اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب



في بلدٍ مدولر إلى حدٍ كبير، بلد لا يعرف الاستقرار على جميع الأصعدة الأمنية  والسياسية والاقتصادية، يستمر استقرار سعر صرف الليرة منذ حوالى سنة ونصف بسبب سياسة مصرف لبنان بتجفيف السوق من الليرة كما يجمع الخبراء الاقتصاديون  والماليون.

وفي ظل هذا الواقع وفي ظل غياب الإصلاحات المالية والنقدية ومنها إعادة هيكلة المصارف، نشهد ظاهرة ربما غريبة منذ فترة تتمثل في ارتفاع الطلب على الليرة في السوق لدرجة فقدانها لدى بعض الصرافين، ويجمع الخبراء على أن السبب الرئيسي وراء هذا الإقبال الكبير هو العروض المغرية التي تقدمها المصارف بفوائد مرتفعة تصل إلى 45% على الحسابات الجديدة المجمّدة بالليرة.

في هذا الإطار يؤكد الأمين العام المساعد لاتحاد أسواق المال العربية الدكتور فادي قانصو في حديثه للديار على أن ارتفاع الطلب على الليرة اللبنانية خلال الأسابيع المنصرمة والذي كان لافتاً، لدرجة فقدانها لدى بعض الصرافين، يمكن تفسيره بعدة عوامل مترابطة نسبياً وهي :

أولاً، سياسة مصرف لبنان منذ أكثر من عام لتجفيف السوق من الليرة اللبنانية بهدف تقليص الكميات المتداولة من العملة المحلية في الأسواق، وذلك في محاولة من قبل المركزي للحدّ من عرض الليرة في السوق المحلي بغية السيطرة على التضخم، وكبح الضغوط التي تفاقمت على العملة المحلية منذ نهاية العام 2019، وتثبيت سعر الصرف قدر المستطاع وبالتالي ضبط الاستقرار النقدي، ليتراوح اليوم حجم الكتلة النقديّة بالليرة الموجودة في السوق اللبناني ما بين 500 و600 مليون دولار، بينما وصلت في العام 2019 إلى حدود ـ7 مليار دولار، وبالتالي فإن كميّة الليرات تعدّ مُتدنيّة نسبياً بالمقارنة مع حجم الاقتصاد.

ثانياً، حاجة المصارف اللبنانية إلى الليرة اللبنانية في ظلّ سياسة مصرف لبنان لسحب الليرة من السوق، وذلك بعدما صرفت المصارف بمعظمها أموالها بالليرة على القطع، ناهيك بارتفاع حاجة المصارف إلى الليرة لدفع المستحقات الضريبية وغيرها من المستحقات الأخرى خصوصاً في نهاية العام، ما دفع بالمصارف إلى أن تستلف الليرة من مصارف أخرى بفائدة تجاوزت 140 في المئة عبر ما يُسمى "إنتربنك". وعليه أصبح عدد كبير من المصارف في وضعيات مكشوفة لمصرف لبنان الذي طلب منها مؤخراً تسديد تلك الكشوفات بالليرة، مما دفعها الى تأمين الليرات في ظلّ الخيارات القليلة المتاحة، إن من خلال تأمين الدولارات وتحويلها إلى الليرة أو من خلال استلاف الليرات مجدداً من مصارف أخرى بفائدة مرتفعة، أو من خلال ابتكارها منتجات جديدة لحث المودعين على الإيداع بالليرة.

ثالثاً، الإقبال الكبير من قبل المواطنين على العروض التي تقدمها المصارف المحلية، أهمها المنتج الجديد الذي بدأت بعض المصارف بترويجه منذ أكثر من شهر والذي يلقى إقبالاً من قبل المودعين، وهو عبارة عن حسابات مصرفية جديدة بالليرة تجمّد على شهر أو 3 أشهر أو 6 أشهر وتصل إلى السنة، بفوائد تتراوح بين 25% لمدة شهر واحد، 30% لمدة 3 أشهر و35% لمدة 6 أشهر، وصولاً إلى 40% وحتّى 45% لدى بعض المصارف للحسابات المجمّدة لسنة، وذلك بدلاً من تسديدها فوائد تتجاوز 140%. وهو ما حفّز بعض المودعين بطبيعة الحال على تحويل دولاراتهم إلى الليرة لتجميدها وكسب الفوائد، إما لدى الصرّافين أو لدى المصارف ذاتها، ما أدّى إلى طلب كبير على الليرة لدى الصرّافين.

وفي موضوع عرض المصارف اللبنانية فوائد عالية تصل إلى 45% على الحسابات الجديدة المجمّدة بالليرة اللبنانية يتوقع قانصو أن يكون له بعض التأثيرات المزدوجة على القطاع المصرفي والاقتصاد اللبناني بشكل عام. إذ قد تؤدي هذه المنتجات إلى زيادة المخاطر المصرفية، لا سيما على صعيد الاستدامة المالية للمصارف في خضم تقديم فوائد عالية جداً، ما قد يضع المصارف تحت ضغوط مالية إذا لم تتمكن من تحقيق عوائد كافية وبالتالي دفع الفوائد المرتفعة من مصادر دخل ثابتة، متخوفاً من ارتفاع المخاطر على الليرة وبالتالي خلق ضغوطاً على استقرار العملة المحلية، خاصة إذا كانت المصارف تواجه تحديات في استثمار هذه الأموال بسعر فائدة مرتفع، ما قد يؤدي إلى تقلبات إضافية في سوق الصرف، وهي مخاطر قد تلحق بالمودع في هذه الحالة وإن تبقى نسبة حصول هذا الاحتمال ضئيلة في ظل الدولرة المرتفعة في لبنان وقلة التعامل بالليرة، "ناهيك بيقظة مصرف لبنان بسياساته الداعمة للاستقرار النقدي وتدخله حين تقتضي الحاجة".

 ولكن في الجانب الآخر يتوقع قانصو أن يساعد هذا العرض في استعادة بعض الثقة في المصارف التي قد ترى في هذه العوائد فرصة لجذب الأموال التي كانت قد خرجت من النظام المصرفي وتم تخزينها بشكل في المنازل، ما يعني زيادة الإيداعات قد تساعد في تحسين السيولة لدى المصارف، مما يعزز من قدرتها على تلبية احتياجات عملائها.

في الختام يشير قانصو إلى أنه ينبغي الأخذ في الاعتبار أن تقديم فوائد عالية على الحسابات المجمدة بالليرة قد يكون مجرد مسكّن لمشاكل أساسية أخرى تواجه الاقتصاد اللبناني ألا هي الركود الاقتصادي، تضخم الأسعار والمديونية المرتفعة، بالإضافة إلى فقدان الثقة في النظام المالي بشكل عام بسبب الأزمة الاقتصادية المستمرة منذ نهاية العام 2019 ، متوقعاً أن تقديم فوائد مرتفعة على الحسابات المجمدة بالليرة قد يساعد في جذب الأموال وتعزيز السيولة في المصارف على المدى القصير، ولكنه يحمل في طياته مخاطر كبيرة على المدى البعيد، خصوصاً إذا كانت المصارف لا تمتلك القدرة على تقديم عوائد مستدامة أو إذا كانت هذه الفوائد تؤدي إلى تدهور في قيمة الليرة أو ارتفاع الضغوط على الاستقرار المالي والنقدي. "وبالتالي، من الممكن أن يكون هذا الإجراء خطوة نحو استعادة الثقة على المدى القصير، لكن إذا لم يتم إصلاح الاختلالات الهيكلية في النظام المصرفي والاقتصاد اللبناني، فقد يؤدي ذلك إلى أزمة مصرفية جديدة في المستقبل". 

الأكثر قراءة

هذه الكلفة المتوقّعة للحرب في حال تجدّدها