اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


يعتبر الأب حجر الزاوية في حياة الأسرة، حيث يلعب دورا محوريا في ضبط وارشاد حياة أبنائه. فالأبوة ليست مجرد علاقة بيولوجية، بل هي رابطة عاطفية ومعنوية تتجاوز التوقعات التقليدية لتشمل الحب، الدعم، والتوجيه. وتتجلى أهمية الوالد في قدرته على توفير الاستقرار والأمان، وغرس القيم والمبادئ التي تساعد الأبناء على النمو والتطور بشكل سليم، من خلال تواجده الفعّال ومشاركته الحقيقية. وهو يعزز من الثقة بالنفس والاعتماد على الذات لدى أبنائه، مما يمكنهم من مجابهة التحديات الواقعية بعزيمة وثبات. لذلك الاباوة، مسؤولية نبيلة تتطلب التفاني والالتزام من أجل تحقيق تأثير إيجابي ومستدام في عيشة الاولاد.

العامود الأساسي

مما لا شك فيه ان الوالد يحتل مكانة مميزة في حياة أولاده سواء الفتيان او الفتيات، حيث يؤثر بشكل كبير في نموهم وتطورهم النفسي والاجتماعي. لذلك هو أول نموذج للرجال بالنسبة للفتاة، مما يساعدها على بناء توقعاتها وفهمها للعلاقات المستقبلية. لان الحب والدعم الأبوي يعززان من ثقتها بنفسها ويؤثران في تصورها لذاتها، مما يوطد شعورها بالاستقرار النفسي والأمان العاطفي.

بالموازاة، يعد الاب مثالا يحتذى به بالنسبة للصبي، ويجاريه في تدعيم هويته الذكورية وفهم دوره في المجتمع، وهذه العلاقة المتينة تقوي من ثقة الولد بنفسه وتساعده في بناء شخصيته. لذلك هو يلعب دورا اساسيا في تصويبه وتقديم المشورة له فيما يتعلق بالخيارات المهنية والحياتية، ويؤيده لينفّذ أهدافه وطموحاته.

صورة طبق الأصل عن الوالد!

وفي الإطار، هناك عدة نظريات ونماذج نفسية تشير إلى أن الفتاة قد تختار رجلا على نسق والدها، وذلك يعود إلى النفوذ العاطفي والنفسي العميق الذي يمارسه الأب في حياتها. ومن بين هذه النظريات التي توضح هذا الارتباط:

1. نظرية النموذج (Imago Theory): اقترحها هارفي هندريكس، وتنص على أن الناس يميلون إلى اختيار شركاء لديهم صفات مشابهة لأولياء أمورهم لأنهم يبحثون عن إعادة تكرار ديناميكيات العلاقات التي عاشوها في طفولتهم من أجل حل القضايا غير المحلولة والنمو العاطفي.

2. الارتباط النفسي (Psychodynamic Perspective): ضمن المنظور النفسي الديناميكي، خاصةً عند فرويد، يعتقد أن الفتاة قد تطور ارتباطاً قوياً مع والدها خلال مرحلة النمو الأوديبي، مما يؤثر في اختياراتها في العلاقات المستقبلية. على الرغم من أن هذا النموذج قديم وقد تم انتقاده، إلا أنه يوفر بعض الفهم لكيفية انعكاس التجارب المبكرة على الصلات البالغة.

غرس القيم!

من جهتها، قالت الاختصاصية النفسية والاجتماعية الدكتورة غنوة يونس لـ "الديار" "لقد ظهرت منذ بداية تطور علم النفس، فرضيات عديدة تتناول سلطة الأبوة في الرجل. ورغم التركيز الشائع على دور الأم، فإن دور الأب لا يقل أهمية في تشكيل الجهاز النفسي للطفل. وتطرقت الى بعض النظريات النفسية المتعلقة بالحب الأبوي مثل:

1. عقيدة التعلق: وضعها جون بولبي وماري أينسوورث، وتؤكد أن المواثيق المبكرة بين الوالدين والأطفال تشكل نمط التعلق الذي يؤثر في العلاقات المستقبلية، لان الحب الأبوي يمكن أن يعزز طريقة الروابط الآمنة، مما يؤدي إلى عطاءات أكثر استقراراً وصحة.

2. التحفيز الاجتماعي: يشير هذا الرأي إلى أن الالتصاق الاجتماعي يؤثر في التحفيز العصبي ويحسّن القدرات في مناطق الدماغ المرتبطة بالمكافأة، والأبوة تعتبر محرضا قوياً لهذا النشاط، مما يزيد من الشعور بالسعادة والرضا.

3. النموذج البيولوجي الاجتماعي: يدمج بين الجوانب البيولوجية والاجتماعية، لان الحب الأبوي يتأثر بالتغيرات الهرمونية والمحيط العائلي. مشيرة الى ان البيئة الداعمة والتفاعل الاجتماعي الإيجابي مع الأسرة يعززان مشاعر القرابة والرعاية.

ادمغة الرجال تتبدل عندما يصبحون اباء

وكشفت يونس عن "دراسة حديثة توصلت الى "أن أدمغة الرجال تتغير بشكل ملحوظ بعد أن يصبحوا آباء، أسوة بالنساء بحسب صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية.

واردفت "نقلت الصحيفة عن أستاذة علم النفس بجامعة جنوب كاليفورنيا داربي ساكسب، التي تدرس التغييرات البنيوية في الدماغ، أنها أجرت برفقة زملائها دراسات تصوير دماغي على 40 رجلا قبل وبعد ولادة طفلهم الأول، حيث وجدوا تراجعا في "المادة الرمادية" بالدماغ، المتصلة بوظائف مثل الذاكرة والتفكير والتعلم وحل المشكلات. حيث يُعتقد أن هذا الانخفاض في المادة الرمادية، هو نوع من عملية التحسين، يساعد الدماغ على معالجة المعلومات بشكل أكثر كفاءة، كما وجدت دراسة متابعة، أنه من بين 38 أبا لأول مرة، أبلغ أولئك الذين شهدوا انخفاضا أكبر في حجم المادة الرمادية، عن تحفيز واندماج أكبر تجاه الأبوة".

وقالت ساكسب: "شعروا بمزيد من الترابط مع أطفالهم قبل الولادة، ثم قضوا لاحقا المزيد من الوقت معهم كمقدمي رعاية أساسيين".

واشارت يونس الى دراسة نشرت في مجلة "Journal of Marriage and Family" (2012) أظهرت "أن الآباء الذين يندمجون بعمق في رعاية أطفالهم يتمتعون بصحة نفسية أفضل على المدى الطويل، مع انخفاض معدلات الاكتئاب والقلق".

ووجدت دراسة ثانية نشرت في "Journal of Family Psychology" (2017) "أن الرجال الذين يشاركون بنشاط في تربية أطفالهم ينعمون بعلاقات زوجية أكثر رضا واستقراراً. اذ ان الانخراط الأبوي يعمّق الصلة بين الزوجين ويقلل من التوترات الزوجية.

وبينت دراسة من جامعة ستانفورد (2015) "أن الرجال الذين يعيشون تجارب الأبوة بشكل نشط يظهرون تحسناً في الأداء المهني بفضل تحسين مهارات التنظيم وإدارة الوقت والتحفيز".

واردفت "تتضمن التأثيرات النفسية والهرمونية التالي:

1. انخفاض مستويات التوتر: يؤدي الحب الأبوي إلى إفراز هرمونات مثل الأوكسيتوسين، التي تعزز الشعور بالاسترخاء وتقلل من معدلات التوتر، مما يحسن الصحة النفسية والبدنية للرجل.

2. تنمية السلوكيات الاجتماعية -الإيجابية: الرجال الذين يشاركون في تربية أطفالهم يميلون إلى تطوير سلوكيات اجتماعية إيجابية مثل التعاون، الصبر، والتعاطف، مما ينعكس إيجابياً على علاقاتهم الاجتماعية والمهنية.

سطوة الابوة!

واوضحت يونس "ان الأطفال الذين يتلقون الحب والرعاية من آبائهم يميلون إلى تطوير قدرات عاطفية واجتماعية بشكل أفضل، مما يساعدهم في التكيف مع الضغوط النفسية وزيادة الثقة بالنفس؛ وتعزيز النمو المعرفي من خلال المشاركة في الأنشطة التعليمية واللعب، وبالتالي تطوير مهارات التفكير النقدي والقدرات الإبداعية لديهم".

توصيات للآباء

وحثّت "الإباء على ضرورة ترسيخ الاواصر الاسرية من خلال الحفاظ على تواصل مفتوح ومستمر مع الأطفال والانغماس في الأنشطة اليومية مثل اللعب، القراءة، والمساعدة في الواجبات المدرسية بما في ذلك تقديم الدعم العاطفي في الأوقات الصعبة لان ذلك يعلم الطفل كيفية التعامل مع المشقات والتحديات".

وختمت "الحب الأبوي له تأثير عميق وإيجابي في كل من الرجل والطفل، مما ينعكس على الصحة النفسية، العلاقات الاجتماعية، والنمو الشخصي. وعن طريق تعزيز الاتصال العاطفي والاهتمام بالعلاقات مع الأطفال، يمكن للآباء تحسين جودة حياتهم وحياة أطفالهم بشكل كبير".

 

الأكثر قراءة

عمليات اسرائيلية مكثفة في رفح والاستعدادات لحرب موسعة تتواصل! التيار والقوات في سجال «الوقت الضائع»