اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب



يا جماعة هيدي معركة بلدية، لا معركة واترلو، ولا معركة حطين. بلد خارج للتو من حرب كارثية وداخل للتو في سلام كارثي. في نهاية المطاف، المجد (والخلود) لرجال الطوائف لا لرجال الدولة، بعدما استأثر ملوك الطوائف بعروش البلديات. هذا بلد "هالكم أرزة العاجقين الكون"، أم بلد "هالكم قبضاي العاجقين الأزقة"؟

في الحال، ينبغي ازالة المادة 95 من الدستور، التي تقضي بتشكيل هيئة عليا لالغاء الطائفية السياسية. الآن، وبعد تلك البطولات التاريخية في صناديق الاقتراع، يفترض انعقاد طاولة الحوار حول الخنادق وحول الصوامع، ووضع قواعد فلسفية للدولة الطوائفية، التي لا مجال فيها للحياة المشتركة بين أناس لا يشبهون بعضهم البعض (لاحظنا ذلك حتى في لغة بعض الاعلاميين، الذين كانوا يغطون الأحد الكبير أو الأحد العظيم).

هذا وقت للتفكير ولو من وراء الجدران، أو من وراء المتاريس، بالفديرالية وبالكونفديرالية، اذ كيف يمكن الابقاء على الصيغة الراهنة، ما دامت بعض المعارك المحورية قد خيضت على أساس (الآخرون قد يأكلونكم). ما حدث في بيروت ليس توافقاً حول البرامج، ولا حول الرؤى. شيء ما يشبه اللوياجيرغا الأفغانية. كونسورتيوم طوائفي في مدينة كانت لؤلؤة الشرق، الآن شوارعها أين منها شوارع مقاديشو...

المهم أن المناصفة تتحقق بالكم لا بالنوع. لا شراكة تفاعلية، ولا طريق واحدة، ولا قضية واحدة. قصاصات بشرية وضعت بمنطق الصفقة في سلة واحدة، قبل أن تعود في اليوم التالي وتتوزع على السلال وفي السلال، دون أي اعتبار لكوننا في مهب الرياح، وفي مهب الحرائق.

الغريب هنا أن جهات خارجية كانت تتابع تفاصيل المعركة البلدية في مدينة زحلة، كما لو أنها تتابع تفاصيل معركة "كورسك" في الحرب العالمية الثانية، والتي شاركت فيها 8000 دبابة من الجانبين السوفياتي والنازي.

لنكن أكثر صراحة. الجهات اياها، وقد لا حظنا ذلك في تعليقات صحافية، تعاملت مع معركة زحلة كما لو أنها احدى الحلقات الأساسية في السيناريو الخاص بسحق حزب الله سياسياً، بعدما تولت "اسرائيل" (بحسب اعتقادها) سحقه عسكرياً، مع أن الوجود العددي لـ"البيئة الحاضنة"، وقد باتت "البيئة المنبوذة"، في النطاق الجغرافي للبلدية، هامشي للغاية وضئيل للغاية. والنتيجة تتويج الدكتور سمير جعجع بالقوة الضاربة ملكاً على المسيحيين، ومن زحلة عاصمة الكاثوليكية في الشرق، و"مربى الأسود"، وقد تغنى بها أحمد شوقي، وغنى لها محمد عبد الوهاب، وقال فيها سعيد عقل "لها الفتوحات من الولد قد ملكوا / لكنما العرش حيث الأم تنتظر". كعشاق لزحلة، ترعرعنا في مدارسها وفي مكتباتها، وبين وجوه أهلها التي طالما رأينا فيها وجوه أهلنا، نريدها مدينة لبنان لا مدينة الشخص.

الأميركيون، الأوصياء على لبنان، بل على الشرق الأوسط، بل على العالم، هم من دعوا في لائحة شروطهم، الى الانتقال من منطق الطائفة الى منطق الدولة. الانحدار الحالي، وكانت الانتخابات البلدية في بعض المناطق أحد تجلياته، لا بد أن ينتهي بنا الى الانحلال أو الى الاضمحلال. ما هكذا تبنى الدول على أكتاف رجال هي مطية للقناصل، وهي مطية لمن يشتري ويبيع في أسواق الأمم، وحتى في مواخير الأمم.

هكذا خيضت المعارك من البعض. اللبنانيون في أعماقهم، لا يشبهون ذلك النوع من القادة، ولا يريدون أن يبقوا الفتات السياسي والفتات الطائفي على أبواب القصور. لاحظتم كيف أن قوى اقليمية ودولية تحاول أن تخطب ود أحمد الشرع (وما أدراك ما أحمد الشرع!)، لأن ثمة من جعل سوريا الرقم الصعب في المدار أو المدارات، الاستراتيجية للمنطقة. هكذا بقيت بالرغم من الويلات التي واجهتها، ولا تزال تواجهها. ما الذي ينقص لبنان ليكون كذلك، على أمل أن تكون هذه قضية الرئيس جوزف عون، الذي اذ ندرك مدى مناقبيته ومدى فاعليته، ندرك ايضاً ما حساسية وما هشاشة المتاهة اللبنانية؟

لنتصور أي انتخابات نيابية بعد عام، وبعدما تبين أن نواب "التغيير" داخل تلك المتاهة، ليسوا أكثر من ظاهرة فولكلورية، باللغة الببغائية على الشاشات. قانون انتخاب يمثل ذروة البشاعة الطائفية، وذروة التفرقة بين اللبناني واللبناني. في هذه الحال، لماذا لا نختصر الطريق، ونجعل من دستور الطائف ـ وقد جعلناه فعلاً ـ دستور الطوائف. اذ نعلم ما تداعيات الانتخابات المحلية في البلدان المتقدمة على الانتخابات التشريعية، وحتى على السياسات العامة للدولة، نعلم أيضاً أن الأحزاب تخوض صراع البرامج وصراع الاستراتيجيات، لا صراع الديكة، وفي أحيان كثيرة... صراع العناكب.

هللوا واهزجوا في الشوارع، وارفعوا الرايات، واقرعوا الأجراس، أو ارفعوا الآذان، ثم عودوا الى بيوتكم على الطرقات البائسة، واسهروا بين أنياب صاحب المولد الكهربائي، واغسلوا وجوهكم بالبيبسي كولا بدل الماء، ولا ماء. أكوام بشرية نحن، ونستحق ذلك النوع من القادة الذين الكثير منهم في سلال القناصل، حتى قيل أن لبنان نفسه لا يستطيع البقاء، ولو ليوم واحد، خارج سراويل القناصل.

وزراء وصفوا الأحد ـ الأحد العظيم ـ بالعرس الديموقراطي. الديموقراطية الهجينة في حضرة تلك التوتاليارية السياسية والطائفية الرثة. يا لمصيرنا!...

الأكثر قراءة

خرق الجمل «يهز» مُناصفة بيروت...ورسائل سياسيّة من البقاع «الثنائي» «والقوات» أكبر الرابحين... والمجتمع المدني أول الخاسرين القاهرة القلقة من التطوّرات الإقليميّة تدعم «حكمة» الرئيس عون