اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

لطالما أخذنا على الاسرائيليين أنهم معلبون توراتياً، بثقافة الغيتو، كما لو أن اليهود لم ينتجوا كارل ماركس وألبرت اينشتاين، وسيغمند فرويد، وحتى روبرت أوبنهايمر، والا لما كانت تلك السياسات العمياء، ليبدو بنيامين نتنياهو اللاعب الوحيد في الحلبة، وليدفع بالدولة العبرية الى الهاوية، حين يعد، ويتوعد، بـ"تغيير الشرق الأوسط"، وهو الذي يستورد الطائرات، والقنابل، من الولايات المتحدة التي لولاها لكان البطة العرجاء...

"اليهود البيض" عاشوا، وتفاعلوا، مع الحضارة الأوروبية، وحتى مع الجنون الأوروبي، وقد تجلّى ذلك في الحربين العالميتين، حققوا انجازات تكنولوجية، وبخاصة الكترونية، هائلة، ما اختبرناه على الأرض اللبنانية بسلسلة الكوارث التي ضربتنا، في الرأس وفي القلب. من هنا قولنا ان رجال المقاومة في لبنان يقاتلون ببطولة خارقة، وبارادة خارقة، وحيث ينتفي الحد الأدنى من التكافؤ في ظروف الميدان.

وها أنا أفاجأ (ولا أفاجأ) بالحملة الرهيبة عليّ من ذلك الصنف المعلب من القراء لأنني عرضت نظرة الأميركيين الى ايران، كما لو أنها الدولة المنزلة، التي لا مصالح جيوسياسية، وجيوستراتيجية، لها. دولة كاملة الأوصاف دون أي ثغرات، أو دون أي أخطاء.

لهؤلاء القراء (الأعزاء طبعاً) أسال هل كان باستطاعة المقاومة أن تضرب تلك الأهداف الحساسة في اسرائيل لو لم تكن على دراية بها؟ مثلما رصد كل ما في الأرض رصد كل ما في الرؤوس. وللعلم، هناك جهاز في المقاومة يتتبع كل كلمة تصدر عن مسؤولي، أو صحافيي، الدولة العبرية لتوضع بين يدي القادة السياسيين والعسكريين.

لأوضح أكثر. انني لبناني وعربي، ولا شيء آخر. مثلما أقول بالهويات المركبة، والثقافات المركبة، وحتى المصالح المركبة، أقول بالديانات المركبة، وانني أنظر بامتنان الى ايران لدعمها المقاومة في لبنان لمواجهة كل اشكال الغزاة، سواء أتوا من الجنوب أم من الشمال، ودون أن أتماهى مع الاتجاهات السياسية أو الايديولوجية في ايران، مع اقتناعي بأن المقاومة ليست ذراعاً لأي جهة أخرى، خلافاً لما تردده بعض الأصوات الحليفة والمعادية. هي ذراع لبنان، وكبرياء لبنان، وسيادة لبنان.

قلت سابقاً أن فصائل معارضة سورية أفتت، عبر الشاشات، بقطع رأسي. اذ أرى في القراء أهلي (وعشيرتي على الطريقة البعلبكية)، أعود لأسألهم ما اذا كانوا قد استصدروا فتوى لقطع رأسي، لأشير الى أنني ماض في التعبير عن آرائي، وعن قناعاتي، وهي المعروفة للقاصي وللداني، والا لما كانت ادارة الفايسبوك تقفل صفحتي، وتحذف عشرات المقالات. هؤلاء هم الغرباء. ولكن أن يغرز الأهل أظافرهم في وجهي!!

الآن، نحن في صراع وجودي. ثمة رجل في تل ابيب يجمع، في شخصه، كلاعب بارع، على الشاشة، وعلى الأرض، بين استراتيجية الثعلب واستراتجية الثعبان، ما لاحظناه في محادثات آموس هوكشتين. تكتيكياً، يتحدث نتنياهو عن المنطقة العازلة، وعن أمن الشمال. لكن المبعوث الرئاسي الأميركي الذي لا تعوزه الفطنة، لاحظ أنه يريد منه أن يقدم له رأس لبنان، ورؤوس اللبنانيين بكل مكوناتهم (طارق متري، الوزير السابق المتزن والمحترم تحدث عن ازدراء الاسرائيليين للبنانيين)، على طبق من الذهب.

غسان سلامة، وزير الثقافة السابق، بقنواته الأوروبية الموثوقة، قال ان الاسرائيليين بدأوا، منذ عام 2006، الاستعداد لشن الحرب على لبنان. عملية "البيجر"، وكم استغرقت من الوقت، ومن الجهد، كشفت ذلك، وان كان هناك من يرى في 8 تشرين الأول خطأ في التوقيت. السيد حسن نصرالله قال "هذا ليس وقت الساعة الكبرى". لكن نتنياهو التقط اللحظة لتحويل "الساعة الصغرى" الى "الساعة الكبرى". الساعة الاسرائيلية...

الرجل الذي راوغ، وما زال يراوغ، ولأكثر من عام، حول وقف النار في غزة، وهو الذي يبغي ازالة أي أثر للفلسطينيين من القطاع، يبغي تحويل لبنان الى ضاحية للهيكل. ألم يسبقه مناحيم بيغن باتفاق 17 أيار الذي لم ير النور، وان كنا نعترف بأن المشهد الدولي، والمشهد الاقليمي، اليوم لمصلحة نتنياهو، ما يعني المضي في سياساته المجنونة؟

ولكن ألا تضغط الأرض على أعصاب الجنرالات؟ الجنرال اسحق بريك قال لنتنياهو: كفى ضرب رأسك بالصخور...


الأكثر قراءة

من الكهوف الى الملاهي الليلية