اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


كانت امرأة لبنانية التي قالت "السيدة العذراء أنقذت فرنسا وأنقذتنا"...

حين كان شارل باسكوا وزيراً للداخلية دعا الى طرد المهاجرين، باعتبار أن هؤلاء، لا سيما الآتين من المغربي العربي، بمثابة الوباء الذي لا يؤدي فقط الى تفكيك الهوية الفرنسية، بل والى تفكيك الدولة الفرنسية. آنذاك، بعثت أم الكاتب المغربي الطاهر بن جلون الحائز جائزة غونكور، برسالة الى ابنها تسأله فيه "لماذا أنت هناك"؟ وكان أن رد بمقال في جريدة "اللوموند" أحدث دوياً لدى النخبة الفرنسية.

قال "اذا كان عليّ أن أرحل، فلسوف أحمل معي الـ 4000 مفردة عربية التي أثرت اللغة الفرنسية، حتى اذا خلت من هذه المفردات تحولت الى لغة شاحبة وملأى بالثقوب". الآن، ماذا لو تسنى لليمين أن يفوز، ويشكلّ حكومة "الدرع الحديدية"، كما قالت مارين لوبن التي أولويتها المطلقة "تنظيف بيوتنا من الغرباء"؟

لو حصل ذلك، لوجدنا فرنسا تقع في الغيبوبة الاقتصادية القاتلة: توقف قطارات المترو، تحوّل الشوارع الى مستودعات للقمامة، اقفال المطارات والمطاعم والمقاهي. السؤال المثير ماذا كان حل بالأولمبياد كمظهر من مظاهر العودة الفرنسية الى العالم؟

أكثر من ذلك ، ألم يستعمر الفرنسيون بلدان المغرب العربي الأربع (الجزائر، المغرب، تونس،  موريتانيا)، واستنزفوا ثرواتها، وكذلك أهلها من الحرب العالمية الأولى، وحتى الحرب العالمية الثانية، مرورا بديان بيان فو في الهند الصينية؟ مقابر الجنود المغاربة في لبنان شاهد على ذلك.

ما وصفه جوردان بارديلا بـ"تحالف العار" بين حزب ايمانويل ماكرون وتكتلات اليسار، قلب المشهد رأساً على عقب. المفاجأة الكبرى أن اليسار الذي كان يلفظ أنفاسه الأخيرة، احتل المرتبة الأولى بعدما ذبلت الوردة الحمراء وهي رمز الحزب الاشتراكي، وتحول الحزب الشيوعي الى مأوى للعجزة. ولكن من يستطيع ابقاء اليسار جبهة واحدة، اذا أخذنا بالاعتبار الفوارق الايديولوجية، وحتى الفوارق السياسية الهائلة؟

الثابت أن الجمهورية الخامسة كانت على وشك العبور الى الجمهورية الرابعة، أي الى الوراء، أي الى الانفجار. آنذاك كان هناك شارل ديغول الذي، بصليب اللورين، أعاد فرنسا الى دورها والى ألقها. الآن، لا قامات سياسية عالية في فرنسا التي تضج بمئات الفلاسفة. كلياً لا مكان لا للنبرة البونابرتية ولا للنبرة الديغولية. أحد معلقي صحيفة "لو كانار أنشينه" الساخرة سأل "لماذا يتقمص الساسة في بلدنا شخصية أحدب نوتردام"؟

علم فلسطين في الجمعية الوطنية (البرلمان)، حدث تاريخي في الغرب الأوروبي. جان ـ لوك ميلانشون زعيم حزب "فرنسا الأبية"، تعهد بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، ما أثار جنون الفيلسوف اليهودي برنار ـ هنري ليفي، الذي كتب بعصا يوشع بن نون  "لقد وقع اليسار مرة أخرى فريسة لميلانشون السيء السمعة، وتحيط به الآن بعض الوجوه المعادية للسامية. انها لحظة تقشعر لها الأبدان، وليس أمامنا سوى النضال ضد هؤلاء الأفراد". كل من يقول بحق الفلسطينيين ككائنات بشرية في الحياة (الحياة فقط) هو معاد للسامية.

ايمانويل ماكرون الذي كان يراهن حين دعا الى الانتخابات المبكرة، على أن يضغط الأميركيون لجعله الرقم الصعب في المعادلة الفرنسية، خانوه في صناديق الاقتراع مثلما خانوه في صفقة الغواصات النووية الى اوستراليا، لتزداد هشاشة الرجل أمام تلك السلسلة من الأزمات البنيوية التي راكمها، بعدما كان هناك من يرى فيه، وهو الآتي من أمبراطورية روتشيلد، الرجل الذي يجعل بلاده تنافس ألمانيا كقاطرة للقارة العجوز.

كيف يمكن لفرنسا بالرؤية الكوزموبوليتية أن تتحول الى قهرمانة أميركية؟ رجل غامر بمستقبله الشخصي كما بمستقبل بلاده، وهو الذي يظن أنه بسياساته البهلونية، يستطيع بعثرة اليسار، والتمكن من اختراق ذلك الموزاييك البرلماني الذي لا بد أن يحاصره، والى حد دعوته الى الخروج "سالماً" من الاليزيه (أم من التاريخ؟).

ها أن الابتسامة الملتبسة لماريان، رمز الجمهورية، تشبه ابتسامة الموناليزا. حكومة برأسين بل بعدة رؤوس، أم حكومة تكنوقراط؟ غبريال آتال قال بتغيير النظام السياسي (على الطريقة اللبنانية). المهم الآن، العبور من فرنسا الأميركية الى فرنسا الفرنسية...

 

الأكثر قراءة

الضفة الغربيّة... إن انفجرت