اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

منذ بداية الحرب الأهلية السورية في عام 2011، دخلت سوريا في مرحلة من الفوضى السياسية والاقتصادية التي غيرت المشهد السوري جذريًا. الحرب التي دمرت معظم البنية التحتية للبلاد وتركت الآلاف من الضحايا والمشردين، دفعت سوريا إلى مرحلة معقدة ومربكة. ومع سقوط الرئيس بشار الأسد، الذي حكم سوريا بقبضة حديدية لعدة عقود، تبلور سيناريو جديد في الصراع السوري حيث ظهر تنظيم الإخوان المسلمين كقوة رئيسية للوصول إلى السلطة.

من القاعدة إلى الهيئة: صعود محمد الجولاني

محمد الجولاني، الذي بدأ مسيرته مع تنظيم القاعدة في العراق ثم انتقل إلى سوريا ليؤسس جبهة النصرة في 2012، يعد اليوم أحد أبرز القادة العسكريين في الساحة السورية. في البداية، كان الجولاني يعمل تحت لواء تنظيم القاعدة، لكن مع مرور الوقت انفصل عن التنظيم ليؤسس هيئة تحرير الشام في 2016. ورغم أن الهيئة تعتبر تنظيمًا إسلاميًا متشددًا، إلا أن الجولاني حاول تبني خطاب أكثر اعتدالًا خلال السنوات الأخيرة، حيث حاول تجنب الاتهامات بالارتباط بتنظيم القاعدة وأكد على «السورية» بدلًا من الانتماء إلى تيارات أيديولوجية خارجية.

وبعد سقوط نظام بشار الأسد وتمكن الجولاني وحلفاؤه من الوصول إلى حكم سوريا، في تحول دراماتيكي حدث في عشرة أيام فقط، دون أن يواجهوا مقاومة تذكر من داخل البلاد.

الدور التركي والإقليمي في الصعود السريع للجولاني

كانت المخابرات التركية على دراية تامة بالتطورات في سوريا، حيث كانت تدعم حركات المعارضة السورية منذ بداية الصراع. تركيا، التي كانت تتبنى سياسة «العداء» للنظام السوري بقيادة بشار الأسد، تحالفت مع تنظيم الإخوان المسلمين كجزء من استراتيجيتها لإضعاف نفوذ الأسد وخلق منطقة نفوذ إسلامي في سوريا. كما أن تركيا تعتبر أن الإخوان المسلمين يمثلون خيارًا قويًا لها في المنطقة لضمان أمنها القومي، خاصة في ظل وجود تهديدات من الجماعات الكردية المسلحة في سوريا.

أما إسرائيل، فكانت على علم بتطورات الأحداث في سوريا ولكنها لم تتدخل بشكل مباشر في وصول الجولاني إلى الحكم.

إلى أين يسير الحكم الجديد في سوريا؟

تعد سوريا دولة ذات تنوع طائفي وديني كبير، ويشكل العلويون، الشيعة، الدروز، الأكراد والمسيحيون جزءًا كبيرًا من النسيج الاجتماعي السوري. مع وصول هيئة التحرير إلى السلطة، يطرح العديد من الأسئلة حول قدرة هذا التنظيم على إدارة هذا التنوع الهائل في البلاد.

من جانبهم، يواجه الإخوان المسلمين تحديات كبيرة في التعامل مع الأقليات، التي تخشى من تحول سوريا إلى دولة ذات طابع إسلامي محافظ. العلويون، الذين ينتمي إليهم بشار الأسد، يشكلون جزءًا كبيرًا من الجيش والأجهزة الأمنية في سوريا، وهم يعتقدون أن حكم الإخوان المسلمين قد يعني فقدانهم للمكانة السياسية والاقتصادية التي كانوا يتمتعون بها في ظل حكم الأسد. المسيحيون والدروز أيضًا لديهم مخاوف من أن الإخوان المسلمين قد يقيدون الحريات الدينية التي تمتعوا بها في الماضي.

أما الأكراد، الذين يشكلون جزءًا كبيرًا من سكان شمال شرق سوريا، فهم يطالبون بحكم ذاتي موسع وقد يخشون من أن حكم الإخوان المسلمين قد يعني تهميشهم وحرمانهم من حقوقهم السياسية والثقافية.

في ظل هذه التحديات، يبقى التساؤل المهم: هل سيتم اعتماد دستور إسلامي في سوريا؟، أم أن الجولاني سيحاول التوازن بين مبدأ الشريعة الإسلامية وضمان حقوق الأقليات في إطار دستور متعدد الطوائف؟ قد يكون الحل الأفضل هو تبني التعددية السياسية ضمن إطار ديمقراطي يضمن حقوق جميع المكونات، ولكن هذا سيكون أمرًا صعبًا في ظل الأوضاع السياسية المضطربة التي تمر بها البلاد.

سوريا في الحضن التركي أم العربي؟

من بين الأسئلة الكبرى التي تطرح نفسها في هذا السياق: هل ستكون سوريا في الحضن التركي أم العربي؟. الجولاني، باعتباره حليفًا رئيسيًا لتركيا في سوريا، من المتوقع أن يقيم علاقات وثيقة مع أنقرة. تركيا كانت قد قدمت دعمًا واسعًا له في سوريا، وتستفيد من وجود حليف قوي في الحكم السوري يشاركها نفس الرؤية الجيوسياسية.

لكن في الوقت نفسه، تظل بعض الدول العربية، مثل مصر و السعودية و الإمارات و الأردن و العراق و الكويت، تشعر بقلق متزايد من صعود الإخوان المسلمين إلى السلطة في سوريا. في مصر، على سبيل المثال، تعتبر الإخوان المسلمين حركة إرهابية وقد ترى في صعودهم إلى الحكم في سوريا تهديدًا لأمنها القومي، خاصة في ظل نشاطات جماعات إخوانية في المنطقة.

السعودية، التي كانت في العادة تدعم الأنظمة السنية المعتدلة، قد تكون حذرة من تقديم دعم سياسي للمجموعة الحاكمة الجديدة في سوريا. كما أن الإمارات و الأردن قد يراقبان الوضع عن كثب، خصوصًا في ظل تحديات الأمن الإقليمي.

موقف أوروبا وروسيا

بالإضافة إلى المواقف الإقليمية، فإن القوى الدولية، وخاصة أوروبا، إدارة ترامب الجديدة، وروسيا، ستكون لها تأثيرات كبيرة في المستقبل السياسي لسوريا.

أوروبا، التي تأثرت بشكل مباشر من تداعيات الحرب السورية في شكل تدفق اللاجئين، كانت تتبنى موقفًا حذرًا تجاه أي تغيير في سوريا. على الرغم من أنها أعربت عن دعمها لمبادرات السلام في سوريا، إلا أن العديد من الدول الأوروبية، مثل فرنسا و بريطانيا، تعتبر سيطرة هيئة التحرير في سوريا تهديدًا إضافيًا للاستقرار في المنطقة. تظل أوروبا في موقف متابعة لتطورات الوضع.

روسيا، التي كانت الحليف الأبرز لبشار الأسد، قد تجد نفسها في موقف معقد. روسيا تفضل دائمًا دعم الأنظمة العلمانية، لكنها قد تجد مصلحة في التعامل معهم إذا اعتبروا أن التعاون معهم سيكون الخيار الأفضل لضمان استقرار سوريا وضمان مصالحها في المنطقة.

الأكثر قراءة

العلويّون ضحايا العلويين