اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

في قلب البقاع اللبناني، على الطريق الرابط بين بلدتي الصويره ومجدل عنجر، يتجلى مشهدٌ لصمود يعكس قدرة اللبنانيين على التأقلم مع الظروف الصعبة. فقد أصبح «سوق الاحد» هناك ملجأ ومصدر حياة لمئات العائلات النازحة من الجنوب، التي اضطرت للهروب من تصاعد الاعتداءات الإسرائيلية. مع ارتفاع أعداد النازحين وتفاقم الأوضاع المادية، تتوافد الأسر إلى هذا السوق بحثًا عن أساسيات الحياة لتلبية احتياجاتهم اليومية المتنوعة، من ملابس ومستلزمات يومية بأسعار تتناسب مع إمكانياتهم المحدودة.

تجدر الإشارة الى انه منذ عام 2009، يُعتبر هذا السوق الشعبي شريانا اقتصاديا هاما في المنطقة، حيث يوفر للأسر وأهالي المنطقة فرصةً لشراء المتطلبات الاساسية بأسعار معقولة، لكنه يشهد مؤخرا حركة متزايدة من قبل النازحين، مما يعمل على تنشيط الحركة الاقتصادية المحلية. ويضم السوق مختلف السلع التي تلبي احتياجات الناس في ظل الضغوط المالية، مثل الملابس، الأحذية، الخضار، الفاكهة، الأثاث المستعمل والجديد بالإضافة الى الانتيكا والكتب الجامعية والمراجع القانونية المهمة.

ممر استراتيجي

يكشف القائمقام في البقاع الغربي، وسام نسبيه، لـ"الديار» أن "سوق الأحد الشعبي أصبح مملوكا لأحد الأشخاص من مجدل عنجر، لكنه لا يزال تحت وصاية بلدية الصويره لان الأرض تقع ضمن نطاقها الجغرافي في البقاع الغربي، رغم أن المسافة بين البلدتين متقاربة جداً. ويؤكد أنه يستقطب الأهالي من المناطق المجاورة، خاصة بعد توافد أعداد كبيرة من النازحين من المناطق الحدودية الجنوبية والبقاع الشمالي. ويوضح أن هذا المركز بحكم موقعه الاستراتيجي يُعتبر نقطة عبور مهمة، حيث يتوقف الزوار، حتى وإن لم يخططوا للقدوم لشراء حاجاتهم، والتبضع منه، مما يساهم في تعزيز الحركة الاقتصادية في المنطقة. مشيرا الى ان الباعة بأغلبيتهم من أبناء بلدة الصويره ومجدل عنجر».

صمود رغم التحديات

من جهته، يوضح مصدر بلدي في المنطقة لـ «الديار» أنه «مع تزايد أعداد النازحين الذين لجأوا إلى البقاع، وجد هؤلاء في الأسواق الشعبية مكانا يؤمن لهم كل ما يحتاجونه بأسعار مخفّضة. ويضم «سوق الاحد» مختلف أنواع السلع الغذائية والاقمشة وغيرها من المنتجات. هذا التنوع الواسع جعل من السوق فرصة لاقتناء الأساسيات بأسعار تناسب ميزانيات العائلات التي تعاني من نقص حاد في الموارد المالية».

ويضيف «يعكس هذا السوق الشعبي في البقاع أوجه التحدي والصمود في ظل العقبات التي يمر بها النازحون والمجتمع المحلي على حد سواء، حيث يُعد مثالًا حيًا على قوة التضامن والتكاتف الاجتماعي. وبينما يحاول النازحون التأقلم مع أوضاعهم الجديدة، يبقى السوق الشعبي نبضا اقتصاديا وإنسانيا يعينهم على تخطي الصعوبات، في انتظار عودة الأمان إلى قراهم وبلداتهم».

ويشير إلى أن «هذا السوق أصبح وجهة مفضلة للنازحين، خاصة بعد تدمير العديد من الأسواق الشعبية التي كانوا يعتمدون عليها سابقًا، مثل سوق النبطية وسوق معوض في الضاحية الجنوبية، الذي كان يُعد مركزا نشطا لتلبية احتياجات الأهالي، لكنه تعرض لخسائر كبيرة بسبب القصف الإسرائيلي الأخير، إلى جانب عشرات المباني والمتاجر المتضررة جراء سقوط الصواريخ في مناطق مختلفة من البلاد».

نقطة حيوية!

بدوره، يؤكد زياد، صاحب بسطة، في حديثه لـ «الديار» أن «الأسواق الشعبية في المنطقة تتخذ بُعدا استراتيجيا، فهي قريبة من نقطة المصنع الحدودية التي تربط لبنان بسوريا، مما يسهل وصول البضائع ويزيد من فرص التبادل التجاري بين البلدين. ومع استمرار النزوح وازدياد الطلب على السلع الأساسية، لا سيما المواد الغذائية، يلعب هذا السوق دورا حيويا في دعم الاسر المتضررة، ويساهم في تعزيز التماسك المجتمعي عبر تمكين العائلات من تأمين احتياجاتها اليومية ومواجهة المآزق المعيشية المتزايدة. لذا، يتجسد في هذا السوق ليس فقط صمود اللبنانيين، بل أيضًا قدرتهم على تحويل المحن إلى فرص صغيرة للعيش الكريم وسط ظروف تزداد صعوبة يومًا بعد يوم».

الحاجة والأمل لان الحياة تستمر!

في جولة ميدانية قامت بها «الديار»، تحدثت إلى عدد من النازحين الذين وجدوا في هذا السوق ما يساعدهم على بدء حياة جديدة، ولو بشكل مؤقت. تقول أم حسن، وهي سيدة نازحة من بلدة تول: «لم يكن عندنا وقت لجلب أي شيء من المنزل، فقد كان القصف قريبا جداً. الحمد لله على وجود هذا السوق، حيث نستطيع ابتياع الأغراض الأساسية بأسعار تناسبنا».

وفي زاوية أخرى من السوق، وقف أبو علي، وهو أب لأربعة أطفال، يتجول بين البسطات بحثا عن أحذية وملابس شتوية لعائلته. ويقول: «أغلقت بعض المحلات التي كنت أتسوق منها سابقا، وأصبحت أسعارها خيالية، لكن هنا، نجد قطعا مستعملة من «البالات الأوروبية» بأسعار معقولة. هذا السوق هو المكان الوحيد الذي تمكنا فيه من العثور على الأشياء الضرورية».

اما الحاجة فاطمة وهي من سكان المنطقة وتستضيف عائلة نازحة في بيتها فتخبر «الديار»، «لقد أسهمت هذه الأسواق في تعزيز التضامن الاجتماعي بين الأهالي والنازحين. نحن نشتري الخضار والفواكه وكل ما هو أساسي للبيت من هنا، والحمد لله الأسعار مقبولة مقارنة بأسعار المتاجر الكبرى».

الأسواق الشعبية للميسورين والفقراء!

من جانبه، يوضح السيد عبد الباسط، الذي يبسّط في سوق الأحد منذ أكثر من 12 عاما، أن «الأسواق الشعبية في البقاع أصبحت متنفسا اقتصاديًا مهما، إذ تستقطب النازحين اللبنانيين والسوريين على حد سواء، بالإضافة الى المجتمع المحلي الذي يُعاني من ظروف اقتصادية قاسية. ومع نزوح عشرات آلاف العائلات من الجنوب نتيجة القصف، وجدت هذه الأسر في السوق مكانا يشبع احتياجاتها الأساسية من غذاء وملابس بأسعار تتناسب مع إمكانياتها المحدودة».

ويقول لـ «الديار» «البازارات الشعبية في البقاع الاوسط، تشهد إقبالًا كثيفًا من قبل الباحثين عن المستلزمات الحياتية الأساسية، حيث يُفتتح السوق صباح كل يوم أحد، ويبدأ عمله منذ الساعات الأولى من النهار حتى منتصف الليل، وسط إجراءات تنظيمية صارمة من بلدية الصويره كونها المعنية بشكل مباشر بفرض النظام ومحاسبة المخالفين، بهدف ضمان سلامة الزوار وتسهيل حركتهم والحفاظ على الأمن».

في الختام، يُظهر سوق الأحد الشعبي الواقع بين بلدتي الصويره ومجدل عنجر كيف يمكن للأزمات أن تُولد أملًا جديدا في قلوب الناس، وكيف يتحول التضامن الاجتماعي بين النازحين والمجتمع المحلي إلى عامل أساسي في مواجهة التحديات الاقتصادية والإنسانية. وبالرغم من كل شي تستمر الحياة!  

الأكثر قراءة

من الكهوف الى الملاهي الليلية