اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


لا نتصور، في حال من الأحوال، أن يقبل الأمير محمد بن سلمان بأن نطأطئ رؤوسنا، وبأن نطأطئ ظهورنا، الى ذلك الحد من أجل حفنة من الدراهم، ولا من أجل مال الدنيا. داليدا التي تمنت أن ترقص حافية على أرصفة الحمراء، قالت إن الموسيقي الشهير موريس جار وصف لبنان بـ "أمبراطورية الهواء". بدر شاكر السياب كان يرى في هوائنا "رائحة الله".

نعرفهم واحداً واحدأ الذين دفعونا الى التسول، والى التسكع، على أبواب الآخرين، لكي نتسكع على أبوابهم. لا شك أن السعودية دولة شقيقة، وأنها مدت يد العون الى لبنان على مدى سنوات وسنوات، لتكتشف، في نهاية المطاف، أن كل مال يصل الينا يذهب للتو الى مغارة علي بابا. وحين وقع السفير وليد البخاري مذكرة التعاون المشترك بين مركز الملك سلمان للاغاثة والهيئة العليا للاغاثة لا بد أنه كان يسأل ما اذا كان المبلغ المقدم سيذهب فعلاً الى من هم بحاجة الى الاغاثة.

ولا بد ان يستغرب كيف أن السراي كان في تلك اللحظة أقرب ما يكون الى بلاط الخليفة، وحيث كانت قصائد المديح تلعلع في أرجائه من أجل أكياس الذهب، أو حتى من أجل أكياس الشعير.

10000000 دولار لاغاثة شعب لم يعد فقط تحت خط الفقر، وانما تحت خط الذل. ما يعنينا أن ثمة يدأ تمتد الينا في زمن الأيدي المقفلة، دون أن يكون هناك من داع، ونحن في هذا البلاء العظيم الذي وقعنا فيه (وأوقعونا فيه) لكل تلك الكلمات الرنانة التي لا تعني شيئاً سوى تكريس ثقافة التزلف، والتملق، حين يكون أجر عمرو دياب، وفي ليلة واحدة، يكفي لاغاثة ألف عائلة وعائلة.

هنا نتساءل أين أثرياء لبنان، وقد تكدس الكثيرون منهم في تلك المناسبة على الكراسي، مقارنة بأثرياء "اسرائيل"، أو الأثرياء اليهود، الذين سارعوا الى شراء سندات الخزينة، لدعم دولة البرابرة، فيما خصصت لها ادارة جو بايدن 14 مليار دولار، عدا المساعدات العسكرية اليومية التي تنقلها الطائرات الأميركية، فقط لقتل من يريد البقاء، كما الكائنات البشرية الأخرى، على أرضه.

لا لبنان، ولا لبنانيون. زياد الرحباني وصفنا هكذا "هاي بلد... لأ مش بلد... هاي أورطة عالم مجموعين... مجموعين لأ مطروحين... لأ مضروبين... لأ مقسومين". قصاصات بشرية مبعثرة على أبواب القناصل.

حتماً لم يكن السعوديون يتوقعون ذلك الاحتفال الفخم، الأقرب ما يكون الى المهرجان، من أجل ذلك المبلغ الزهيد الذي لم يمنح، في وقت من الأوقات، لدولة أخرى. لكنهم يعلمون أي نوع من الساسة أولئك الذين ينقرون على الدفوف طمعاً في الموقع أو طمعاً في الثروة.

ماذا كان يمكن لسعيد عقل، أو لجبران خليل جبران، أو حتى ليونس الابن (هاالكم أرزة العاجقين الكون)، أن يقول لو تابع للكلمات التي ألقيت في حضرة الطرابيش الفاخرة. نحن الذين طالما فاخرنا بأننا جيران القمر، قبل أن نفاجأ بأننا جيران القمامة. قهرمانات القهر بمثابرتنا على سياسة التبعية، وعلى سياسة الهلهلة.

الحجة دائماً في أن المملكة تستضيف عشرات آلاف اللبنانيين الذين لولاهم، ولولا أترابهم في بلدان أخرى لكانت أرصفة بيروت قد أصبحت أرصفة كلكوتا. لكنها الدولة الشقيقة التي استقبلت اللبنانيين بمنطق الأشقاء لا بمنطق الغرباء، ليثبتوا كفاءتهم في كل حقل من الحقول.

لنكن أكثر وضوحاً. لا نتحدث الى أي سعودي، وسواء كان سياسياً، أو رجل أعمال، أو اعلامياً، الا وشكك بأخلاقية، وبنزاهة، وحتى بأهلية، المنظومة السياسية في لبنان، ودون أن يكون ممكناً ظهور ذلك الرجل (ولو هبط من المريخ) الذي يعلّق مصاصي الدماء من أقدامهم لا في بهو فندق باذخ، وانما عند باب المقبرة.

ذاك اللبنان لا يحكم من ساسة "هز البطن". كان ينقصنا في ذلك الحفل المهيب، لتكتمل الصورة، أن نستعين بعبقرية فيفي عبده. كي تؤدي وصلتها بين يدي السفير الذي كم يسخر من زبائنيتنا أمام من يتصدق علينا.

تذكرون كيف أن ديبلوماسية هز البطن حملت أنور السادات على الاتيان بنجوى فؤاد لترقص بين قدمي هنري كيسنجر، لكأنه هو من يرقص بين قدمي الوزير الأميركي الذي قد يكون قد استذكر أننا بقايا ألف ليلة وليلة.

لكن شهرزاد لم تكن تطأطئ رأسها، أو حتى ساقيها، يا ساستنا الأفاضل...

الأكثر قراءة

الضفة الغربيّة... إن انفجرت