اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


بدء نفاذ اتفاق وقف إطلاق النار الموقع بين لبنان والعدو الإسرائيلي في الثامن من تشرين الثاني بعد حرب همجية من قبل هذا العدو الذي دمر الحجر والبشر دون رادع إنساني او قانون دولي، وعلى الرغم من مرور ما يقارب نصف الزمن المحدد لوقف إطلاق النار  ما زال العدو الإسرائيلي يمارس همجيته بالخروقات اليومية معتديا هنا وهناك، لكن القصة لم ولن تتوقف هنا فهذا العدو يمارس إعتدءاته بعد انتهاء الحرب بمخلفات تشكل خطر الموت المختبئ في حنايا الأرض والتي تسبب ارتقاء ضحايا أبرياء و تهدد سلامة المواطنين وتخلف أضرارا جسيمة جسديا ونفسيا وماديا.

قبل بداية الحرب المشؤومة في لبنان عام 1975 لم تطرح مشكلة معالجة الألغام الأرضية بشكل جدي فذلك كان محصورا بالجيش اللبناني الذي يعتمد الطرق النظامية في عمليات زرع ونزع حقول الألغام، لكن بعد أنتهاء الحرب عام 1990 برزت مشكلة الألغام والذخائر غير المنفجرة والعبوات غير النظامية من خلال آثارها السلبية، فمعظم من شاركوا في الحرب وبخاصة العدو الإسرائيلي اعتمدوا استعمال الألغام الأرضية بكثافة لتعزيز مواقعهم على جانبي خطوط التماس التي تبدلت مراراً وشملت معظم المناطق اللبنانية، حيث أظهرت عمليات المسح الأولية وجود عدد كبير من البقع المشبوهة والخطرة والمنتشرة على مساحات واسعة في كل المناطق اللبنانية (حوالى 150 مليون متر مربع) إضافة إلى عدد كبير وغير محدد من الذخائر غير المنفجرة والمنتشرة ضمن المناطق الأهلة والأراضي الزراعية، وعند الإعلان عن حجم المساحات الملوثة، بدا أن تنظيف هذه المساحات أشبه بمهمة مستحيلة لكن المستحيل غدا واقعا مع انتهاء العمل في 126 مليون متر مربع من الأراضي الملوثة، فيما استمرت الجهود لجعل لبنان خاليا تماما من الأجسام المشبوهة، ففي نهاية العام 2021 تم إعلان "محافظة لبنان الشمالي خالية من الألغام ومخلّفات الحروب" بعد إنجاز مشروع تنظيف الأراضي الملوثة بالألغام في قرى وبلدات المحافظة، وفي أيلول 2023 أقيم حفل إعلان جرود عرسال ورأس بعلبك والقاع خالية من خطر مخلفات الحروب.

إنها حرب رديفة تزرع الرعب وتصطاد الأبرياء وأبشع ما فيها أن أدواتها متخفية في باطن الأرض دون خرائط تبين موضع الألغام والأفخاخ بالرغم من أن الفقرة السادسة من البند الثامن في القرار 1701 تنص على "تزويد الأمم المتحدة بجميع الخرائط المتبقية للألغام افي لبنان الموجودة بحوزة اسرائيل"، فالألغام والقذائف غير المنفجرة هي إحدى أبشع مخلفات الحرب ولا يمكن إعادة تخزينها أو الاستفادة من المكونات.

في عام 1998 أُنشئ المكتب الوطني لنزع الألغام وفي عام 2007 وإنفاذا للقرار رقم 10 الصادر عن مجلس الوزراء القاضي باعتماد السياسة الوطنية للأعمال المتعلقة بالألغام، استبدلت تسمية "المكتب الوطني لنزع الألغام" بـ "المركز اللبناني للأعمال المتعلقة بالألغام" LMAC – Lebanon Mine Action Centre  تمشيا مع المصطلح المعتمد في المعايير الدولية للأعمال المتعلقة بالألغام IMAS  الموضوع من قبل منظمة الأمم المتحدة، والجدير بالذكر أن المركز وللسنة الثالثة على التوالي يحتل المرتبة الأولى عالميا وفق تصنيف يوضع من قبل منظمات محايدة في سويسرا.

مصدر في المركز اللبناني للأعمال المتعلقة بالألغام أكد أن لبنان "يعاني من الألغام عبر سنوات مضت، مشيرا إلى أن جهود المكتب الوطني لنزع الألغام التابع للجيش اللبناني وبمساعدة مؤسسات مدنية وأجنبية نجحت في نزع 19 في المئة من الألغام والقنابل العنقودية"، مضيفا أن "عدد ضحايا الألغام يقدر سنويا بنحو 4 آلاف شخص بين قتيل ومصاب، والمكتب الوطني يساعد المصابين في الحوادث بتوفير أطراف صناعية، وفرص عمل لهم، كما يعمل على التوعية بمخاطرها".

وينصب عمل قسم مساعدة ضحايا الألغام على تأمين الدعم لضحايا الألغام ومخلفات الحروب، وذلك من النواحي الطبية والنفسية والاقتصادية كافة، ويصب هذا القسم اهتمامه أيضاً على دعم النشاطات التي من شأنها تأمين استعادة الضحايا لكامل حقوقهم القانونية وتأمين إعادة اندماجهم شيئاً فشيئاً في المجتمع.

وفي أيلول ٢٠١١، قدم المركز اللبناني للأعمال المتعلقة بالألغام استراتيجيته الوطنية التي جاء فيها أن الهدف الأسمى هو: "ضمان التطبيق الكامل لحقوق ضحايا الألغام بالالستناد الى المادة ٥ من اتفاقية حظر القنابل العنقودية واتفاقية حظر استعمال وتخزين وإنتاج ونقل الألغام المضادة للأفراد وتدمير تلك الألغام ووفقا لاتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي وقع لبنان عليها في العام ٢٠٠٧ لكنه لم يوقع عليها بعد"، بحسب المركز.

بالإضافة إلى ذلك، يغطي القانون ٢٠٠٠/٢٢٠ الصادر في أيار عام ٢٠٠٠ والمتعلق بحقوق الأشخاص من ذوي الحاجات الخاصة مجمل القطاعات ويتناول حقوق الأشخاص ذوي الحاجات الخاصة في التعليم المناسب، خدمات إعادة التأهيل، العمل، الخدمات الطبية، الرياضة وصولاً الى استعمال وسائل النقل العام وغيرها من المرافق كما يشدد على حق المشاركة في المجتمع إلا أن هذا القانون لم يدخل بعد حيز التنفيذ.

وفي عام 1997، تم التوقيع على معاهدة أوتاوا التي تعرف باسم معاهدة حظر الألغام، وهي اتفاقية دولية تنص على حظر استخدام الألغام المضادة للأفراد التزمت بها 164 دولة من دول العالم، و فازت المجموعة الاستشارية للألغام (المعروفة اختصارا بـ "ماغ") التي تعمل في لبنان منذ عام 2001 بجائزة نوبل للسلام تقديرا لجهودها في مجال نزع الألغام في شتى بقاع العالم.

منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف" ذكرت أن مخلفات الحرب من ألغام وذخائر غير متفجرحصدت منذ عام 1975، 3847 قتيلا أو جريحا في لبنان، وبلغت الإصابات ذروتها عام 2006، حيث قتل أو جرح 209 شخص، ومن خلال برنامج شامل لمكافحة الألغام، انخفض عدد الوفيات والإصابات الى ستة أشخاص عام 2011.، مضيفة "إن الفتيان والفتيات، هم أكثر من يتأثرون من وجود هذه الألغام، حيث جرح أو قتل عام 2006 ما لا يقل عن 40 طفلا تقل أعمارهم عن 12 عاما، و75 مراهقا أعمارهم بين 13 عاما و18 عاما، وأصيب في عام 2015، 23 شخصا بينهم أطفال جراء انفجار لغم".

وتعمل اليونيسف مع المركز اللبناني للأعمال المتعلقة بالألغام و"جامعة البلمند" لتوعية الأطفال وعائلاتهم بمخاطر الألغام وكيفية العيش بأمان في المناطق الملوثة بالألغام والمتفجرات.

احتلال غير مباشر يتمثل في حقول الألغام الإسرائيلية التي تشكل مصائد وأفخاخاً للموت المحقق لكل من يقترب من حقول الموت المخفية في تراب الوطن، وهذه الألغام إضافة إلى الذخائر الغير متفجرة تشكل استمراراً للعدوان الإسرائيلي على لبنان وتهديداً دائماً لحياة الناس.

تجدر الإشارة إلى أن الجهات التي تعمل على مساعدة لبنان للتخلص من هذه الأفة متعددة وتعمل تحت إشراف جيشه فرق عديدة تابعة لجمعيات ومنظمات مختلفة، أبرزها: قوات حفظ السلام UNIFIL، جمعية المساعدات الشعبية النروجية NPA، منظمة ماغ الخيرية لنزع الألغام MAG  (منظمة بريطانيّة)، المنظمة الدولية لنزع الألغام DCA  (منظمة دانماركية)، منظمة هانديكاب العالمية HI. وبالتعاون مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر الذي وقّع مذكرة تفاهم مع الجيش اللبناني بهذا الشأن.

وتقف بلدان كالولايات المتحدة والنرويج وفرنسا وهولندا واليابان في طليعة ممولي مجهودات إزالة الألغام. المساعدة التي تقدمها تلك البلدان في غاية الأهمية، ولكن المبالغ التي تتعهد بتقديمها آخذة في التناقص. فقد انخفضت في لبنان وحده من 19.7 مليون دولار أميركي عام 2019 إلى 12.1 مليون لعام 2023.

الأكثر قراءة

هذه الكلفة المتوقّعة للحرب في حال تجدّدها