اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

على ما يبدو، لا تزال هناك فئة في لبنان عابرة للطوائف، تعيش في زمن الحرب الأهلية ولم تتخطها ولم تنتقم لنفسها بعد، وتريد إلغاء الآخر وتمرير مشاريع رئاسية وتطبيعية، لا تخدم إلا الأجندة الأميركية- الصهيونية - العربية في المنطقة، وربّما ما حال دون تنفيذها لهذا النوع من المشاريع، وشكّل حجر عثرة أمامها، وجود المقاومة في لبنان، التي دحرت الاحتلال وأسفطت مشاريع كثيرة خلفه.

لكن اليوم ومن وجهة نظر هذه الفئة، على اختلاف انتمائها الحزبي أو الفكري، أصبحت الفرصة مؤاتية للقضاء على المقاومة، العائق الوحيد أمام تغيير وجه لبنان، وخاصة بعد الإعتداءات المتتالية عبر حادثتي "البايجرز" واللاسلكي، واستهدافات القادة وأبرزهم أمينها العام، وملخص الخطوة الأولى في هذا المشروع، هو فرض رئيس بقوة الصهاينة والولايات المتحدة وبعض العربان قابل التطبيع.

إلى ذلك، ومن وجهة النظر الأميركية، فإنّ تغيير وجه الشرق الأوسط يبدأ من لبنان، وهذا ما بشرّت به الولايات المتحدة أدواتها وكيانها عام ٢٠٠٦، ولكن وُئد ذلك المخطط في مهده إثر انتصار تموز، فيما اليوم تمت إعادة تفعيل ذلك المخطط، وبشراسة قلّ نظيرها، على أثر طوفان الأقصى الذي شكّل تهديدا وجوديا للكيان. أمّا عن الأدوات اليوم، فهي كثيرة عددا وعدة وتمويلا، على شكل حلف غربي- عربي واسع جدا، رأسه إعلامي. فاليوم المنطقة العربية شرّعت أبوابها على مصاريعها للصهاينة، من خلال المشاريع الاقتصادية المزمع تنفيذها في المنطقة، فيما يغيب عن هذه الدول حلم بني صهبون، الممتد من الفرات إلى النيل.

تحريض جهات لبنانية- عربية على المقاومة

من هنا ، تبرز الحاجة أساسية لضمّ لبنان إلى قافلة التطبيع، والمانع الأبرز كان ولا يزال المقاومة، التي هزمت الكيانين الأميركي و "الإسرائيلي" في سوريا واليمن والعراق، فاتفق الجميع على اجتثاثها وبيئتها، وسنحت لهم الفرصة من بوابة فلسطين.

هذا الكلام على واقعيته، كان ليبدو قبيل طوفان الأقصى، كمقطوعة من سمفونية الزمن الأسود من تاريخ هذا الوطن، لكن اليوم يبدو واقعا يترجم من خلال تحريض أطراف الحرب الأهلية أنفسهم ومحازبيهم، وجهات لبنانية- عربية على المقاومة، كأحد أدوات العدو لتنفيذ هدفه الذي سلف ذكره، وذلك عبر الحملة الإعلامية والحزبية الممنهجة، ومحاولة ترسيخ سردية تتماهى مع سردية العدو الصهيوني، وهي انّ حزب الله يشكل خطرا على أبناء وطنه بوجوده بينهم، بادّعائهم أنّ هناك مسلحين ضمن المدنيين، تماما كتبريرات العدّو في حرب غزّة المستمرة...

وكما نعلم في بيئتنا اللبنانية، أنّ حزب الله كأيّ حزب آخر يضمّ مدنيين ومقاتلين في صفوفه، إلى جانب بيئته الحاضنة، والتي يفوق عددها عدد المنتظمين في الحزب أضعافا، وهذا يكرس حقيقة أنّ المقاومة شعبية، وأنّ أيّ كلام يروّج لسردية أنّ وجود حزب الله بين الناس يشكّل خطرا عليهم، أصحابها "مخبولون"، ومن صنف "الأجدب " الذي تحدّث عنه سماحته سابقا في أحد خطاباته، ذلك أن المقاومة هي نفسها أهلها.

هي المقاومة التي هزمت العدو ودحرته من بلادنا، ومنعته من سرقة نفطنا وغازنا، وهي نفسها التي حملت شعبها اجتماعيا إثر الحصار الاقتصادي الأميركي، والذي شكّل بداية لما نحن فيه اليوم، من تحامل وانقلاب على المقاومة، فيما الجهات الخصم لها تريد تقديم لبنان على "طبق من فضة" للعدو، ولسان حالها: " أيّها الصهيوني خذ أرضنا ومياهنا ونفطنا، ودعنا نعيش بسلام ورفاهية ومكتسبات شخصية، أما الفئة المقاومة في بلادي فاقتلها فإنها لا تشبهنا".

الحقد والتحريض على المقاومة

ومن بعض شواهد هذه الحملة التي تسيء للمقاومة وبيئتها الواسعة في لبنان، ما قام بها أفراد مثل المدعوة مريم مجدولين اللحام التي حرّضت على المسعفين، فيما تبرأت منها عائلتها لاحقا، ومثلها حالات كثيرة إن كان عبر "فيديوهات" تحريضية أو منشورات، علاوة على قضاة متقاعدين يشتركون في الجريمة نفسها، ولا ينتهي الأمر بقناة "بأما وبيا"، نعرف مدى حقدها على المقاومة وبيئتها، لكن لم يكن أحد يتخيل مدى تعطشها للقتل وسفك الدماء، لدرجة فاقت إجرام العدو وشراهته لذلك.

ما ذكر أعلاه، عينة ضئيلة جدا، مما يحصل على أرض الواقع التواصلي، والخطر هنا، هو أنّه بعد تصوير أماكن ونشر معلومات تحرض على المقاومة، لا تكاد تمرّ دقائق إلا ويستهدف العدو الصهيوني هذه الأماكن ويقتل الموجودين فيها، هذا عطفا على تغلغل العملاء وتوقيف صحافي صهيوني في بيروت سرّب أنّه رحل بأمر أميركي، وعملاء سوريين ولبنانيبن، وشبكة تجسسية في إحدى الشقق في بيروت، وسواها الكثير من التوقيفات، التي تخبرنا أنّ البلد برمّته مخترق صهيونيا في أمنه الإلكتروني والبشري.

وإذا كان تحريض العدو اللبنانيين ضد المقاومة من قبل رئيس وزرائه بنيامين نتنياهو امرا معتادا، يندرج تحريض أبناء الوطن على قتل فئة من بلادهم، في خانة القتل المتعمد والعمالة العلنية، والتي تتعدد أشكالها، فيما هدفها واحد.

ماذا ينص القانون اللبناني؟

ويبقى السؤال الأبرز بعد هذا السرد، لهذه الظاهر الشاذة : أين القضاء اللبناني من هؤلاء المحرضين مدنيين ومحازبين وإعلاميبن وقضاة على قتل أبناء وطنهم؟ وماذا ينص القانون اللبناني بشأنهم؟

تحدث المحامي خليل عجّور للديار حول النصوص القانونية المتعلقة بالتحريض على الفتنة الداخلية والقتل، فأوضح أنّ قانون العقوبات اللبناني مثقل بالمواد التي لها علاقة بتجريم الأعمال التحريضية، التي تقوم بها وسائل إعلامية وأشخاص على مواقع التواصل الإجتماعي، ويوجد عشرات المواد فيه، والعنوان الأبرز ما يتعلق بالجنايات الواقعة على أمن الدولة الخارجي، وهو الخيانة والتجسس والصلات غير المشروعة بالعدو، على سبيل المثال: المادة ٢٧٣ من قانون العقوبات تحت عنوان الخيانة تنص: "أنّ كل لبناني، وإن لم ينتم إلى جيش معاد، أقدم على أعمال عدوان ضد لبنان، يعاقب بالأشغال الشاقة"، يعني أيّ عمل من شأنه أن يحرض العدو، على القيام بأعمال عدوانية ضدّ لبنان. وأيضا المادة ٢٧٤ تقول بشكل واضح بخصوص ما يحصل اليوم في الإعلام اللبناني، وبالأشخاص، وبالقضاة المتقاعدين: "إنّ كلّ لبناني دسّ الدسائس لدى دولة أجنبية، سواء عدوّة أو غير عدوّة أو اتصل بها، ليدفعها مباشرة للعدوان ضدّ لبنان، أو يوفر لها وسائل العدوان، يعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة"، يعني أيّ عمل يقوم به اللبناني، من شأنه أن يوفر توسيع أو القيام بالعدوان.

اضاف : "هناك ايضا المادة ٢٧٥ وتنص أنّ "كل لبناني دسّ الوسائل لدى العدو أو اتصل به، ليعاونه بأي وجه كان على فوز قواته، يعاقب بالإعدام"، ولفت إلى أنّ قانون العقوبات لم يحدّد الجهة المعتدى عليها، فهو حدّد لبنان بمساحته الجغرافية المحددة في المادة الأولى من الدستور ومن ضمنها، الجنوب والضاحية والبقاع المناطق التي تتعرض للعدوان حاليا، و لم يحدد ماهية الجهة المعتدى عليها، كيلا يتم تفسير الأمر على أساس أن الفئة المعتدى عليها مصنفة أو غير مصنفة... إلخ.

وتابع : كما هناك المادة ٢٧٦ من قانون العقوبات، التي تنص على انّه "يعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة كل لبناني أقدم على شلّ الدفاع الوطني، بالإضرار بالمنشآت والمصانع والبواخر والأرزاق، أي الأملاك الخاصة"، يعني أي عمل فردي أو عبر وسيلة إعلامية، تجعل من العدو يعتدي على الأرزاق كما يحصل اليوم، يعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة، جناية مشدّدة وتشدّد العقوبة إلى الإعدام في زمن الحرب.

التجسس

وفي ما يتعلق بموضوع التجسس، ذكر عجّور أنّ قانون العقوبات واضح ايضا، وينص على أنّ أيّ وثائق أو معلومات يشاركها اللبناني مع العدو في المادة ٢٨١ و٢٨٢، وتشدّد العقوبة وفقا للمادة ٢٨٤ إذا كانت هذه المعلومات أو الوثائق، تعطى أو يتمكن العدو من الإستحصال عليها، كما هناك عنوان في قانون العقوبات، اسمه النيل من هيبة الدولة ومن الشعور القومي، المادة ٢٩٥ وتقول إن من أقدم في لبنان في زمن الحرب، أو عند توقع نشوبها، عبر دعاية ترمي إلى إضعاف الشعور القومي، أو إيقاظ النعرات العنصرية  والمذهبية، يعاقب بالاعتقال المؤقت، يعني أي خطاب أو رسالة أو عمل أو تواصل، يؤدي إلى ذلك هو جناية مشدّدة، كما يحصل اليوم تماما، وليس بالضرورة أن نتواصل مع العدو، أو نبلغه عن معلومات معينة، بل مجرّد خطاب تحريضي يؤدي إلى الفتنة.

الجرائم التي تنال من الوحدة الوطنية

يضاف إلى كل ذلك، وفق عجّور عنوان يتعلق بالجرائم التي تنال من الوحدة الوطنية، وتعكر الصفاء بين عناصر الأمة، فالمادة ٣١٧ من قانون العقوبات، تقول ان كل عمل وكل كتابة أو خطاب، يقصد منه إثارة النعرات المذهبية والعنصرية، أو الحضّ على النزاع بين الطوائف، يعاقب بالسجن من سنة إلى ٣ سنوات، وهذه جنحة.

الاجراءات القانونية

ما هي الاجراءات القانونيه التي يجب اتخاذها، في الحالات التي نراها اليوم وتنطبق على أفعالها ما نص عليه قانون العقوبات؟ اجاب عجّور، انّ أي وسيلة إعلامية أو أي شخص على وسائل التواصل الاجتماعي أو غيرها، كالحديث أمام الملأ في الشارع أو مع شخص معين، يقوم بالتحريض إلى قيام العدو بأعمال عدوانية ضدّ لبنان، تقديم معلومات وإثارة الفتنة، تنطبق عليها جميع المواد المذكورة في قانون العقوبات، حتى لو كانت الجهة المحرضة قناة إعلامية، يجب أن تُساءل، ويتم إصدار الملاحقة بشخص مديرها المسؤول، وبخاصة القنوات التي تحرّض على حمل السلاح.

اما في ما يتعلق بالقاضي المتقاعد، تابع عجّور، بأنه يتم التعامل قانونيا كأي مواطن لبناني عادي، فهو لا يتمتع بأيّ حصانة، كما القضاة الموجودين في السلك، والذين يجب عليهم الكتمان قانونيا، ولا يحق لهم بالتصريح أساسا، وأكمل في ما يتعلق بكيفية دخول الجاسوس إلى لبنان، بأنّ لا إمكان لكشفه في حال دخل بجواز سفر أجنبي، كما لا نملك داتا المعلومات التي تبين أن الاسم نفسه يحمل الجنسية "الإسرائيلية"، لافتا إلى أنّه لا يتمتع بأي حصانة من قبل الدولة التي يحمل جوزاها، وأنّ هذه جناية واقعة على أمن الدولة الداخلي والخارجي، وتعتبر من الجنايات الخطرة.

القضاء يمكن أن يتحرّك بطريقتين

من يوقف هؤلاء وما الذي يجب على القضاء يفعله ؟ أوضح عجور أنّ القضاء يمكن أن يتحرك بطريقتين: إما بموجب التحرك عفوا من قبل النيابات العامة الاستئنافية، وعلى رأسها، مدعي عام التمييز، دون طلب من أي أحد، وتحرك دعوى الحق العام، وتلاحقهم أمام القضاء العسكري، وهو قضاء استثنائي وسريع وتحديدا في هذه الأيام، أو بناء على شكوى تقدم ولو من فرد لبناني واحد، وليس بالضرورة من قبل مجموعة من المحامين أو سواهم، بتقديم إخبار إلى أي نيابة عامة استئنافية في البلاد، أو لدى النيابة العامة التمييزية.

قانون طوارئ

أما في ما يتعلق بالرأي، اقترح عجّور أولا أن تسارع النيابة العامة التمييزية إلى التعميم على النيابات العامة الاستئنافية، بالتشدّد بملاحقة هذه الجرائم، إن كانت عبر الخطابات التحريضية، التواصل مع العدو وتقديم معلومات، إثارة النعرات الطائفية والمذهبية، ملاحقة فورية ودون أي إبطاء. ثانيا، وهو أمر أساسي، يجب على الحكومة أن تسارع فورا، إلى توقيع مرسوم طوارى، إذ عادة في زمن الحرب أو في مثل هذه الأحداث، تقوم الحكومات بوضع قانون طوارئ، تحظر على وسائل الإعلام، مجتمعة أن تستضيف أيّ شخص، أو مؤسسة إعلامية، تتحدث حول موضوع الحرب ووضع المقاومة والسلاح ومراكز الإيواء والمساعدات والطوائف وسواها، أي يحظر مطلقا التحدث بهذا، ويسمى قانون طوارئ، خاتما بأنه إذا أقرته الحكومة الآن فإنها تمنع كل وسائل الإعلام من التحدث بهذا الموضوع، وهو الحل الأفضل في هذا الوقت الحساس على حدّ قوله.

خلاصة القول... لم نعتد مثل هذه المشهديات القاتلة في لبنان، أن تحرض فئة على قتل فئة أخرى، مهما بلغت الخصومة السياسية وحتى الدينية، وهو مؤشر خطر يؤججه العدو من خلال العمالة تارة، ومن خلال تحذير الناس من الوجود بالقرب من مراكز المقاومة أو أهلها تارة أخرى، في وقت هناك فئات عابرة للمذاهب والطوائف تسطر أبرز ملاحم الأخوة الوطنية من خلال احتضان المقاومة وأهلها.


الأكثر قراءة

من الكهوف الى الملاهي الليلية