اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

يبدو أن مبادرة المقاومة في لبنان إلى جر القوات "الإسرائيلية" إلى اشتباكات معها على الحدود الجنوبية، إسناداً للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، لم ترق لـ "الإسرائيليين" ولم تعجب غالبية السلطات في شبه الدولة العربية، ناهيك من الدول الغربية المنخرطة دائماً في حروب "إسرائيل" في المشرق العربي، بشكل مباشر أو غير مباشر، نجم عنه في أغلب الظن قرار دولي وإقليمي عربي بتمديد الحرب على قطاع غزة بحرب على المقاومة في لبنان، بحجة منعها من مواصلة "التحرشات" على حدود فلسطين.

ولكن من المعروف في هذا الصدد، أن كل تصادم بين هذه المقاومة من جهة، وبين الجيش "الإسرائيلي" من جهة ثانية، يفعّل جرس إنذار تذكيرا بأن جميع الترتيبات التي وضعتها القوتان الاستعماريتان في نهاية الحرب الكبرى، بريطانيا وفرنسا، ومن ضمنها إنشاء "وطن قومي لليهود" في فلسطين، ما تزال دعائمها رخوة. فكل جراح المسألة الشرقية موجودة في لبنان ولم تندمل بعد.

هذا من ناحية أما من ناحية ثانية فلا شك في أن تصفية هذا الإرث الاستعماري المُحشّى بالألغام، هي ذات أبعاد وجودية فيما يخص الكينونة الوطنية اللبنانية، التي تصب فيها الروافد السورية والعراقية والحجازية والتركية والفارسية واليونانية.

ينبني عليه أن الكينونة اللبنانية تمثل في الواقع العقدة، التي أثبتت الأحداث والحروب والوساطات والصفقات، أنه لا يمكن تجاوزها. خذ إليك مثلاً على ذلك الغزو الذي قام به "الإسرائيليون" في سنة 1982، حيث وصلوا إلى بيروت وما تخلله من مجازر ودمار وإرهاب، بتواطؤ من الدول العربية، ومشاركة من الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية، أي جميع اللاعبين الذين يتحركون الآن منذ السابع من أكتوبر 2023، دون استثناء.

ظنوا آنذاك أن لبنان هو البوابة التي يمكن العبور منها بسهولة إلى المشرق العربي، لإخضاع دوله وحكامه. من المعلوم أن اتفاقية 17 أيار 1983، بين سلطات لبنان المحتل من جهة وسلطات الغزاة من جهة ثانية لم تمر. كما جرى في دول عربية أخرى. إذن يمكننا القول، أن "إسرائيل" والدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية أخطأوا في سنوات 1980، فهم طبيعة الكينونة الوطنية اللبنانية ففشلت خطتهم، فاضطروا للعودة إلى أساليبهم العسكرية المعروفة، حيث تكشفت حقيقة الكيان "الإسرائيلي"، والعلاقة التي تربطه بدول يشهد تاريخها على العنصرية والعبودية وحروب الإبادة الجماعية.

لا يتسع المجال هنا لاستعراض جميع الثورات والانقلابات والمبادرات من أجل تسوية ذيول "المسألة الشرقية"، ولكن الرأي عندنا أن حضور الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية الرئيسة والدول الخليجية فيها يمثل دليلاً على أنها كانت دون استثناء، محاكاة لغزو لبنان في سنة 1982 ،من أجل إخضاعه وتوظيفه في مشروع "الشرق الأوسط الجديد"، تحت إشراف الحركة الصهيونية بما هي وجه "محلي" إذا جاز القول، من أوجه "توطين" الاستعمار الغربي الجديد في المشرق. ولكنهم أخفقوا في لبنان سنة 1982.


الأكثر قراءة

«اسرائيل» تعربد جنوبا: سقوط الضمانات الدولية واستفزاز للمقاومة وقف النار يهتز في وادي الحجير وحكمة حزب الله لن تستمر طويلا؟ «اختبار» رئاسي لقائد الجيش في الرياض «والقوات» تنتقد المعارضة