اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

بعد تلك العقود من الكتابة في خندق المقاومة، وقد دفعتُ وما زلتُ أدفع ثمن هذا الموقف الذي أفاخر به، تنهال عليّ الاهانات والتعليقات الشائنة، لكوني إما تائها في ليل السكارى، أو لأنني التحقت بصفوف العملاء. حتى الساعة  لم يفتوا، كما الفصائل الهمجية في سوريا بقطع رأسي. ماذا تنتظرون...؟

لا أدافع ولن أدافع عن آرائي، بكوني ما زلت وسأبقى في الخندق اياه، دون أن أتخلى عن رؤية الأشياء كما هي، لا بعيون الببغاءات ولا بعيون الغربان على الشاشات، لأؤكد للأصدقاء وللصديقات السوريين انني كنتُ قد توقعتُ أن يحدث لسوريا ما حدث. وكنتُ قد نقلتُ رأيي الى أكثر من مسؤول في دمشق، بعد جولة في الأرجاء السورية، بـ "انهم يحفرون الأنفاق تحتكم». مسؤول أمني كبير قال لي «اطمئن يا صديقي العزيز، كل شيء ممسوك بمنتهى الدقة وبمنتهى الفاعلية، لتظهر بعد ذلك بفترة وجيزة الحقيقة المرة. ألسنا في لبنان أمام الحقيقة المرّة، بل وأمام الحقائق المرّة؟

كان السيد، وخلافاً للكثيرين، يعرف كيف يصغي، ويعرف كيف يقرأ، ويعرف كيف يعترض، ويعرف كيف يقرر (ليكون اغتياله بالنسبة اليّ، ليس سقوط التاريخ وانما سقوط الدهر). هو الذي قال غداة عملية «طوفان الأقصى»: «هذا ليس وقت الساعة الكبرى». لن أدخل في تفاصيل ذلك اليوم الذي تم فيه تفجير جبهة الجنوب، وكيف خرج كل أعداء المقاومة في الداخل والخارج من مخابئهم، لتكون «ساعة نتنياهو». لندع ما في القلب في القلب.

منذ البداية كان واضحاً أي ثلة من الذئاب على رأس السلطة في الدولة العبرية، وأن هؤلاء ينتظرون أي عود ثقاب للخروج من عنق الزجاجة. الايرانيون ومن خلال اتصالاتهم، أدركوا أن خطأ ما قد حصل، دون أن تجدي محاولات الاستدراك، اذ مَن تراه يوقف آلهة النار؟

أليس الايرانيون بشرأً ويمكن أن يخطئوا، وقد لاحظنا أي اختراقات مروعة تعرضوا لها. هكذا أعادوا النظر في حساباتهم، وراحوا يسعون لوقف النار (وهذا ما يلعب عليه نتنياهو الآن لازالة أي أثر لايران في المنطقة العربية). مع الاشارة الى التحذيرات الأوروبية والروسية وحتى الأميركية، مما وصفناها بـ "لحظة الجنون النووي» في رأس نتنياهو، لكنها «استراتيجية يوم القيامة» التي بدأت مع غولدا مئير، وقد أمرت في الأيام الأولى لحرب 1973، باخراج الصواريخ النووية من صوامعها.

الشيخ نعيم قاسم أعلن معارضة حزب الله لأي اجراء دستوري قبل وقف النار، ليس لأنه ضد الانتظام الدستوري والسياسي في البلاد، وانما لأن هناك من يرى، وبايحاء أميركي وربما بايحاء «اسرائيلي»، أن الحزب في حالة التقهقر العسكري، تالياً التقهقر السياسي، لاختيار رئيس للجمهورية لادارة المسار السياسي والاستراتيجي الجديد للبنان، ليرفع نائب الأمين العام من لهجته، وللتأكيد على استعادة المقاومة كل ديناميات القوة.

نقطة اساسية في كلام الشيخ نعيم، التشديد على استمرار «خط الثقة» بـ "الأخ الكبير» الرئيس نبيه بري، وتفويضه بالمضي في تحركه الديبلوماسي، لنقرأ بين السطور موافقة على وقف النار، فيما صحيفة «اسرائيل هيوم» تبشر بـ "النكبة الكبرى التي تنتظر لبنان»، في ظروف دولية واقليمية ضائعة. المعلقون «الاسرائيليون» يتحدثون عن «التوازن في الدم وفي النار»، بعد محاولة اقامة منطقة عازلة قد تمتد الى مصب النهر الكبير في الشمال، ليكون هناك من يرفع الكؤوس للغزاة. 

اذاً، مواجهة الجنون بالحكمة، بعدما لاحظنا أن هناك في «اسرائيل» مَن بدأ يتخوف من السياسات الهيستيرية للائتلاف، والى حد اتهامه بأنه هو من يهدد «وجودنا». ماذا في رأس جو بايدن حين يصفه بـ "الوغد»، لكنها الأيام الانتخابية التي سبق لجيرالدين فيريرو أن وصفتها بـ "الأيام التي نفقد فيه وجوهنا»؟

انه وقت الرؤوس الباردة. هكذا قال جورج مارشال، وزير الدفاع الأميركي للجنرال دوغلاس ماك آرثر في عهد هاري ترومان، حين طلب القاء القنبلة الذرية على القوات الشيوعية في كوريا. الرؤوس الباردة لدى اتخاذ القرارات الكبرى، والرؤوس الحامية على الأرض. ألم تكن هذه رؤية (ومعادلة) السيد بالشخصية الفذة، والتي لا تتكرر ولن تتكرر.

هذا عالم خشي البابا فرنسيس، حين كان رئيساً لاساقفة بوينس ايرس، تركه لـ "الأرواح الشريرة»، وهو كذلك، أيها الحبر الأعظم الذي ننتظر صوته من أجل لبنان. 

 لهذا، على خطى السيد، حتى لا تكون الساعة الكبرى (ولن تكون) ساعة نتنياهو...

الأكثر قراءة

الف دولار لكل من له اموال في المصارف