اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

لا كتابة في زمن الحرب، سواء في العمل السياسي أو عن التطورات العسكرية. الأخبار عن جبهات القتال يقوم بها المراسلون في الميدان، في حين أن الأفرقاء المتصادمين يعرض كل منهم صورة عن الأوضاع تعكس ما يتمناه، فمن العروف أن الحقيقة هي أول الضحايا التي تسقط في الحرب.

هذا ينطبق في الحقيقة على الذين يقاربون المسائل بعد هدوء العاصفة، حيث يحاولون الكشف وفهم ما جرى، لعل في ذلك فائدة وإيضاحاً وتنويراً، من وجهة نظرنا طبعاً. أما خلال الإضطرابات والزوابع، فإن هؤلاء يكتبون ليس من ميادين المعارك وإنما من الميدان الاجتماعي، حيث الضحايا والمشردين والجوعى والمرحلين عن ديارهم.

اللافت للنظر أن جميع التعاريف التي يتبناها أعداؤنا، وهم الدول الغربية التي تتزعمها الولايات المتحدة الأميركية ومن ضمنها الدولة الصهيونية، للحرب الدائرة اليوم هي مغلوطة، كما هي العادة في جميع الحروب الاستعمارية عموماً، وحروب الدولة الصهيونية الدورية ضدنا خصوصاً.

فهذه الحرب هجومية ولكنهم يزعمون أنها دفاعية، وأغلب الظن أن هذه الدول الغربية المتوحشة رسمت خطتها منذ سنوات كوسيلة للخلاص من مأزقها عن طريق ترحيل الفلسطينيين من بلادهم، استكمالاً لما سبق من ترحيل في سنة 1949 و1967. إذن هي حرب استيطانية، وليس مستبعداً استنادا إلى الخرائط "المستوحاة من التوراة"، التي يكشف قادة الحركة الصهيونية أمام المحافل الدولية، انهم يبطنون نوايا توسعية تقضي بضم قطاع غزة والضفة الغربية وأجزاء من لبنان وسورية، ما يجعل السكان المدنيين هدفاً أساسياً لهذه الحرب، لحسن الحظ أن في بلادنا مقاومة وطنية، تصد العدوان وتعترض خططه الخبيثة بأعمال دفاعية جريئة وفعّالة في مواجهة محاولاته للتوغل واحتلال أجزاء من التراب الوطني.

ولكن المفارقة هي في ان هذه المقاومة تخوض معارك دفاعية ضد جيش الدولة الصهيونية، بينما هذا الاخير يوجه نيران أسلحته، وما أدراك ما أسلحته الثقيلة والأكثر فتكاً، التي تزوده بها الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وألمانيا وفرنسا، إلى السكان المدنيين، حيث يقتلون في منازلهم تحت الركام، ويتهجر الناجون منهم إلى مناطق "يعتقدون أنها آمنة"، بينما يثبت بالتجربة، أنه لا يوجد في البلاد من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها مكان آمن، كما هو الحال في قطاع غزة، نتيجة للطيران الحربي الذي أعطيَ للجيش الصهيوني ولتقنيات المراقبة والتعقب التي وضعت في خدمته.

الإشكال إذن، هو في إيجاد وسيلة لإقناع العدو بضرورة احترام قوانين الحرب. لا بد بهذا الصدد من حل لمسألة إقدامه على التدمير المنهجي للمنازل في القرى الجنوبية عموماً والحدودية خصوصاً، لمنع عودة السكان إليها، وكذا فيما يتعلق بأحياء في بعض المدن.

تتكرر هذه المأساة في جميع الحروب التي تشنها القيادة الصهيونية على البلدان المجاورة. يكفي للاقتناع بذلك أن نقارن خسائرنا من المدنيين بخسائره منهم. فما العمل يا ترى من أجل حماية المدنيين من الطرفين؟ سيقول قائل أن هذا السؤال يعكس سذاجة سائله، وسيكون محقاً في ذلك، لأن المدنيين في بلادنا هم المستهدفون بالدرجة الأولى، هذا إذا أخذنا بعين الاعتبار، أمراً يغيب غالباً عن قادتنا وحكامنا، مفاده أن "إسرائيل" عنوان لمشروع أوروبي ـ أميركي، استيطاني، وبالتالي لا بد من إجبار السكان على النزوح بكافة الوسائل المتوفرة. كانت المنظمات الصهيونية الإرهابية تعتدي على الناس لإجبارهم على الرحيل، أما اليوم فان الولايات المتحدة الأميركية تمدهم بالقنابل المدمرة الخارقة.

مجمل القول في الختام هو أن الجيش "الإسرائيلي" يعتبر أن العدو الأساسي هم السكان المدنيون المطلوب إبعادهم، وليست الجيوش أو فصائل المقاومة الوطنية في فلسطين ولبنان وسورية والعراق، والرأي عندنا أن المقاومة لا تأخذ هذا الأمر بالحسبان. هذا من ناحية أما من ناحية ثانية فإن المستوطن "الإسرائيلي"، المدني أو خارج الخدمة العسكرية، يهاجم يستخدم السلاح لإخراج الفلسطيني من منزلة وللاستيلاء على حقله. بكلام أكثر صراحة ووضوحاً، نقول ونجزم أن الفرق شاسع في لبنان بين المقاوم وبين المدني، في حين انه لا يكاد موجوداً في "إسرائيل". ينبني عليه أننا لسنا حيال حرب بين مقاومة وطنية و جيش دولة معتدية، ولكن مع مجتمع غربي استعماري استيطاني !


الأكثر قراءة

«اسرائيل» تعربد جنوبا: سقوط الضمانات الدولية واستفزاز للمقاومة وقف النار يهتز في وادي الحجير وحكمة حزب الله لن تستمر طويلا؟ «اختبار» رئاسي لقائد الجيش في الرياض «والقوات» تنتقد المعارضة