اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

انا ابن بلدة الامارة اللمعية وابن المتن الاعلى ، فالميدان ميدانها ميدان الفرسان والافراح والاحزان، مسرح طفولتي والعابي مع اولاد القرية رفاقي.

من امام بيتنا كانت تمر العرائس بطرحاتها البيضا ونعوش الاموات المرفوعة بايدي الرجال، يعبرون الميدان الى كنيسة السيدة، كنيسة السيدة العذراء الجميلة والمنمشة الوجه لا تبعد عن بيتنا اكثر من 5 دقائق ، وفيها كل ذكريات صلاة طفولتي للسيدة العذراء ولقلب يسوع، وكنت اخاف من قلب يسوع ان يخرج من صدره لكثرة حبه لنا، وابكي واضع يدي على صدري كي لا يخرج قلبي منه مثل قلب يسوع.

والى اليوم حبي واشتياقي لكنيسة مار جرجس حاملاً رمحه ليضرب شدقي التنين، وكنت اصرخ له ليبعد حوافر حصانه عن شدقي التنين ويحاول المصلون اسكاتي.

اما كنيسة مار الياس على طريق المدرسة، فكنت ابتعد عنها لكي لا يصل الي سيف مار الياس. ويجرحني وانا ذاهب الى المدرسة مدرسة مار تقلا. ومار تقلا كنت احمل قضيب رمان لاضرب السباع وابعدها عن قدميها، بدل ان اضيء لها شمعة.

غابة الشبانية كانت بالنسبة لي اكبر من غابات الامازون ، ونهر الشبانية اطول من نهر النيل. اما طربوش المختار فكان ارفع من تمثال الحرية.

كاهن الرعية المونسنيور يوسف مونس كان معصوما اكثر من بابا روما، وصوت الارشمندريت ميناس النمار اعذب من صوت البلابل، وصوت الشماس خليل افخم من صوت الشحارير.

بالجوار مدرستي في مار تقلا حيث تعلمت القراءة والكتابة ،كانت اعظم من السوربون وستراسبورغ، حيث نلت شهادة الدكتوراة، وتبقى ايام المواسم والمعاصر ومرور الطيور المهاجرة مطبوعة بقوة في الذاكرة.

اخوية قلب يسوع الرجالية وشاراتهم الحمراء وبيرقهم الجميل، واخوية الحبل بلا دنس النسائية وايقونتهن وشارتهن الزرقاء وبيرقهن الرائع ،فكانت تزين وتقدس احتفالات القرية الهادئة.

وفي عيد السيدة يمتلىء الميدان بالشباب والصبايا يرقصون ويدبكون، ويقيمون اجمل الاعياد واضاءة الشموع للسيدة العذراء المنمشة الوجه، ولم يكن عندي اطول من الشبانية الممتدة من المديرج الى نبع الدلبه، ولا طريق الا طريق الحرير والبهارات من الصين الى اوروبا.

اما ليلة الميلاد فكنا ننام على ثلج الميدان، لنصنع درباً ليسوع ليصل الى مغارة كنيسة السيدة، ولا يضيع الدرب الى مغارة الميلاد.

ويبقى في ذاكرتي كيف كان الرجال يجرفون الثلج، ونساء البلدة يأتين متلحفات بشال كبير من الصوف الى كنيسة السيدة.

اما قصتي مع القمر الجميل الكبير الذي كان يطلع من وراء الجبال المقابلة للشبانية وفوق شاغور حمانا، فكنت اقرر ان التقطه واضعه في سلة، ولولا امي التي عرفت بمشروعي واوقفتني، لكان القمر غاب عن تلال لبنان.

هذه بعض ذكريات طفولتي في الشبانية، وهي لم تفارقني بالرغم من ابتعادي وسفري وسكني في البعيد عن قريتي الغالية ،كما لكل شخص منا ذكرياته مع مسقط رأسه.

اما علاقتي مع كبار شخصيات الشبانية، ومنهم الرئيس الياس سركيس فسأكتب عنها لاحقاً.

الأكثر قراءة

تفاؤل حذر يحيط بالموقف اللبناني: عقبات التفاصيل تنتظر الحسم من بيروت إلى تل أبيب: المقاومة تُعيد صياغة الردع فاتح 110 والمُسيّرات الانقضاضية: رسائل تُسقط رهانات الاحتلال