اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


صحيح ان زيارة أمين سر الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين الى بيروت هي بشكل اساسي زيارة رعويّة، هدفُها ترؤُّس قدّاسَ "منظّمة مالطا لبنان" السنوي بمناسبة اليوم الوطني للمنظّمة، الا ان ابعاد الزيارة وما يتخللها من لقاءات، يجعلها محط متابعة عن كثب، وبخاصة مع الجهود الدولية المتعاظمة للتصدي لحرب "اسرائيلية" موسعة على لبنان تحوّل المنطقة برمتها حمام دماء، كما مع فشل كل المبادرات الداخلية والخارجية لاخراج الملف الرئاسي من عنق الزجاجة.

اصلا اهتمام الفاتيكان بالوضع اللبناني ليس جديدا، كما ان حراك السفير البابوي في الاشهر الماضية باتجاه القيادات اللبنانية وخاصة المسيحية منها، والذي يفضل ان يبقى بعيدا عن الاضواء، اتى للتنبيه والتحذير مما هو مقبل، وبمحاولة لحث الزعماء المسيحيين على عدم نقل الخلافات السياسية الى داخل المجتمع المسيحي، وبخاصة ان تلاقي معظم القيادات (سمير جعجع وجبران باسيل وسامي الجميل) قبل اكثر من عام على اسم الوزير السابق جهاد أزعور، شكّل خرقا كبيرا يُبنى عليه، ليس فقط في الملف الرئاسي انما في التعامل مع ملفات استراتيجية وكبرى.

ويُدرك الفاتيكان ان المخاطر التي تتهدد ما تبقى من مسيحيين في لبنان بلغت مستويات غير مسبوقة. وهو بحسب المعلومات، ينسق عن كثب مع الاميركيين والفرنسيين منذ فترة بالملف الرئاسي، وقد فعّل مؤخرا قنوات التواصل معهما مع احتدام الاوضاع ميدانيا جنوب لبنان، وازدياد الخشية من حرب موسعة لا يحبذها اطلاقا المجتمع الدولي.

ولم يعد خافيا ان ما يقلق الفاتيكان كما القيادات المسيحية في لبنان ٣ ملفات اساسية هي:

- اولا: الحرب المحتدمة جنوبا والتي قد تتوسع بأي لحظة. فهذه الحرب التي اعلن صراحة ومنذ البداية الزعماء المسيحيون رفضها، اكدت مرة جديدة انه حين يتعلق الامر بقرار الحرب والسلم، فلا كلمة هنا لا للمسيحيين ولا للقوى السنية، انما حصرا لحزب الله.

- ثانيا: رئاسة الجمهورية والتي يتأكد مع مرور الايام انها دخلت في غيبوبة، لن تخرج منها قريبا او اقله قبل انتهاء الحرب في غزة وجنوب لبنان وصياغة تسوية كبرى للمنطقة. ولعل الخشية الكبرى اليوم هي من ان يطول أمد الشغور الرئاسي، ما يؤدي عمليا الى استمرار باقي القوى بالامساك بالسلطة بغياب القوى المسيحية، وبخاصة ان الاخيرة ظنت انها وباخراج نفسها تضغط لانتخاب رئيس فكانت النتيجة لا رئيس، وتولي باقي القوى حُكم البلد لاشهر طويلة قد تتحول سنوات.

- ثالثا: ملف النزوح السوري، الذي يشكل خطرا ذا نوع استراتيجي وبخاصة للمسيحيين، باعتباره يهدد الواقع الديموغرافي الحالي الذي اصلا ليس لمصلحة المسيحيين. وقد استدركت الكثير من القوى المسيحية هذا الخطر متأخرة، حتى رفعها الصوت عاليا مؤخرا ذهب ادراج الريح، بغياب قرار دولي كبير لاعادة النازحين الى بلدهم. ويُفترض ان تطالب القيادات المسيحية الفاتيكان بالمساعدة بحل هذا الملف، وبخاصة من خلال علاقته المتينة بواشنطن.

ولكن التعويل حصرا على علاقات الفاتيكان الدولية لحل الملفات العالقة سيكون طموحا جدا. فصحيح ان هذه العلاقات مؤثرة في كثير من الاحيان، الا انه حين يتعلق الامر بقضايا ذات بُعد استراتيجي، فان ايا من الدول الكبرى لا تبدو بصدد تقديم اي تنازل، نزولا عند تمني ورغبة الفاتيكان او غيره... فـ "مونة" البابا تتوقف عند مصالح ونفوذ اللاعبين الكبار.