق من أجل إبرام اتفاق نهائي معه يمنح بموجبه لبنان ٣ مليارات دولار.

لكن لا يبدو أن الصورة تغيرت لا نيةً ولا أفعالاً والسبب معروف مجهول وممثلو الصندوق ممتعضون من تقاعس القوى السياسية عن القيام بأي خطوة باتجاه الإصلاحات وهم على قناعة بأن إقرار الحكومة لمشروع معالجة أوضاع المصارف، سيكون نصيبه النوم في أدراج المجلس النيابي وأنَّ القِوى السياسية ليست جاهزة لمعالجة ملف توزيع الخسائر. فقد وصل الأمر بأحد موظفي الصندوق ليقول صراحةً: “لماذا لا يبادر أيّ من المسؤولين السياسيين إلى مصارحة المودعين بأن الأموال لن تُدفع في المدى المنظور؟ فمن اللافت رؤية أن اللبنانيين يتعايشون مع ما حصل بينما المسؤولون لا يبدون اهتماماً بالتقدّم خطوة في اتجاه الأمر”.

وكان وفد صندوق النقد برئاسة ارنستور راميريز ريغو، زار رئيس مجلس النوَّاب نبيه برّي ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، ثم وزير المال يوسف الخليل وبعدهما حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري. وعلى الغداء، كان وفد الصندوق ضيفاً على مائدة مجموعة من أصحاب المصارف، وناقش معهم الكثير من التفاصيل التي تتمحور حول خطّة معالجة أوضاع المصارف.

وكذلك التقى وفد الصندوق النواب جورج عدوان وابراهيم كنعان وفريد البستاني.

وتشير المعلومات إلى أن الصندوق تلقّى الكثير من الرسائل السياسية والمصرفية التي تطلب منه التدخّل وممارسة الضغوط على القوى السياسية من أجل وضع خطّة عملانية تتضمن بندين أساسيين: معالجة أوضاع المصارف، وتحريك النشاط الاقتصادي. وتحدّث الوفد عن أن مهمته باتت تقتضي إقناع مجلس النواب بالتعاون مع الحكومة من أجل إقرار مشروع جديد لمعالجة أوضاع المصارف (إعادة هيكلتها ضمناً). تطرّق النقاش بحسب المصادر إلى أن النسخة الأخيرة من المشروع التي أُعدّت بين ثلاثة أطراف: مستشار رئيس الحكومة نقولا نحاس، نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي، حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري، لم تبصر النور لأنها ليست صالحة، ولا سيما أنّ لدى منصوري تحفّظات عنها.

فإلى متى سنبقى في هذه الدوامة وإلى متى سيبقى الاتفاق مع صندوق النقد مجمداً وإلى متى سيبقى لبنان غارقاً في أزماته في غياب أي خطوة إصلاحية تخرج الاقتصاد من غرفة الإنعاش لتعود له الحياة.

في السياق يقول الكاتب والباحث في الشؤون الماليَّة والاقتصاديَّة البروفسور مارون خاطر في حديث للديار:

"ليست زيارة وفد صندوق النَّقد سوى تتمة، لا بل امتداد لاجتماعات الرَّبيع السَّنوية لصندوق النَّقد الدُّوَلي والبنك الدُّوَلي التي شَكَّلَت مناسبة لِتَصدير التَصَدُّع والانقسام الذي يَعيشه لبنان إلى المَحَافِل الدولية بشكلٍ محزن لا بل مخجل. فهناك كما هنا يحضر المشاركون وتَغيب الدَّولة الجامعة برؤيتها وخططها وأركانها الاصيلين باستثناء القليل منهم". وقال خاطر: "في واشنطن خرقت بَعضُ الاجتماعات ذات البُعد التشريعي المَشهَد الذي بَدا بِمُجمَلِهِ أقرب إلى استعراضات أسواق الخضر وجَولات تقديم واجب العزاء وحفلات الهَذَيان والثَّرثَرَة المُعتادة التي تَليها بيانات النَّفي واتهامات الاجتزاء فما الذي يمكن أن يتغيَّر بعد أيام قليلة وماذا سيكون الفارق بين اجتماعات واشنطن واجتماعات بيروت؟ ".

وتابع خاطر: "في واشنطن إنكَبَّ بَعضُ الزَّائرين على البَحث عن تَمويل لبرامج محددة، فيما حاول البَعض الأخر استجداء دَفعٍ لِخُطَطِهِ "الانشطاريَّة" التي غَسَلَ الجميع يَدَيهِ مِنها حَتَّى هو نفسه. أمَّا مَن لَهُ التفويض قانوناً بالبحث في مآل الاتفاق مع الصندوق فَكان منشغلاً بما يعتبره ضرورة لإبعاد كأس التَّصنيف الرمادي عن لبنان والذي لم ولن تُبعِده الحكايات والروايات في ظل غياب الإصلاحات والتصريحات ذات المغالطات الكثيرة. فالسياسة هي من تَكَفَّلَ وسَيَتَكَفَّلُ بإبعاد شبح هذا التصنيف إن كان هناك من إمكانيَّة لإبعاده عبر تأجيله مرَّةً جديدة. فما الذي قد يجعلُ لقاءات بيروت مُختلفة عمَّا سَبَق؟"

وأشار البروفسور خاطر إلى أنَّ "أبرَزَ ما رَشَحَ عن لقاءات واشنطن ذات الطابع السياحي الاجتماعي البروتوكولي، وما قد يرشَح عن لقاءات بيروت إنَّما يَدُلُّ على أمرين أساسيَّين لا ثالِثَ لَهما. الأمر الأول يَتَمَثَّل في كَون الانتقادات التي تناولَت مُقاربة الحُكومة لِمَوضوع عَودة الانتظام المَالي وإعادة هَيكَلَة المَصارف وَصَلَت إلى صندوق النَّقد الذي باتَ على بَيّنة من أنَّ مَوضوع تَصنيف الوَدائع "مؤهَّلة" و "غير مؤهَّلة" لن يَمُرّ كما لَن يَمُرَّ أي شَطب للودائع "المُقَدَّسة" في العَلَن و"المستباحة" في الخَفاء. أمَّا الأمر الثاني فَيَقينٌ أنْ لا خَلاص لِلُبنان دونَ عَودَة المؤسسات وتَفعيل العَدالة والمحاسبة ايذاناً ببدء تطبيق الإصلاحات. إلا أن العبور إلى الدولة قد يُقصي الكثيرين ممن يحكمون البلد اليوم مما يجعلنا نتخوف من أن تصبح المراوحة وشراء الوقت أداة مستدامة لتأجيل النهوض ولضمان الإطباق على الدّولة.

ويتوقع خاطر أن يبقى الاتفاق مع صُّندوق النَّقد مجمّداً بانتظار تشكيل حكومة أصيلة مَنوطٌ بها إبرام الاتفاقات وتكون قادرة على إيجاد خُطَّة شامِلَة للنهوض قابلة للحياة تُشَكِّل بديلاً عن الخُطَّة الحاليَّة التي وَضعها حكام لبنان العِظام ولم يهملِها الصُّندوق كما يُشيع عرَّابوها. في سياق متصل يشير خاطر إلى أن صندوق النقد يطلب إدخال تعديلات على الاتفاق المبرم مع لبنان مما يؤكد حال المراوحة بانتظار انتظام عمل المؤسسات ووجود نيَّة حقيقيَّة للإصلاح.

الى أن يَحين ذلك اليوم، يتخوف خاطر من أن يَبقى لُبنان أسير أزمته المرتبطة عضوياً بأزمات المنطقة المتلاحقة مستنفذاً قدرات اقتصاده وما تَبَقَّى مِن مؤسساته دفاعاً عن خيار "الذَّوبان" ورفضاً لخيار "التَّمايز".

الأكثر قراءة

نتائج زيارة هوكشتاين لاسرائيل: تقدم وايجابية ومجازر وتدمير؟! نتانياهو يراهن على الوقت لفرض هدنة مؤقتة مرفوضة لبنانيا الجيش الاسرائيلي منهك... ولا بحث بتجريد المقاومة من سلاحها